وليرتعد كل سكان كنعان وليخيم على سمائهم الذعر والرهبة فجبروت بطشك جمدهم كالحجارة وعندئذ ينتقل شعب الله المختار إلى حيث أراد الله .
ولو عرجنا قليلاً على تربية النشء قبل مجيئه إلى فلسطين لوجدنا ان الصهيونية ومن خلال “الغيتو” الذي ساد قبل الحرب الكونية الثانية بكثير قد ركزت جهودها على خلق اليهودي الحاقد الذي رسمت بذهنه صورة العربي الذي لا يستحق الحياة ، ومن هنا يمكن ان نفسر الأعمال الإجرامية التي وقعت ضد الشعب العربي في فلسطين ولبنان منذ ما قبل 1948 وحتى الآن .
جاء في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 14/17/1972 النص التالي :
“لقد ربوني على الاستهتار بالسكان العرب ولم يقولوا لي بشكل مفصل أن العرب هم حثالة البشرية ، وعندما قدمت الى فلسطين عام 1945 وعشت في الكيبوتس لم يربوني على احترام الجار العربي” .
هذا الحديث لـ (يشعياهو بن فورات) في مقال له بعنوان (الخطأ والسذاجة والتون) وعندما نقول ان التربية الدينية اساسية في التعليم الصهيوني فان ذلك يؤكد ما للتشويه الصهيوني من دور . يلجأ الحاخامات المتعصبون الى التركيز على هذه الزاوية بحيث يخدمون الفكر الصهيوني دينياً وتاريخياً ، والطفل الذي يتلقى التعاليم الدينية من رجال الدين الذين لهم وزنهم السياسي في الكيان الصهيوني لا يمكن ان يعيشوا في حالة من التشكيك في عدم جدوى التوجيه الديني في الطلبة ، لان العامل الديني مهم جداً في عملية غسل الدماغ والاقناع طالما ان الاعاء الصهيوني يركز على مسألة ارض الميعاد والتاريخ اليهودي المزعوم عن المنطقة .
جاء في مقدمة كتاب (الكوزاري) الصادر بتوجيه من شعبة التربية التابعة للكنيست والحائز على مصادقة وزارة الثقافة والمعارف وهو بقلم الدكتور “أ ـ تسيفوري” .
(وقد منحت التوراة لشعب “اسرائيل” من دون العالمين جميعاً لانه صفوة الشعوب بأسرها ولان لغته اشرف لغة ينطق بها البشر) . شعب “اسرائيل” هو صفوة الشعوب كلها ويرجع ذلك الى تميّز عنصره وتفوق تربيته . عنصر شعب “اسرائيل” هو أفخر العناصر لأنه تكون عن طريق الافضل من جيل لجيل وهذا الكتاب يدرس في المدارس الثانوية في الكيان الصهيوني .
وقد جاء في الكتاب نفسه على لسان الحاخام (شنيؤورسن) قوله : ان الفرق بين اليهودي وغير اليهودي هو من النوع الذي ينطبق عليه التعبير السائر “لا وجه للشبه” اذ كيف يمكن البحث عن فرق بين شيئين من مستويين مختلفين كلياً . ففي حين يجلس اليهودي في المرتبة العليا وينحدر من الصنف الاسمى تقبع بقية الأمم في الدرك الاسفل وتنحدر من أدنى صنف .
وهكذا نرى انه من العبث البحث عن وجهٍ للشبه بينهما . وحسبما جاء في كتاب الجمارا فان الجسد اليهودي يختلف كلياً عن أجساد بقية البشر والشعوب وذلك من حيث أكلم وشربهم وطينتهم وما يصح على الجسم (المادة) يصح ايضاً على النفس (الروح) اذ ان اصل ارواح شعوب العالم هو من طبقات النجاسات الثلاث بينما أصل ارواح بني اسرائيل هو من الروح القدس ذاتها
ولا يقتصر الحقن العنصري على النصوص النثرية في الكتب ، بل يشمل ايضاً قطعاً شعرية ومسرحيات تملتئ بالحس العنصري الدموي . نرى مثلاً ان مقطوعة شعرية صغيرة ترد في كتاب للصف السابع تقول :
حوِّل قلوبنا الى حجارة
كي لا ترتعش أو تلين
حينما نغرس رماحنا في أجسادهم
ونرى دماءهم التي أرقناها
وحينما نعرج على توجيه الاطفال فاننا نجد المعلمين والمرشدين الصهاينة يقومون بتحريض الطفل على شراء نوع خاص من الكتب والقصص ، هي بمثابة البلسم والترياق لعق الطفل ، وتباع هذه الكتب والقصص بسعر زهيد في المكتبات والحوانيت ، ويتهافت عليها الطلبة الصغار لما فيها عن مواضيع فنية وفكرية وتربوية تستخدم الشخصية العربية وسيلة واضحة فيها .
