كتب د/ عادل عامر
منحت الولايات المتحدة إقليم شرق أفريقيا أهمية خاصة في استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، خاصة بعد تعرض سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا لهجوم إرهابي في عام 1998. وتزايدت التحليلات الغربية التي تؤكد على أن مناطق الصراع والفراغات الأمنية التي تتميز بها الكثير من دول القارة الأفريقية تمنح ملاذات آمنة للعناصر الإرهابية. كما أنشأت الولايات المتحدة مبادرة “للشراكة في مكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا” في عام 2009 تضم غالبية دول الإقليم.
سعت الحكومة الصومالية مجدداً، لتجفيف منابع تمويل حركة الشباب المتطرفة، التي رفضت حظرا فرضته الحكومة على اسمها واستبدال مصطلح «الخوارج» به الذي يشير إلى انحراف الحركة المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وتقوم استراتيجية مشاركة الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب في الصومال على تقليل التواجد الأمريكي العسكري هناك؛ فلا يزال صناع القرار الأمريكيون متأثرين بحادث “بلاك هوك داون” عام 1993، وذلك بهدف التقليل من المخاطر والتكاليف المالية.
وحققت القوات الحكومية، بدعم من قوات قبلية، عدة مكاسب ميدانية ضد حركة الشباب في الأشهر الثلاثة الماضية، واستعادت أراضي كانت لفترة طويلة تحت سيطرة الحركة، التي قتلت عشرات الآلاف من الأشخاص منذ عام 2006 في معركتها الرامية للإطاحة بالحكومة المركزية الصومالية المدعومة من الغرب وتطبيق تفسيرها المتشدد للشريعة.
وتقوم الاستراتيجية الأمريكية في الصومال في هذا السياق على نشر عدد صغير من قوات العمليات الخاصة بهدف تنفيذ الضربات الموجهة، وتوفير المعلومات الاستخباراتية، وبناء قدرات قوات الشركاء المحليين لتنفيذ العمليات البرية من خلال دعم الجيش الصومالي الوطني وبعثة الاتحاد الأفريقي وقوات العشائر التي تشارك في عمليات مكافحة الإرهاب.
تعد السياسة الامريكية تجاه الصومال من اهم مجالات البحث على صعيد منطقة القرن الافريقي، بحكم الاهمية الاستراتيجية للصومال، والتطورات الامنية التي عانى منها الصومال منذ انهيار الدولة الصومالية في العام 1991، وقد ادت الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة في 11/ايلول/2001 عودة الصومال الى صدارة الاهتمام الامريكي بحكم لجوء العديد من الارهابيين الى الصومال، بل ان الارهاب اخذ ينتشر من داخل الصومال الى خارج أراضيه مما أسهم بعدم استقرار الصومال الذي انعكس بشكل واضح على عدم استقرار منطقة القرن الافريقي، ولا بد من التأكيد على ان السياسة الامريكية لديها العديد من الاهداف التي تسعى الى تحقيقها في الصومال وهي اهداف سياسية واقتصادية وامنية وانسانية، وتبنت لهذا الغرض مجموعة من الوسائل لتحقيقها التي تنوعت بدورها بتنوع هذه الاهداف. وبدأت الغارات الأمريكية في الصومال في عام 2011، حيث اتسمت بالمحدودية والسرية. وقدم عدد من جنود العمليات الخاصة الاستشارة للقوات الصومالية خلال عام 2013؛ وظل عمل القوات الأمريكية مقصورا على مقديشو وقاعدة بيلدوغول الجوية جنوب الصومال. وقد بلغ عدد ضباط العمليات الخاصة 100 ضابطا تقريبا، وظلت مهمتهم استخباراتية بالأساس بجانب غارات مكافحة الإرهاب. واعتمدت إدارتا بوش وأوباما على عمليات محدودة مباشرة ضد الأفراد الرئيسين الذين يهددون المصالح الأمريكية من خلال استخدام ضربات الطائرات بدون طيار، والتي ظلت الأداة المركزية في الاستراتيجية الأمريكية، وجرى تنفيذها مع توقع أن تتفكك الجماعة المسلحة إذا ما تم القضاء على قيادتها، غير أن ذلك لم يحدث.
