كتب د/ عادل عامر
يعد الدعم الحكومي جزء أساسي من السياسات العامة لأي دولة تسعى لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. وهو عبارة عن الإمدادات المالية المقدمة من قبل الحكومة لتخفيض أسعار السلع والخدمات الأساسية بالنسبة للمواطنين، ويتم تطويع أشكال وآليات الدعم الحكومي لكل دولة وفقًا لمحددات وتحديات كل فترة لتوفير شبكة أمان للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع، وتأمين حد أدنى من الدخل والخدمات الأساسية؛ لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتحسين جودة الحياة لجميع أفرادها.
إن «التحول للمنظومة النقدية يمثل أهمية كبيرة لتقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، ولضمان وصول الدعم لمستحقيه»، والدعم النقدي سوف «يساهم في الحفاظ على توفر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجاً، ويضمن صرف مبالغ نقدية شهرية للمستحقين، بما يمكنهم من سد الفجوة في أسعار السلع المرتفعة». أن «الدولة تنفق أموالاً طائلة لدعم الطاقة والكهرباء والمواد البترولية والسلع التموينية والغذائية”. يستفيد نحو 63 مليون مواطن من منظومة الدعم التمويني بمصر و ربط القيمة النقدية بمعدل التضخم؟»،
ويجب ان يتم استخدام فيزه للمشتريات تكون مدعومة بمبلغ الدعم لشراء السلع التي تحتجها الأسر المقرر لها هذا الدعم نظرا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة. إن “الدعم النقدي سوف يغطي عددًا من الخدمات وليس كل الخدمات، لو افترضنا أن تكلفة الدعم يصل إلى ألف جنيه للفرد الواحد في الشهر، وافترضنا أن الأسرة مكونة من خمسة أفراد، فإنها بالتالي ستحصل على خمسة آلاف جنيه شهريا، وهذا مجرد مثال”. في هذا الإطار، تصبح منظومة الدعم النقدي المشروط هي الآلية الأكثر قدرة على تجاوز هذه الإشكالية؛ حيث يحصل مستحق الدعم على «قيمة نقدية» بصورة شهرية، لكنها «موجهة» للصرف في إطار سلعي محدد، كما أنها «مشروطة»؛ أي تلتزم الأسرة المتلقية للدعم بشروط تحددها الجهات الحكومية المنوط بها تقديم الدعم كضمان انتظام أبنائها في مراحل التعليم المختلفة، والالتزام بالرعاية الصحية للمواليد. إلخ.
وفقا لذلك، تكون منظومة الدعم النقدي المشروط قد ساهمت في تحقيق هدفين، أولهما: إخراج الأسر من دائرة الفقر من خلال دعم هذه الأسر بمبلغ نقدى مباشر. وثانيهما: الاستثمار غير المباشر في «رأس المال البشرى»، بإجراءات حماية اجتماعية لأبناء تلك الأسر بما يؤدى على المدى الطويل إلى تحسين مستوى معيشة الأسر الأكثر فقرا.
وفي محاولة لتبني سياسات من شأنها تعزيز حوكمة هذه المنظومة؛ بهدف تقليل جزء ضئيل من الأعباء التي تتحملها الدولة، خاصة بعد تأثر الاقتصاد المصري بعدد من اللطمات المتوالية والمتزامنة الأثر كجائحة كورونا، والحرب على قطاع غزة مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، والأزمة السودانية. أوضح الدكتور مصطفى مدبولي، أن الحكومة السابقة وضعت خطة بمستهدفات وأرقام واضحة تستطيع من خلالها في الفترة القادمة زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، وزيادة صادراتها وتقليل فاتورة الاستيراد من خلال حوكمة عملية الاستيراد، وبما يجنب مصر التعرض مرة أخرى لهذه النوعية من الهزات الاقتصادية.