وقد نشرت الكاتبة (تمارا ماروز) تحليلاً لبعض كتب الاطفال وذلك في ملحق صحيفة هآرتس بتاريخ 20/9/1974 م تقول الكاتبة : (في الآونة الأخيرة بدأ بعض الآباء يكتشفون مضمون هذه الكتب . ويقول أحد الآباء : من المذهل حقاً رؤية مدى انجذاب الاطفال لهذه الكتب فهي تحتوي أوصافاً مفزعة سادية ، أوصاف تنكيل مفصلة ورسومات سافرة للعرب الذين يوصفون بالجبناء الحقيرين “8” وتقول صاحبة مكتبة كبيرة (عشرات هذه الكتب التي توزع منها آلاف بل عشرات الآلاف من النسخ تدور كلها حول موضوع واحد هو العرب الذين يقتلون يهوداً للتلذذ ، والطفل اليهودي الذي ينتصر على العرب الخنازير الجبناء “9” ثم تورد الكاتبة تصريحاً لأحد مؤلفي هذه الكتب وهو العنصري (حزي لوفيان) يقول فيه “ثم ان العرب محتالون انهم عدو شرس وغير غبي . انا نفسي أكره العرب لقد نشأت على كتاب يحتوي على صور القتلى عام 1936 م وببساطة أريد لكل طفل أن يقتل . اريد ان أقبض على العربي وأخنقه” .
وتعلق الكاتبة : هذه الكتب مليئة بالغرور ومشاعر التفوق وتساعد أكثر من أي شيء آخر على الكراهية .
ويظهر أن التربية الصهيونية المعتمدة في المدارس لا تكفي لحقن الاطفال بالحقد ولذا فهم يلجأون الى الكتب التجارية في الأسواق ، وبسبب اعلامي يلجأ الصهاينة الى بث التربية بهذا الشكل ويرى الكتاب الصهاينة أ، هذه الكتب الموجهة هي الاكثر مبيعاً . وهذا ما يجعل بعض الكتاب يميلون الى التأليف على هذا النمط من المواضيع .
وتتعلق المسألة بالربح والخسارة اللذين لا يمكن تحقيق الاول منهما من خلال نوعيات أخرى من الكتب . ومن هنا نرى ان الصهيونية حين تشجع على مثل هذه الكتب فإنها ايضاً تشجع الكُتاب مادياً عن طريق ترويج الكتاب والاشارة اليه من خلال الموجه والمرشد في المدرسة .
وطالما ان العدو الاول للصهيونية هم العرب فمن المفترض ان يلجأ الكتاب الصهاينة الموجهون الى وضع تصورات لا حصر لها للشخصية العربية . ففي مخيلة الطفل تتكون تلك الصور المشوهة ومن ثم يصبح لديه حافظ لمعرفة الرد الأمثل والتعامل مع تلك الشخصية ومن خلال المقارنة التي بينها الكتاب يتضح لديه أنه في مواجه نوعين من الشخصية ، 1) الشخصية اليهودية 2) الشخصية العربية .
يرى الدكتور الصهيوني (أدير كوهين) المشرف على مركز أدب الاطفال في حيفا أن قصص الاطفال تحوي توجيهاً عنصرياً ضد العرب إذ تركز هذه القصص على :
1- شخصية العربي المتخلف في مقابل اليهودي المتحضر .
2- العربي الجبان مقابل اليهودي الشجاع “12” .
