كتب /الدكتور عادل عامر
تعد الدراما التليفزيونية قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع لا يستهان بها وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها على الإبهار واستيلاءها على أوقات المشاهدين، فالرسالة الدرامية لها قدرة كبيرة على تخطى الحواجز الأمية وصولا إلى الجماهير حيث تنفذ الرسالة الدرامية إلى جماهيرها وتؤثر فيهم بأسلوب غير مباشر.
كما أن الدراما التليفزيونية تساهم في عملية البناء القيمي للإنسان بشرط أن تشتمل على مضمون جيد وهادف يعكس واقع القضايا والمشكلات في المجتمع الذى تقدم فيه، فمن خلال السنوات القليلة الماضية تخلت الدولة عن دورها المتميز في إنتاج الأعمال الدرامية المتميزة والاستعانة بكبار الكتاب والمخرجين في نشر الثقافة الرفيعة والارتقاء بمستوى الذوق العام، وتزويد المشاهدين بالفكر الراقي، وبث القيم والسلوكيات الإيجابية المدعمة للمسئولية الاجتماعية للقائمين على العمل الدرامي.
فشهدت الأعمال الدرامية الرمضانية لعام 2025 مناقشة عدد كبير من القضايا المهمة المتمثلة في الفساد وجرائم القتل والمخدرات وغيرها من القضايا التي بدأت تنتشر بشكل غير ملحوظ منذ ثلاث سنوات إلى أن وصلت إلى ذروتها هذا العام وبالرغم من أهميتها إلا أن ما تبعها من الفاظ جاءت غريبة إلي حد كبير علي مسامع جمهور التليفزيون الذي اعتاد علي استمداد ثقافته من التليفزيون بالإضافة إلى الانحلال الأخلاقي الذى بات العامل المشترك لمعظمها، مدعما بالفجور والدعارة وتحويل المرأة إلى سلعة في المجتمع الذى لم تصل حالاته إلى هذا المستوى المتدني من قبل، كما تحولت المرآة إلى دمية تلهو وتعبث وتمارس حريتها دون روادع أخلاقية ، بالإضافة إلى الخيانة التي أصبحت العامل المشترك
بين المسلسلات، نستطيع القول أن الحياء بات مفقودا حتى باتت أغلب المسلسلات الرمضانية دون المستوى المتوقع حيث لا تتناسب أبدا مع شهر رمضان الفضيل، فأصبحت الدراما التليفزيونية الرمضانية )للكبار فقط.(
فجاءت الدراما الرمضانية تحمل ألفاظ متعدية ومشاهد خارجة عن الآداب العامة، إيحاءات خادشه للحياء وعلاقات غير شرعية، جميعها أمور شاهدناها من خلال دراما رمضان 2025، التي وظفت هذه التفاصيل بغرض جذب المشاهدين، بغض النظر عن خدش حيائهم وإفساد صومهم، وكأن صنّاعها وجدوا في تلك الأساليب الرخيصة التي انتهجتها السينما قبلهم طريقة مثلى لتحقيق أعلى نسب مشاهدة ونسوا أو تناسوا أن مسلسلاتهم تقتحم البيوت ويشاهدها كل أفراد الأسرة، مما يجعلنا نتساءل عن أسباب غياب الرقابة التلفزيونية أو هشاشتها في التعامل مع تلك المسلسلات التي أثارت استياء غالبية مشاهديها، حيث علق البعض بأن الرقابة تركت الكثير من المحظورات تمر في هذه المسلسلات في حين أنها بمواقف وأعمال أخرى سينمائية وتلفزيونية كانت أكثر تشددا وتدقيقا، فلماذا هذا التميز، وهل المعلن والموسم التجاري ومنتجو الدراما التلفزيونية ضغطوا على الرقابة وأرخوا قبضتها عن أعمال معينة، حرصا على رفع معدلات المشاهدة.
وبالتالي يجب أن نحمل بعضا من كتاب الدراما جزءاا من هذا الخلل لأنه يجب عليهم عندما يريدون أن يقدموا نماذج سيئة لكي يتعلم منها المشاهد لا يجب أن تكون الفاظا أو أفعالا فمن الممكن أن تكون رموزا فقط ولابد من وجود مسئولية اجتماعية من الكتاب لما يتلقيه المشاهد منهم، فعلى صناع الدراما التليفزيونية إدراك مسئوليتهم في تسخير الدراما في خدمة المجتمع، وهذا لن يحدث بالتركيز الشديد علي النماذج التي تحمل القيم والسلوكيات السلبية والتي يتم توظيفها في العمل الدرامي من خلال إطار جذاب لا ينفر المتلقي منها، بل ربما يتعاطف معها.
