كتب /د. عادل عامر
تظهر أسواق الثروة الحيوانية الخاضعة للعولمة في ثلاثة أشكال:
(أ) سلسلة أسواق دولية تورد المنتجات الحيوانية من بلد لتصدره إلى تجار التجزئة والمستهلكين في بلد آخر. وهذه السلاسل تدار بواسطة تجار التجزئة الكبار، مثل محال السوبر ماركت، أو بواسطة شركات مستوردة تتعامل في سلع بعينها.
(ب) سلاسل منشأة بواسطة الاستثمارات الأجنبية المباشرة- وهي سلاسل متكاملة رأسيا في سلاسل الأسواق التي تورد إلى الأسواق الداخلية، وهي أسواق حضرية أساسا. وتدار هذه السلاسل عادة بواسطة تجار التجزئة الكبار مثل محال السوبر ماركت الدولية أو القطرية، وشركات الوجبات السريعة.
(ج) الأسواق المحلية المتضررة من العولمة- أدت تأثيرات العولمة على طلب المستهلكين وسلوكياتهم إلى ردود أفعال على سلاسل الأغذية المحلية بخلاف السلاسل المتكاملة رأسيا. وكمثال، فإن القائمين بتصنيع الألبان، وسلاسل الوجبات السريعة، والمطاعم، طورت وزادت من نوعية المنتجات في الأسواق، وإن لم تكن جزءا من السلاسل المتكاملة رأسيا.
ومع العولمة، يمكن أن ترتبط الأسواق الدولية والمحلية معا. فتدفق المنتجات وحركة السكان تحدث من سوق إلى آخر. وفي أسواق الدجاج على سبيل المثال، لا يتم تصدير جميع القطع، فالقطع غير المطلوبة للتصدير تباع للأسواق المحلية. ويتحول مربو الخنازير في بعض بلدان جنوب شرق آسيا من الأسواق القطرية إلى الأسواق الإقليمية، اعتمادا على الأسعار النسبية في الأوقات المختلفة من السنة. ورغم أن هذه الأسواق ليست متشابهة، فإن هناك بعض الملامح المشتركة في احتياجاتها وفي تأثيراتها، لاسيما في الحالتين الأوليين.
المزايا
17- بإمكان الأسواق الخاضعة للعولمة أن تزيد من الدخل القومي وأن تخلق فرصا للعمل. فبالنسبة للمنتجين والتجار، فإن الأسواق المحلية النامية قد تخلق مرونة وقدرا أكبر من التنوع في خيارات سبل المعيشة.
18- إن الاستثمارات في مكافحة الأمراض الحيوانية قد ترتفع بمستويات الخدمات الصحية البيطرية القطرية، وتقلل من تكاليف علاج هذه الأمراض. وقد يستفيد المستهلكون من مواصفات سلامة الأغذية إذا اشتروا من محلات التجزئة الكبيرة، أو إذا أدت مواصفات سلامة الأغذية المفروضة على أسواق التصدير إلى الارتفاع بمستويات الأسواق المحلية. فشروط السلامة والجودة في أحد سلاسل الأسواق، تؤثر في نهاية الأمر على الأسواق الأخرى، مع تعود المستهلكين على المستويات المرتفعة وتنقل المنتجين بين الأسواق.
19- وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي وجود محال تجزئة كبيرة إلى تخفيض أسعار المستهلكين، ففي الصين على سبيل المثال، كان لانتشار محال السوبر ماركت الفضل في كسر احتكار شركات الألبان المحلية، وخفض أسعار منتجات الألبان، وطرح تشكيلة أكبر من المنتجات.
20- كما يمكن تقليل المخاطر عن طريق ترتيبات تعاقدية مصممة تصميما جيدا. بالإضافة أن شروط السلامة والجودة تسهل عملية تطوير الأسواق والدخول إليها عندما لا تكون هناك مواصفات، فلابد لتجار التجزئة من التكامل رأسيا لأن عليهم أن يؤكدوا جودة وسلامة منتجاتهم. وعندما تطبق المواصفات على نطاق واسع، قد لا يصبح التكامل الرأسي ضروريا.
21- ومن المهم بنفس القدر، أن اهتمام القطاع الخاص بإرساء مواصفات يمكن أن يكون له فائدته إذا ساهم القطاع في التكاليف المرتبطة بالتغييرات المؤسسية والتقنية عند وضع مواصفات فعالة.