ويرى ان صورة العربي في أدب الاطفال هي صورة الرجل الذي لا يعرف الملابس العصرية ووجهه يقطر عداء لليهود وهو فوضوي كسول سارق محتال ثم يرى (كوهين) أخيراً :
إن هذه الكتب المليئة بالتوجيهات العنصرية هي أكثر الكتب المقروءة لدى الاطفال “13” هذا ما يمكن ان نجده ، ونجد أمثاله في كتب الاطفال الموجهة . غير ان الادهى من ذلك هي تلك الكتب والمجلات الخاصة الموجهة للشبيبة والكشافة والصهيونية . فمن المعروف ان الشبيبة هي منظمة شبه عسكرية تقوم بمساعدة الجيش الصهيوني في السلم والحرب ، وتلقى هذه المنظمة تربية موجهة من قبل وزارة الحرب ووزارة الثقافة والتعليم في الكيان الصهيوني فبعد ان يقطع الطفل مراحله التعليمية الاولى فإنه يصبح مؤهلاً لتغذيةٍ أقوى اثراً في تصوره لعرب ، ويلعب الحاخامات دوراً كبيراً في هذه التربية وقد مر معنا شاهد على ذلك وهو كتاب الحاخام (شنيؤو رسن) الصادر عن شبيبة رابطة “حاباد” وكما مر معنا فان هذا الكتاب يدرس في المراحل الثانوية في الكيان .
ان حاخامات “اسرائيل” المساهمون في حقل التربية يعتبرون ان العرب بلاء أشار اليه العهد القديم (يقول الحاخام “موشي بن زيون اشبينازي” انهم ـ العرب ـ بلاء حقاً والدواء اذا نحن طبقنا القانون اليهودي اذا اصخنا السمع لكلمات أغلى من الذهب واللؤلؤ لو اننا فقط تبعنا موسى ويشوع بن نون فاتحي أرض “اسرائيل” لو قمنا بكل ذلك تخلصنا من مشاكلنا منذ وقت طويل) “14” .
كيف يجابه العرب في الوطن المحتل التربية الصهيونية بتربية وطنية منهجية : ؟
من الطبيعي ان ندرك ان تلك العنصرية لا يمكن ان تنجح في مخططاتها اذا اوجدنا البديل الموضوعي التربوي الذي يجب ان يتمتع به العرب داخل الوطن المحتل . قد نفترض ونحن نبحث هذا الجانب التوقف عند دراسة ملامح العنصرية في مناهج التربية ، غير ان الواقع يحتم علينا ان ندرك بعض الاسس وبعض التصورات التي من الممكن ايضاً ان نضعها ونحن نقف في مواجهة تلك المناهج وتحديها والحفاظ على المستوى المطلوب من حدة الصراع القائم . وتطويره حيث نضمن الحفاظ على المستوى المطلوب من شخصيتنا العربية وتمسكنا بالارض .
لقد اصبح الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني صراعاً يومياً وذلك من أجل حق الوجود في الارض ورفض كل أنواع السياسة القهرية والاذلال . وقد توجه العرب الطلبة بشكلٍ كلي للدخول في معترك الصراع واصبح الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون ينعكس بشكل كلي وهائل على التربية السلوكية وأصبح الطالب اكثر معاناة بداخله وخارجه وأخذ يشعر ان عليه واجباً ضخماً تجاه الصراع الدائر . على مدى السنين والتراكمات يصبح الشاب كتلة من العنف المنظم والرد على ممارسات العدو المحتل . ومن خلال هذا التحدي برزت اسباب كثيرة وأهمها تلك الاسباب التربوية التي بنت الشخصية الثورية الرافضة للاحتلال . وتشكل الاسرة كمؤسسة اجتماعية صغيرة المكان الاول الذي يلعب دوره المهم في التربية الثورية . فأساليب القمع والاحتلال وسلب الاراضي يخلق ردات فعل ومن ثم يخلق التصور الثوري للرد على هذه الاساليب القمعية والاستعمارية .
أما بالنسبة للمعلمين واساليب التعليم فرغم ان سلطات الاحتلال تنتقي مَنْ يحلو لها منهم الا ان المدارس الثانوية والكليات تحوي عدداً كبيراً من الاستاذة الونيين والثوريين فهؤلاء يزرعون حب الوطن في نفوس الطلاب زرعاً وغالباً لا يتقيدون بالمناهج المفروضة لا سيما مناهج كتب الديانة والتاريخ.
من ناحية ثانية لا يمكن أن يتغافل المرء عن دور الاعلام الفلسطيني الثوري في تربية الاجيال تربية رافضة للاحتلال . ولعل الانتفاضة المستمرة دليل أكيد على نجاح التربية الثورية وفشل التربية الصهيونية الموجهة للعرب داخل الوطن المحتل ، ورغم تصديهم وتحدّيهم لسلطات العدو ومخططاته التربوية فان التوجه التربوي الذي يضمن استمرارية الثورة يحتاج لكثير من التخطيط والعمل الجاد . ذلك من اجل رفع مستوى التربية الثورية والحفاظ على استمرار عنفوانها .