على الجانب الأخر، تضمن هذه الآلية استقرار أسعار السلع الأساسية في السوق، وضمانة توفيرها بقدر وكم مناسب للمواطنين من خلال المنافذ الحكومية، ويحد نسبيًا من أثر التصرفات الاحتكارية لبعض التجار. وفي هذا الصدد، يوفر الدعم العيني استهداف أدق للأسر الأكثر حاجة عند توزيع سلع بعينها مباشرة.
في المقابل، يؤخذ على نظام الدعم العيني بعض الأمور، أهمها: ارتفاع التكلفة التشغيلية لمنظومة الدعم العيني، فهي تحتاج إلى تنسيق لوجيستي معقد، وقد يتسبب ذلك في تأخير التوزيع ووصول الدعم إلى المستفيدين بسبب مشاكل في النقل والتوزيع. فيتطلب تخطيط عمليات التوزيع ضرورة توفير بدالين بالعدد الكافي والمتناسب مع سكان ومساحة كل منطقة، وتجمع عمراني جديد، بجانب التنسيق مع المنطقة اللوجيستية المثلى التي يمكن من خلالها توزيع السلع التموينية والدقيق لمراكز التوزيع للمواطنين.
وهو ما يؤكد احتمالية حدوث إهدار للموارد وشبهات فساد أثناء عمليات التوزيع من الأفرع المركزية والوسيطة وصولًا للمواطن، ومن أشهر أشكاله: غش أصحاب الأفران في وزن الرغيف، أو مغالطة المواطنين في عدد الأرغفة المباعة في كل عملية وسرقة فارق العدد، أو تلاعب البدالين في قائمة السلع المصروفة وتبديلها بسلع استراتيجية على أن يتم إعادة بيعها بالسعر الحر مرة أخرى، وهو ما ينقلنا إلى افتقاد الدعم العيني لميزة المرونة، حيث يفتقر المستفيدون إلى حرية اختيار كيفية استخدام الدعم وتنويع المنتجات وفق تفضيلات معينة، مما قد يؤدي إلى تلبية احتياجاتهم بشكل غير كامل.
على النقيض من ذلك، يمنح الدعم النقدي المستفيدين المرونة الكافية في الإنفاق، فيستطيع المستفيدين تحديد كيفية إنفاق المال بناءً على احتياجاتهم وتفضيلاتهم الفعلية، بدلاً من تلقي سلع قد لا تكون مفيدة لهم في جميع الأوقات، وهو ما يعزز من استقلالية الأفراد ويساهم في تعزيز كرامتهم واحترام خياراتهم. وهو نفسه الأمر الذي قد يسهم في تقليل الفساد والإهدار في توزيع السلع والخدمات، والأموال فمن السهل تتبع حركة الدعم النقدي بشكل افضل والتأكد من ضمان وصوله إلى المستفيد المستحق من خلال أدوات الشمول المالي.
على الجانب الأخر، يسهم الدعم النقدي في تخفيض التكاليف التشغيلية واللوجيستية لتوزيع السلع في سلسلة التوريد المعتادة، فيمكن تنفيذ برامج الدعم النقدي بتكاليف أقل بكثير عبر التحويلات البنكية أو البطاقات الإلكترونية. بل إنه يسهم في تحفيز الاقتصاد المحلي،- حال تم تحديد مسارات الدفع على السلع المحلية فقط- كذلك يتم إنفاق الأموال في الأسواق المحلية، وهو ما يشجع مزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الإنتاج والاستثمار في السوق المصري، كما يسهم في دمج آلاف من مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي للقدرة على الانخراط كواحدة من نقاط تبديل الدعم الرسمية، وهو ما يعني مزيد من إحكام الرقابة على السوق وحوكمة تحركاته.
