تشكل الثقافة عنصراً مهماً في التقارب بين الأمم والشعوب، لما لها من قدرة على خلق قنوات اتصال بعيدا عن تجاذبات السياسة والايدلوجيا، كما تملك الثقافة القدرة على إحداث التغيير الحضاري الإيجابي، ومن جانب ثالث تقوية أواصر التقارب والاندماج بين الشعوب والحضارات، وفي سبيل تعزيز التبادل التجاري بين مصر وأفريقيا اتخذت الحكومة المصرية عدد من الإجراءات والآليات منها: إعلان استراتيجية تنمية الصادرات المصرية للقارة الأفريقية في عام 2018، وإرساء برنامج دعم الصادرات المصرية إلى الدول الأفريقية،
عن طريق مساهمة صندوق تنمية الصادرات المصري في تكلفة النقل والشحن للدول الأفريقية، حيث يتحمل الصندوق 50% من تكلفة الشحن البري والبحري للصادرات المصرية المتجهة لأفريقيا، فضلًا عن استضافة مصر المعرض الأفريقي الأول للتجارة البينية ديسمبر 2018.، واستضافة مصر لورشة عمل “صنع في أفريقيا” 2019.
وفي سياق متصل، بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في أفريقيا حتى عام 2018 حوالي 10.2مليار دولار، فيما بلغت الاستثمارات الأفريقية في مصر حوالي 2.8مليار دولار. شهدت السنوات الست الماضية من 2014 إلى 2020، تطورًا كبيرًا على صعيد العلاقات المصرية الأفريقية، نجحت فيه القاهرة في استعادة الدور والتأثير في هذا العمق الحيوي،
وهذا التطور لم ينتج عن مبادرات فردية، وإنما جاء في إطار توجه الحكومة المصرية نحو القارة الأفريقية واهتمامها بعمقها الاستراتيجي، ودورها التنموي في القارة الذي افتقدته لسنوات طوال، وكادت أن تخسره، ولكن مع الكثير من العمل
استطاعت أن تستعيد هذا الدور وتسعى لمزيد من التعاون والاندماج مع الشعوب الأفارقه مع تقديم كل العون وتسخير الجهود والخبرات المصرية لدعم تنمية القارة. ترتكز السياسة المصرية تجاه إفريقيا على عدة مسارات متوازية ومتكاملة، فهناك مسار التنمية المستدامة بين دول القارة الإفريقية، حيث تبنت مصر تجاه الدول الأفريقية مسار التنمية المستدامة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والتوسع في مشروعات ريادة الأعمال من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الإفريقي وتجفيف بيئة العنف والإرهاب، وتحويل القارة من منطقة طاردة للبشر إلى منطقة جاذبة تنمو بكوادرها وأبنائها ومواردها الضخمة.
إن قوة الدولة لا تتجزأ، فثمة علاقة طردية قائمة تحكم العلاقة بين الداخل والخارج للدولة، وإن البعد الثقافي المصري في أفريقيا ربما يكون انعكاساً لأوضاع البيئة الداخلية المصرية، وإن إهماله المصري ربما يكون السبب الرئيسي في تراجع الدور الإقليمي المصري على مستوى القارة الأفريقية.
وأشار الكاتب إلى أنه مع نهايات القرن الثامن عشر، كانت الثقافة المصرية تعرف كماً كبيراً ومتنوعاً من المدونات والمؤلفات المكتوبة والروايات الشفهية عن المعاملات التجارية والممارسات السياسية والعسكرية للدولة المصرية مع دول الجوار الأفريقي، التي امتدت حتى سواحل المحيط الأطلنطي غرب القارة، ثم جنوباً حتى مناطق الصحراء وبلاد السودان، بالمعنى الجغرافي والتاريخي.
وفي فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى ثورة يوليو، كان أهم المعالم وأكثرها تأثيراً وفاعلية في العلاقات المصرية الأفريقية يتمثل في الميدان الثقافي، من حيث التراكم والتنوع. وقد بدأت المعرفة المصرية بأفريقيا تتوسع، وتعددت وجهات النظر والآراء السياسية تجاه قضايا أفريقيا، وذلك على مستوى النخبة والرأي العام المصري، كما توسعت العلاقات الدينية مع الدائرة العربية الأفريقية والدائرة الإسلامية الأفريقية، من خلال الجامع الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية المصرية، وصاحب هذا النمو نشاط دبلوماسي في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بشأن القضايا السياسية الأفريقية التي كان أبرزها تصفية الاستعمار الأوروبي. إلا أن البُعد الثقافي المصري، خلال هذه الفترة، تقلص على الجانب الأفريقي إلى أدنى حد، وذلك مع تقلص الدور الإقليمي المصري.