المواصفات والقواعد
22- تميل القواعد الخاصة بالصحة الحيوانية وسلامة الأغذية إلى الصرامة في سلاسل الاستثمار الدولية والمحلية، مدفوعة في ذلك بتفضيل المستوردين وتجار التجزئة الكبار والمستهلكين من الطبقة المتوسطة لعدم وجود أي أخطار. وتمثل المدونات والمعايير الدولية التي وضعتها المنظمة الدولية للأوبئة الحيوانية وهيئة الدستور الغذائي الأساس لأي مفاوضات. ولتطبيق هذه المواصفات والمدونات، قد يحتاج البلد المصدر إلى تطبيق عدد من الترتيبات. وكمثال، فقد يحتاج الأمر إلى بلد أو منطقة خالية من الأمراض، مع ضرورة إقامة مناطق عازلة محيطة بها للوقاية من المرض، قد يحتاج المنتجون إلى نقل مواقعهم، أو الاستقرار في مناطق من البلد تكون مفصولة ماديا بأسوار أو خاضعة إلى رقابة مشددة على حركة الحيوانات. ولابد أن تلتزم المسالخ بمواصفات عالية للأمراض التي تنقلها الحيوانات للإنسان وسلامة الأغذية، وأن يكون الأمن الحيوي على أماكن الإنتاج والتجهيز صارما حتى يمكن مكافحة الأمراض التي تنقلها الحيوانات للإنسان. كما ينبغي أن تكون نظم الرقابة على الأغذية وإصدار شهاداتها ذات مستوى مرتفع. وبالإضافة إلى مواصفات الصحة والسلامة والقواعد التي تتفق عليها الأجهزة الدولية، ربما احتاج الأمر إلى شروط تقنية إضافية لابد من فرضها بواسطة تجار التجزئة، مثل قطع اللحوم المعينة، وحجم الذبيحة ووزنها، وخلو اللحوم من الدهون، ومستوى الدهون في الألبان، ولون البيض، وإعطاء معلومات معينة في ملصقات الأغذية أو بلغات معينة، والإنتاج العضوي، ورعاية الحيوانات. وفي الأسواق المتشابكة، نجد أن معايير الأسواق مرتفعة القيمة قد تطبق في الأسواق ذات القيمة الأقل، وإن كانت عادة ستطبق بصورة أقل صرامة.
الاستبعاد
23- أسواق العولمة هي أسواق مغلقة. فبعض المنتجين فقط هم الذين تنطبق عليهم شروط الدخول إلى هذه الأسواق، في الوقت الذي قد يجد فيه صغار المنتجين صعوبة في تعلم الشروط الضرورية أو القيام بالاستثمارات اللازمة. ففي السلاسل المتكاملة رأسيا والتي يديرها كبار تجار التجزئة، تميل عمليات التوريد إلى التحول باتجاه نظم التوريد المركزية، مثل استخدام تجار الجملة المتخصصين في فئة معينة من المنتجات، و/أو متفرغين لهذه السلسلة من الأسواق. وقد تلجأ سلاسل محال السوبر ماركت الكبيرة إلى نظم المورد المفضل لانتخاب موردين تتحقق فيهم مواصفات الجودة والسلامة، ويقللون تكاليف المعاملات. وقد تشترى المنتجات من منطقة جغرافية شاسعة، مع تنسيق عملية الشراء بين مناطق جغرافية مختلفة.
24- وقد تصبح شروط السلامة والجودة حواجز غير تعريفية، يتكلف التغلب عليها كثيرا كما كان يتكلف بالنسبة للحواجز التعريفية السابقة. ويتم تحديث هذه الشروط كثيرا، حتى أن سرعة تغيير هذه الشروط قد تمثل مشكلة بنفس حجم التغيير. فالمنتجون الكبار والقائمين بالتجهيز يستثمرون في شروط تتعدى شروط اليوم تقليلا لعدد التغييرات اللازمة، ولكن صغار المنتجين يجدون صعوبة في القيام بذلك. أو في انتظار المطالب الجديدة التي ستطلب في المستقبل.
25- وبإمكان الذين يخرجون من أسواق العولمة أن يواصلوا التوريد للأسواق المحلية، أو التحول إلى مشروع بديل للثروة الحيوانية، أو يخرجون من مجال إنتاج الثروة الحيوانية. أما فرص العمل الأخرى، فقد تزيد داخل السلسلة. وكمثال، فإن النقل، والتجهيز، والتفتيش، والموظفين، قد زادوا من فرص سبل المعيشة، وإن كان استقلالهم الذاتي محدودا، ومازالوا معتمدين على بقاء تجار التجزئة.
