التكافؤ الاجتماعي والزواج الأخر

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                                   

أن التكافؤ الاجتماعي ليس له أهمية في إنجاح العلاقة، ندلل على ذلك بكم كبير من الزيجات اعتمد على التكافؤ وفشل، في الوقت الذي غاب هذا الشرط عن حالات أخرى ونجحت لوجود الحب والتفاهم بين الطرفين. ويظل التكافؤ في السن من أهم الأركان الضرورية لزواج ناجح، ومن النادر أن تنجح زيجة بين شخصين متفاوتين إلى حد غير مقبول في العمر، لاختلاف نمط التفكير والاهتمامات، وتؤسس هذه الزيجات عادة على المصلحة المادية التي تنعدم مع مرور الوقت!

 أن زواج الصالونات القائم على فكرة التكافؤ الاجتماعي في أغلب الأحيان يفشل؛ لأنه خالٍ من المشاعر والأحاسيس، فالفيصل هو الحب لنجاح الأسرة وقيام علاقة زوجية سعيدة.

وعن شروط العلاقة الزوجية الناجحة، قال علام: الحب المتبادل، والنضج النفسي والعاطفي والانفعالي للطرفين؛ لان هناك شخصيات لا تصلح للزواج كونها غير مكتملة النضج النفسي والعاطفي، ومن ثم لا تستطيع مثل تلك الشخصيات الزواج وأن تقيم أسرة سعيدة.

 أما عن تأثير الزواج غير المتكافئ في الأسرة والأطفال إنه في حال وجود الحب والنضج والتفاهم بين الطرفين لن تحدث أي مشكلات أو آثار سلبية تؤثر في الأطفال، ويصبح جو الأسرة هادئًا وأفرادها متفاهمين والعلاقات بداخلها حميمة، ومن ثم تستطيع الأسرة أن تخلق أطفالاً أسوياء.

 لكن بالعودة إلى الواقع، نجد كما أشرنا أن معايير التكافؤ تغيرت، فثقافة الرجل وتعليمه ونجاحه في عمله وأخلاقه القويمة، صارت بالنسبة لأسر كثيرة أهم من معيار التكافؤ في الحسب والنسب.

لقبول النفسي والارتياح بين الشاب والفتاة في فترة الخطبة عامل هام لنجاح العلاقة بينهما بعد الزواج، لكن يأتي التكافؤ بينهما ليكون أحد العوامل الرئيسية التي يجب أن يراعيها الزوجان عند اختيار شريك الحياة، ولا مانع أن تأتي الكفة لصالح الزوج بعض الشيء ليكون شعور الزوجة بتميز زوجها عنها، وبالتالي تأتي القوامة، باحتوائه لها وقوامته النفسية عليها.

 ويتحير الكثيرون عند تحديد معايير التوافق والتكافؤ بين الزوجين، فقد ترى بعض الفتيات أن الفروق في السن قد تكون سببًا للتعاسة الزوجية، في حين يرى بعض الشباب أن الفروق الكبيرة في السن بين الزوجين قد تكون معيارًا للسعادة عندما تكون الزوجة دائمًا صغيرة بالسن، ويتحدث معظم الآباء والأمهات عن التكافؤ المادي بين الزوجين، ليضمن والد العروس أن زوجته ستكون سعيدة… معايير كثيرة لا نعرف الصحيح منها،

1-    إلى أي مدى يمكننا أن نعتبر الكفاءة أساسًا مهمًا في اختيار الزوجين وهل لذلك مستند معتبر؟ التكافؤ من العوامل الأساسية المعتبرة في إنجاح الحياة الزوجية، والمقصود بالتكافؤ هنا ليس التطابق ولكن مجرد التقارب وعدم وجود ما يسبب الضرر في الزواج ويكون التقارب في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري أيضًا، كما يكون التقارب كذلك في العادات والتقاليد. وما يؤكد على ذلك حديث الرسول صلي الله عليه وسلم عندما قال: «ثلاث لا تؤخر، وهن الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤًا» (الترمذي والحاكم). وضَّح الرسول صلي الله عليه وسلم في الشطر الأخير من الحديث شرطًا ثالثًا -خلاف الدين والخلق- لنجاح الزواج وهو الكفاءة بين الزوجين. وما جاء عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء» (ابن ماجه)، وغير ذلك من الآثار. وعلى الرغم من ضعف كثير من الآثار الواردة بهذا المعنى -من حيث ثبوتها- فإنها في جملتها تشير إلى اعتبار الكفاءة عند التزويج، بوصفها شيئًا من أسباب نجاح الزواج، وقد يفهم بعض الناس الكفاءة فهمًا ضيقًا، فيشترط كثرة المال، أو علو الجاه، أو جنسًا معينًا يتزوج منه، أو أصحاب حرفة بعينها يصاهرها، والصواب أن ينظر أولًا وقبل كل شيء إلى الدين. أما المستند المعتبر فقصة السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها وهي القرشية صاحبة النسب والمكانة عندما تزوجت زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك تحقيقًا لرغبة الرسول صلي الله عليه وسلم، وهنا يتملك زيدًا شعورًا أن السيدة زينب تتكبر وتتعالى عليه، وحقيقة الأمر أن زينب رضي الله عنها لا تتكبر ولا تتعالي، ولكنها تتصرف بطبيعتها، بينما زيد يؤول أي تصرف على محمل ينطلق من فرط حساسيته على أنه تعالي وتكبُّر.