ومع ثورة يوليو 1952، عملت الحكومة المصرية على استعادة الدور المصري على الساحة الأفريقية، لتؤدي دورها الطبيعي بحكم العناصر التاريخية والجغرافية المشتركة، القائمة على روابط عدة، معتمدة على قدراتها البشرية وثقلها الحضاري والثقافي وقدراتها العسكرية المتميزة.
ومع المتغيرات التي طرأت في التسعينات، بأفول عصر القطبية الثنائية، وانتهاء الحرب الباردة، واجهت مصر أزمة حقيقة، تمثلت في تقلص دورها الإقليمي من جديد، وأصبح موقع الدائرة الأفريقية غير محدد في اهتمامات السياسة الخارجية المصرية في تلك الفترة، في حين تصاعدت أدوار المنافسة الدولية على المستويين الإقليمي والدولي، وفي كل المجالات، مما أدى إلى جمود الحركة المصرية الفاعلة في منطقة حوض النيل والبحر الأحمر، مع الاكتفاء بالحفاظ على الأوضاع القائمة.
وصاحب فترة التسعينات نوع من التكالب الجديد على أفريقيا من قبل القوى الخارجية التقليدية، كفرنسا والمملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى القوى الجديدة التي أخذت في الظهور على الساحة الدولية، مثل الصين التي ارتبط بها هذا التكالب من وجهة نظر بعض الكتابات الغربية، وإيران، وعودة إسرائيل مرة أخرى إلى الساحة الأفريقية بقوة، بالإضافة إلى تركيا، وغيرها من القوى المتطلعة للمنافسة ولعب دور حقيقي في أفريقيا يخدم مصالحها الوطنية، وقد نتج عن كل ذلك تقلص البعد الثقافي المصري وتأثيره الإقليمي.
تشهد الدبلوماسية الرئاسية المصرية تجاه أفريقيا نشاطاً مكثفاً على كافة الاتجاهات، وهو ما يمنح التعاون المصري -الأفريقي المزيد من الزخم اللازم لزيادة فعالية العلاقات المصرية الأفريقية، غير أنه ليس من السهل استعادة الدور المصري الفاعل في أفريقيا، في ظل الأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها الكثير من دول القارة، تشهد المرحلة الحالية التقاء في المصالح الإفريقية – الإفريقية والتي تلعب فيها مصر دورا يقوى مع الوقت ولكن بأدوات تنموية ساعية الى امتلاك الأفارقة أدوات التقدم في جميع المجالات.
تطرح مصر قضية التنمية بثالوث الأمن الغذائي والمائي والطاقة، باعتبار ان هذا الثالوث هو الداعم للقدرات الشاملة للقارة الإفريقية. وتنشط مصر حاليًا في بناء تكامل إقليمي فقد تبنت فكرة السوق الإفريقية بين ثلاثة تجمعات اقتصادية وهي الكوميسا والسادك وتجمع شرق إفريقيا، وقد تم تطوير هذه المنظومة عام 2018 لتكون منطقة التجارة الحرة التي تتبناها القارة حاليًا في اتفاقية التجارة الحرة. بالإضافة إلى تبني مصر ودول إفريقيا سياسات على المستوى الثنائي من شانها التصدي لمحاولات النزوح الجماعي الداخلي من خلال رفع القدرات الشاملة للعديد من الدول الإفريقية.
وهناك تعاون مشترك بين مصر وبعض الدول الإفريقية في مجالات مكافحة الإرهاب إضافة الى عقد الاتفاقات مع كلًا من القوات المسلحة السودانية والتشادية لضبط الحدود بين الدول الثلاثة من جهة وبينها وبين ليبيا من جهة أخرى.
إضافة الى تدشين آليات مشتركة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة العابرة للقارة وتهريب المخدرات ومكافحة الهجرة الغير شرعية الى دول أوروبا.
ولعل السؤال المطروح الآن: هل تستطيع مصر في ظل ما تمر به من صعوبات، أن تستثمر علاقاتها الأفريقية بشكل فعال؟، في إطار سعيها نحو استعادة دورها الحيوي في أفريقيا والمنطقة، وحاجة مصر إلى ضمان مصالحها الوطنية، وتعزيز حضورها المتوازن في القارة الأفريقية؟، لا سيما وأن مصالح الدول تتطلب دائماً المبادرة وليس رد الفعل، وهو ما يقوم به الرئيس السيسي، من خلال المبادرة بالزيارات الخارجية التي تستهدف تفعيل علاقات مصر الدولية على المستويات كافة، على الرغم من العقبات التي تعترض طريق تطوير وترقية تلك العلاقات، غير أن النجاح وما يحققه من حوافز ومصالح مصرية يستحق ذلك الجهد المبذول في مواجهة التحديات!.