ان المؤسسات الفلسطينية التربوية تتحمل العبء الأكبر في توجيه العرب داخل الوطن المحتل وتربية الاطفال تربية ثورية . وفي سبيل هذا التوجه فان المطلوب بالدرجة الاولى التركيز على مفهوم الوطن ومحبته والاستشهاد في سبيله . ففلسطين ليست تراباً وجبالاً وبحراً انما هي ارض وتاريخ عميق في الزمن ، وهي مركز القداسة لشعوب اسلامية كثيرة تتحفز لتصاعدِ الثورة وامدادِ ثورة فلسطين . وفلسطين بالتالي حاضر ومستقبل وقيمة القيم الوطنية يجب القتال من اجلها .
ولذلك ايضاً فان حب الوطن هو القيمة الأساسية والأولى التي ينبغي تعزيزها في عملنا التربوي وذلك لربط أجيالنا الشابة بأرض وطنها وتاريخها وتأكيد استمرار كفاح شعبنا من اجل تحريرها .
وبطبيعة الحال فان تعزيز حب الوطن يتطلب الكفاح المتواصل في التوجيه الثوري وذلك من خلال شرح ابعاد الغزو اليهودي الصهيوني الصليبي وكيفية مقاومته بكافة الوسائل المتاحة والاخرى التي يمكن ان تتاح . والتأكيد على ذلك يتم من خلال توجه فكري مقتنع بمعنى ان هذا الوطن فلسطين هو مركز الصراع بين القوى المعادية وبين المقاتلين من أجل العدل والحق والسلام . وهو جزء من أمة عربية مقهورة وشعبه هو جزء من الشعب العربي المضطهد .
وهو على المدى الانساني جزء من الشعوب المناضلة انسانياً وعلى العمل التربوي ان يدفع الطالب للاعتزاز بشعبه وتاريخه وكل ماهو إيجابي في تراثه بما في ذلك الافتخار بأبطال شعبه العربي المسلم وتقدير شهدائه على ان يرتبط هذا التقدير بكشف أهمية الاستشهاد ودوره في تصعد النضال ضد العدو الصهيوني .
ويرى الدكتور (صالح سرية) في دراسة له عن مناهج التربية الصهيونية الموجهة للعرب (إن اسرائيل تريد انتاج جيل عربي ضائع لايثق بنفسه ولا بأمته ليس له أمل في حاضره ومستقبله وليس له هدف في الحياة يسعى لتحقيقه) .
فالرد على المخطط اليهودي الصهيوني يأتي من خلال التركيز الاعلامي والتثقيفي على التوجيه الثوري المستمر وعليه ان يبرمج توجهات التربوية ويخلق لدى الطلاب فكراً سليماً معافى من التأثيرات اليهودية الصهيونية والبرجوازية والتطلعات الفردية اضافة لخلق الروابط بين الفرد والفرد والفرد والجماعة والفرد والارض التي هي مركز الصراع ومحوره على مدى أجيال عديدة .
ومن خلال وقائع الانتفاضة نكشف ان العدو الصهيوني يحاول بشتى الوسائل تجهيل شعبنا ولكن الانتفاضة عرفت كيف تكون ثورة متكاملة حيث اصبح المسجد الجامع بديلاً تربوياً عن المدرسة حيث يأتي الطلاب الى المساجد ويدرسون من قبل اساتذتهم كافة المواد العلمية والادبية والتاريخية والجغرافية وغيرها . هذا ما يجعل شعبنا على مستوى الصراع التربوي مع العدو.
ان ضمان استمرارية العمل الثوري في فلسطين يتطلب خلق جيل ثوري وراء جيل لان الصراع لن ينتهي بسهولة وبزمن قصير . فالطلبة بشكل أساسي وقود الانتفاضة الثورية فان لم تستمر تغذيتهم الثورية الجهادية فلن يكون هناك استمرار للثورة . والصراع الدائر الآن على ارض الوطن صراع واسع ومتشعب الجوانب ولعل الجانب التربوي من أهم تلك الجوانب التي يراهن عليها الكثيرون .
وبقدر ما يكون طفلنا وطالبنا وشابنا متغذياً بالتربية الثورية المسلكية الاجتماعية الصحيحة فان الثورة تضمن بقاءها وتصاعدها حتى تحرير التراب الوطني الفلسطيني بأكمله .