2-      ما هو التوصيف الدقيق للكفاءة المطلوب وجودها بين الزوجين؟ وكيف يتم تطبيقها بالمواصفات العصرية؟ الكفاءة المطلوبة تكون في كل ما لا يستطيع أحد الطرفين التغاضي عنه وتجاوزه، وتختلف حدود التكافؤ من شخص إلى آخر، بمعنى أن هناك مثلًا فتاة تستطيع أن تتحمل أي صفة في زوجها إلا البخل، وأخرى تستطيع أن تتحمل أي شيء إلا أن تعيش في مستوى مادي دون المستوى الذي اعتادت عليه في أسرتها، وأخرى لا تتحمل أن تتزوج بمن هو أقل منها تعليمًا، بينما أخرى تستطيع أن تتكيف مع اختلاف العادات والتقاليد التي تربت عليها ونشأت في ظلها. كما أنه هناك رجلًا لا يستطيع أن يتقبل من هي أعلى منه ماديًا أو تعليمًا، بينما آخر عنده من الثقة بالنفس ما يجعله يقدم على الزواج ممن هي أعلى منه شهادة، ولا يشعرها بأي اختلاف إن هي تقبلت ذلك، بل على العكس تكون زيجة ناجحة تمامًا.

3-     هل لافتقاد الكفاءة بين الزوجين أثر ظاهر في المشكلات الزوجية؟  الإحساس بعدم التكافؤ حينما يتملك أحد الزوجين، وبالذات الزوج ويحدث ما يؤيده من تصرفات أو تلميحات أو حتى نظرات فإن هذا نذير بوجود أزمة وسيتحول إلى ردود نفسية تترجم عمليًا في سلوكيات، أو أقوال، ربما تصل للسخرية والاستهزاء، أو قد تصل إلى حد الانتقام للكرامة والكبرياء. وقد تكون في كثير من الأحيان أمور غير مقصودة، أو أحداث تافهة لا تستحق أن تشغل مساحة من النقاش، ولكن مع الإحساس بعدم التكافؤ تتفجر وتسبب صدامات ومشاكل لا حصر لها، تستجلب الكثير من التبريرات واستحضار كل وسائل الدفاع التي في كثير من الأحيان تفشل في إعادة الوئام والاستقرار، وإن نجحت ما تلبث أن تنهار مرة أخرى بعد فترة وجيزة.

4-     عبر تجربتكم الحوارية والبحثية… ما هي أهم الخطوات التي تنصحون بها لتلافي مشكلات عدم الكفاءة الزوجية؟ في البداية، لا بد من استثمار هذه الفترة للتعرف الدقيق على كل طرف، من حيث الطباع والسمات والميول والحالة المزاجية والأهداف والرؤى المستقبلية للحياة بعد الزواج والطموحات والاهتمامات الشخصية والعلاقات الاجتماعية وغيرها من الأمور التي إن لم يتم التعرف عليها وتقبلها والتعايش معها بعد الزواج، من الممكن أن تعصف بالزواج وتنتهي به والعياذ بالله إلى الفشل في بدايته. كما من المهم جدًا التعرف على أسرة كل طرف وتقبلها، ومن الخطأ أن يظن أحد الأطراف أن التباين والاختلاف مع أسرة الطرف الآخر غير ذات أهمية، إنما المهم فقط هما الزوجان، فهذا فهم خاطئ، فالزواج ليس تزاوج طرفان وإنما مصاهرة أسرتان، وأكثر من ذلك انصهار عائلتان.

5-    ما مدى ما تعتقدونه من تميز أو نجاح للأسرة المتكافئ فيها الزوجين في الأداء التربوي… مقارنة بالأسرة الناقصة لهذا الجانب؟

كما قلنا التكافؤ مهم، والأهم منه المرونة في تقبل سلبيات الطرف الآخر، والتغاضي عن النقائص، فنجاح الزواج لا يعتمد بالكلية على التكافؤ، فكثير من الزيجات فشلت رغم وجود تكافؤ بين الزوجين،

 ولكن نجاح الزواج يعتمد على قدرة الطرفين في تجاوز المشاكل الحياتية وحلها داخل الأسرة وعدم السماح لخروج هذه المشاكل عن نطاق الأسرة، والاستعداد للتضحية من أجل إسعاد الطرف الآخر، مع تقبل كل طرف للآخر بميزاته وعيوبه. ومن الخطأ أن يقدم طرف على الزواج وفي خططه المستقبلية تغيير عادات أو صفات أو سمات الطرف الآخر.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...