وتعتبر الدراما التليفزيونيــة من أهم الأشكال الدراميــة الأكثر رواجا في الخريطة التليفزيونية خاصة في شهر رمضان المعظم والتي تؤثر تأثيرا بالغا في الفرد والمجتمع ، ولما تتمتع به الدراما التليفزيونية الرمضانية من نسبة مشاهدة مرتفعة من جانب الجمهور المشاهد إلا أنها شهدت الدراما التليفزيونية الرمضانية لعام 2025 واقع حاد ومرير مع عدم الالتزام الواضح بمعايير المسئولية الاجتماعية التي يجب أن تلتزم بها الدراما الرمضانية فجاءت الأعمال الدرامية الرمضانية لتحتوي على كم ضخم من العرى، البلطجة، الألفاظ النابية، العلاقات الغير مشروعة، تعاطى المخدرات والكحوليات، واستخدام المرآة في الدعارة بشكل فج بالإضافة لاحتواء معظم المشاهد على الإيحاءات الجنسية والانحلال الأخلاقي ومخاطبة الغرائز، كما ظهر العديد من المشاهد التي تحتوى على العنف والأسلحة النارية ومشاهد مقاومة السلطات، فالألفاظ الخارجة والإسفاف اصبحوا عنوانا للدراما الرمضانية بالإضافة انه تم بث كل ذلك من سلوكيات سيئة ضمن غياب كامل للرقابة على المسلسلات التي تعرض في شهر رمضان المعظم .
ومن هنا يجب أن نتعرف على ما تحتويه الدراما التليفزيونية المذاعة في شهر رمضان من تجاوزات وعدم التزام واضح بمعايير المسئولية الاجتماعية التي يجب أن تلتزم بها الدراما التليفزيونية خاصة التي تذاع بشهر رمضان والتي تشهد كثافة مشاهدة مرتفعة بل وإعادة جميع المسلسلات بعد انتهاء الشهر الكريم على مدار العام وذلك لضيق ذات اليد في عملية إنتاج مسلسلات بعيدا عن شهر رمضان وهو ما يجعل هذه المسلسلات هى دراما العام في الخريطة التليفزيونية
وقد ظهرت نظرية المسئولية الاجتماعية كنتيجة أساسية لسوء استخدام مفهوم الحرية في وسائل الإعلام، والذى امتد ليشمل التحرر من أية مسئولية تجاه المجتمع وأفراده لذا قامت هذه النظرية على أساس التوازن بين حرية الفرد ومصالح المجتمع وعلى المستوى الإعلامي ارتكـزت على تحقيق التوازن بين حرية الرأي والتعبير، وصالح المجتمع وأهدافه ، وان للإعلام وظيفة اجتماعية مما أسفر عن مبدأ مهم في مهنة الأعلام وهو ضرورة وجود التزام إعلامي ذاتي بمجموعة من المواثيق الأخلاقية التي تستهدف إقامة توازن بين حرية الفرد ومصالح المجتمع.
وقد اهتمت نظرية المسئولية الاجتماعية والأخلاقية لوسائل الإعلام بالقيم التي ينبغي أن تحكم عملية جمع وتحرير الأخبار، وأشارت إلى ضرورة احترام حرمة الحياة الخاصة للأفراد مع عدم التفريط في الكشف عن أي فساد يهدد المجتمع.
فتعد نظرية المسئولية الاجتماعية نهجا مستقلا ووسطا بين النظرية الشمولية والنظرية الليبرالية ، وتؤمن هذه النظرية بأن العمل الإعلامي لابد أن يخضع إلى سياسة واضحة ومحددة وذلك عن طريق التنظيم الحكومي أو عن طريق التنظيم الذاتي بالالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي وتكون في ضوء ذلك مدروسة وهادفة وتنسجم مع التوجه الذى ترسمه الدولة بهذه النظرية، ومعظم البلدان النامية وغيرها تنهج حاليا هذا التوجه بالإضافة إلى عدد من البلدان الأوروبية
ولما كانت بعض النظريات تهمل السياقات الثقافية والاجتماعية التي يوجد فيها الجمهور والمرتبطة بفضاء المجتمع المحلية، إذ أن الأفراد أو الجماعات يميلون إلى إعطاء الأهمية للمحتوى الإعلامي المتعلق بالمحيط القريب المألوف لديهم التي تخضع للقيم الاجتماعية والروحية السائدة ، فمن هنا فإن مناهج الأبحاث والدراسات الموضوعية المعتمد عليها تأخذ بعين الاعتبار ظروف البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وخاصة ظروف المكان والزمان لكل جمهور
كذلك وفي إطار هذه النظرية فوسائل الإعلام مطالبة بعدم الخروج على قيم المجتمع وأخلاقياته فيما يتصل بنشر المواد والمضامين الجنسية ، فنشر هذه المواد من شأنه أن يساعد على الخروج على كل الأعراف والقيم الاجتماعية التي تشكل مجمل الثقافة العربية، ومن شأنه أن يلحق الضرر والأذى بالقيم الدينية ويشجع على الرذيلة كما أوصت بضرورة الحفاظ على سرية المعلومات التي يؤدى كشفها إلى الضرر بأمن المجتمع واستقراره، وعدم اللجوء إلى وسائل غير شرعية لدفع مصادر المعلومات إلى الإدلاء بالمعلومات.