26- وقد تزيد أسعار المستهلكين لتغطية تكاليف التعبئة ومراقبة الجودة. ويتأثر التأثير النسبي لتخفيض الأسعار من اقتصاديات الحجم الكبير، وزيادة الأسعار من أجل الجودة على التنافس، وكما أنه يتفاوت من حالة إلى أخرى. وقد يعاني المستهلك في الريف إذا صعب عليه الحصول على المنتجات التي يريدها محليا.
زيادة المخاطر
27- قد يتعرض المنتجون الذين يصبحون جزءا من سلسلة متكاملة إلى تغيير في ترتيبات التعاقد (كأن يصبحوا مزارعين متعاقدين لهذه السلسلة وحدها) مع زيادة مستويات المساعدة وارتفاع أسعار المنتجات الجيدة، ولكن مع مخاطر متزايد في حالة فسخ العقود أو إغلاق تجار التجزئة أبوابهم. وينطبق ذلك بشكل خاص عندما يتعين على المزارع أن يتخصص لكي يفي بشروط الحجم والسلامة والجودة، ولذا جرت العادة على أن يختار أصحاب الحيازات الصغيرة مجموعة من المؤسسات للاحتياط من هذا الخطر ويستثمرون مبالغ صغيرة نسبيا في عدة مؤسسات، ولكن ذلك يصبح أكثر صعوبة إذا طلب إليهم استثمار مبالغ أكبر في مؤسسة واحدة للوفاء بمتطلبات تاجر التجزئة. فالأسواق الخاضعة للعولمة تعتبر أشد خطورة عادة، مع ارتفاع شروط السلامة والجودة، حيث أن السوق بأكملها قد تغلق أبوابها مع ظهور أي مرض أو اكتشاف مشكلة في الجودة. فالمنتجون من أصحاب المزارع الصغيرة وصغار التجار ليس لديهم سوى مجال وقدرة محدودين لتأمين أنفسهم ضد الخسائر.
العوامل الخارجية
28- المنتجون الذين لا يستطيعون أن يكونوا جزءا من سوق خاضعة للعولمة قد يتعرضون لتأثيرات سلبية خارجية من هذه السوق. فأي تراجع في أسواق التصدير أو رخص الواردات قد يخلق تنافسا على صغار الموردين في الأسواق المحلية. ويصبح على المقيمين في منطقة خالية من الأمراض أو منطقة عازلة أن يلتزموا بقواعد الحركة. وقد تزيد مخاطر الأسواق أيضا. فعندما يتسبب ظهور أحد الأمراض الحيوانية العابرة للحدود في إغلاق السوق الدولية، قد تغرق الأسواق المحلية بالمنتجات الفائضة. وقد تسبب مرض الالتهاب الرئوي البللورى المعدي في الأبقار، والحمى القلاعية، وأنفلونزا الطيور الشديدة الإمراض في حدوث مثل هذه الحالات في السنوات الأخيرة. كما أن على البلدان الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن تفتح أسواقها أمام الواردات، الأمر الذي سيخلق منافسة على الأسعار أو الجودة. ولكن قدرة العاملين المحليين على المنافسة، تتأثر بالبيئة الاقتصادية وبيئة السياسات التي يعملون من داخلها.
29- وقد تظهر أيضا بعض التأثيرات الخارجية والانعكاسات السلبية على البيئة. فقد تتسبب الأسوار التي تقام حول منطقة خالية من الأمراض في الإضرار بالحياة البرية. فمصدرو الدجاج والخنازير يستفيدون عادة من وفورات الحجم الكبير، الأمر الذي يخلق وحدات صناعية ضخمة بما لها من مشكلات محتملة في إدارة المخلفات وتهديد جودة مصادر المياه المحلية.
30- وقد تحدث أخطار صحية سلبية على صحة الإنسان إذا انتقلت الأمراض التي تنقلها الحيوانات للإنسان عبر الحدود عن طريق التجارة في الحيوانات. فالأسواق العالمية تزيد من المجال المحتمل لانتشار الأمراض، بينما الأسواق المتداخل قد تزيد من مشكلات مراقبة الأمراض وخطر انتشارها بين السلاسل المختلفة.