في المقابل، يؤخذ على نظام الدعم النقدي احتمالية سوء إنفاق بعض المستفيدين المال على سلع غير ضرورية أو ضارة، مثل الكحول أو التدخين. كما قد تواجه المنظومة صعوبات في الوصول إلى الأفراد الأكثر حاجة والمستحقين الحقيقيين إذا لم تكن هناك آليات تسجيل فعالة، وهو ما يتطلب وجود قاعدة بيانات محدثة وشاملة ومرنة –تحتمل حرية دخول وخروج الأفراد من المنظومة- للأفراد والأسر الأكثر حاجة. كما يتطلب وجود بنية تحتية مالية قوية، بما في ذلك وجود بنوك أو مؤسسات مالية موثوقة إلى جانب نقاط دفع مالية، ومنافذ بيع تعمل تحت مظلة الاقتصاد الرسمي وتحظى برقابة مالية وإدارية من قبل الدولة في جميع المناطق، وقد يكون هذا تحديًا في المناطق الريفية أو النائية الآن، لكن يمكن التغلب عليه بمراعاة ذلك بالتزامن مع إنهاء كافة مراحل المشروع القومي حياة كريمة.
فيما يعد التخوف الأكبر من التحول نحو الدعم النقدي، تأثير التضخم وارتفاع الأسعار، فقد يؤدي ضخ أموال كبيرة في الاقتصاد إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، مما يمكن أن يسبب تضخمًا وارتفاعا في الأسعار وبالتالي تآكل قيمة الدعم، أو وقوع المواطنين فريسة للسياسات الاحتكارية لبعض التجار وعدم وجود بديل حكومي مدعوم قادر على السيطرة على انحرافات السوق، لذا يجب أن تُدار هذه العملية بعناية لتجنب هذه الآثار السلبية، والتي يعاني منها الاقتصاد القومي في الأساس. وفي سبيل الطمأنة من مثل هذا التخوف أكد الدكتور مدبولي، رئيس الوزراء، أن مبلغ الدعم سيكون محددا ومعروفا، بل وقابلا للزيادة كل عام مع حدوث التضخم وفي ظل مؤشرات معينة.
كما يحتاج تطبيق المنظومة إلى تضافر كافة الجهود الرقابية والأمنية والتكنولوجية والمالية والاقتصادية لإحكام الرقابة على الأسواق ومراعاة التغيرات الممكنة في أسعار السلع عالميًا، والارتفاعات الممكنة لمعدلات التضخم. هذا كله، بخلاف التخوفات المجتمعية والاقتصادية لدى كل مواطن سوف يتأثر بشل كبير جراء هذا القرار، ولن رقعة التأثير عند المواطنين المشمولين ببرامج الحماية الاجتماعية، لكنها ستطال المواطنين المصريين جمعاء.
ويبقى التساؤل هل يتم الإبقاء على منظومة الدعم العيني، أم إنه حان الوقت للتحول للدعم النقدي؟ خاصة وأن التحول من الدعم العيني إلى النقدي يمثل خطوة جريئة نحو تحسين فعالية وكفاءة برامج الدعم الحكومي. فرغم التحديات المتعددة التي تواجه هذا التحول، إلا أن الفوائد المحتملة تجعله خيارًا يستحق النظر بجدية.
لكن في حقيقة الأمر، ليس هناك إجابة قاطعة على هذا السؤال، إذ تعتمد الإجابة على القبول العام للقرار وهو ما ستسفر عنها جلسات الحوار الوطني والمجتمعي المزمع عقدها خلال الأشهر القليلة القادمة، بجانب البيئة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. إلى ذلك، تتطلب عملية التحول هذه تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا محكمًا لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتحسين الأوضاع المعيشية للفئات المستهدفة. باتباع أفضل الممارسات ودراسة تجارب الدول الأخرى، وإلا ستكون عواقب فشل المنظومة الجديدة ستكون وخيمة ويصعب السيطرة عليها.
وبوجه عام، فالمعادلة هنا ليست صفرية ما يعني ضرورة الإلغاء التام لأحدهما، في حين يمكن تحقيق توازن ناجح بين الدعم النقدي والعيني بما يحقق الفائدة القصوى للمجتمع ككل. ومن ثم يمكن أن يكون الجمع بين النظامين هو الحل الأمثل، حيث يتم توفير دعم نقدي للذين يمكنهم استخدامه بشكل فعال –خاصة أن تطبيقه يتطلب اعتياد استخدام أدوات الشمول المالي في حين مازال يعاني حوالي 20% من الأمية الهجائية بين السكان بالفئة العمرية 10 سنوات فأكثر- ودعم عيني لمن يحتاجون إلى ضمان وصول السلع الأساسية مباشرة. فيعتمد القرار النهائي على تحليل دقيق للبيئة المجتمعية واحتياجات المستفيدين.
وأيا كان قرار التطبيق النهائي، بنهاية العام الجاري، فإن آليات التنفيذ الراهنة تتطلب مزيد من التطوير ببعض جوانبها، لعل أبرزها:
ضمان وجود شبكة واسعة – تنتشر بكافة ربوع الدولة بصورة كافية وعادلة- من المتاجر المعتمدة لدى الدولة ومندرجة ضمن الاقتصار الرسمي للدولة، وما يستتبعه ذلك من ضرورة توفير بنية تحتية ورقمية قوية وتنسيق لوجستي عالي لمنع التأخير والإهدار والفساد.
–مع توفير آليات مراقبة تتيح تحكمًا أفضل في نوعية وكميات السلع التي يتم شراؤها لضمان عدم استغلال و/أو التلاعب بقسائم شراء السلع الاستراتيجية. لضمان كفاءة وفعالية توزيع الدعم ومنع الفساد والإهدار. وفي هذا الصدد، ينبغي نشر الوعي بين المستفيدين حول كيفية الاستفادة من الدعم، وأهمية الاستخدام الرشيد للموارد، وتكلفة التراخي والمشاركة في هدر الدعم. مع تغليظ العقوبات والغرامات بقضايا الفساد من هذا النوع.
بناء شراكات تعاون مع المنظمات ومنافذ البيع غير الحكومية المحلية والدولية لتوزيع السلع على المستفيدين. ومن خلال بطاقات بنكية مشحونة برصيد محدد يمكن من خلالها إتاحة شراء سلع معينة من المتاجر المعتمدة، ويمكن الاعتماد على نتائج التجربة الجاري تطبيقها بمحافظة بورسعيد لدراسة مدى قابلية الآلية للتنفيذ، ومدى تقبل المواطن لها.
ضرورة بناء قواعد بيانات أكثر شمولا وإحكامًا وتطورًا وترابطًا ومرونة للتكيف مع الظروف المتغيرة والاحتياجات المتنوعة للمستفيدين، وضمانة قابلية دخول وخروج المواطنين من منظومة الدعم وفق المحددات المختلفة بسهولة ويسر، لاستعادة الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة.
ختامًا، نظام الدعم الحكومي في مصر يلعب دوراً حيوياً في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، واستطاع على مر العقود من انتشال العديد من الأسر من براثن الفقر، وتقليل حدته. ولكن لعدم استدامة تقييمه وتطويره خلال هذه الفترة، فإنه يواجه تحديات كبيرة تتطلب إصلاحات جذرية لضمان فعاليته وكفاءته. من خلال تحسين آليات الاستهداف، ومكافحة الفساد، وإعادة النظر في إمكانية التحول التدريجي في بعض أشكال الدعم إلى نقدي، وبغض النظر عن آلية الدعم المنفذة أصبح لزاما على الدولة ان تضع نصب أعينها إنه لا مناص من ضرورة تعزيز المكون والمنتج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد. يلاحظ هنا أن مختلف أنواع الدعم بصورتيه العيني والنقدي يلعبان دورا مهما في تحقيق وإنفاذ برامج «شبكات الأمان» الاجتماعية، والتي تعد محورا رئيسيا في تعريف الحماية الاجتماعية باعتبارها تشمل توفير الاحتياجات الأساسية للشرائح الأكثر فقرا في المجتمع، وبرامج التأمين الاجتماعي، وبرامج سوق العمل التي تحقق التمكين الاقتصادي.