وقد نجحت الولايات المتحدة في تصفية واعتقال عدد من قيادات جماعة الشباب؛ فنجحت القوات الأمريكية في القبض على الإرهابي (علي سليمان عبدالله) من داخل إحدى المستشفيات في عام 2003، وقتل (آدم حاشي فارح عيرو) في عام 2008 وهو زعيم وعضو مؤسس لحركة الشباب، وقتل (صالح علي صالح نبهان) المتهم بالمشاركة في الهجوم على فندق براديس الإسرائيلي في مومباسا ومحاولة إسقاط طائرة إسرائيلية في عام 2002، وذلك أثناء تنفيذ غارة تابعة لسلاح البحرية الأمريكية في سبتمبر 2009. كما حاولت البحرية الأمريكية القبض على (عبد القادر محمد عبد القادر) خلال هجوم برمائي على مدينة باراوي الساحلية في أكتوبر 2013 ولكن أُحبطت العملية. ونجحت غارة أخرى في اغتيال (أحمد عبدي جوداني)، زعيم الحركة في سبتمبر 2014.
أن طبيعة منطقة غرب أفريقيا أدت إلى تيسير انتشار الجماعات الإرهابية والجرائم المنظمة من بلد لآخر، هذا فضلاً عن الحدود غير المنضبطة في منطقة وسط أفريقيا وشرقها، إذ يكفي القول إن دول الساحل والصحراء لا توجد بها قيود على حركة الأفراد، ولا رقابة على الحدود، ولا صعوبات في التنقل من مكان لآخر، فضلاً عن سهولة الحصول على إذن سفر وجنسية إحدى الدول الـ 15 بمنظمة إيكواس، وهي أمور كلها سهلت حركة المجموعات الجهادية المتطرفة، والتي بدأت بالأساس في الجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ثم انتقلت لكل من السودان وأفغانستان، لتعود مجدداً إلى حيث المنشأ، في جنوب الجزائر ولتتوغل في منطقة الساحل والصحراء التي أضحت من أكبر البؤر المفرغة للجهاديين في أفريقيا.
كما أعلنت إدارة أوباما في أواخر عام 2016 أنها أعادت تفسير التفويض الممنوح لها في عام 2001 لاستخدام قواتها العسكرية ضد تنظيم القاعدة ليضم حركة الشباب، لكن هذه الجهود لم تردع حركة الشباب أو تمنعها من توسيع أهدافها وتحسين وسائل متابعتها، فقد حاولت الحركة في فبراير 2016 إسقاط طائرة في مطار مقديشيو الدولي عبر جهاز كمبيوتر. وزادت الولايات المتحدة من عملياتها ضد الحركة ردا على ذلك، حيث اتجهت إلى استهداف عناصر الحركة في المستويات الوسطى والدنيا؛ فقامت القوات الأمريكية بغارة على معسكر تدريب تابع لحركة الشباب على بعد 120 ميل شمال مقديشيو في مارس 2016، أسفرت عن مقتل ما يقرب من 150 مقاتلا.
كما عملت القوات الأمريكية مع الشركاء المحليين، فقامت بتدريب وتوفير النقل الجوي لقوات “جاشان” أو البرق وهي قوات صومالية وفرت لها الدعم خلال عملياتها المباشرة في عام 2016. وقد أسند إلى هذه القوات مؤخرا حماية الرئيس الصومالي محمد فرماجو.
وتوسعت الحملة العسكرية الأمريكية في الصومال في عهد الرئيس ترامب؛ فمع بداية عام 2017 خفف البيت الأبيض من القواعد التي تحكم العمليات العسكرية الأمريكية هناك، معلنا أجزاء من الصومال “نقطة أعمال عدائية نشطة”. وتم تعيين جنرال أمريكي لتنسيق العمليات العسكرية من خلال مجمع حصين داخل مطار مقديشيو. وتضاعف عدد القوات الأمريكية في عام 2017 إلى 500 جندي، في الوقت الذي نشرت فيه وزارة الدفاع الأمريكية أعدادا إضافية من قوات العمليات الخاصة لتقديم النصح والاستشارة للقوات المحلية، سواء في مناطق وجود حركة الشباب الصومالية أو الجماعات المتشددة الأخرى في شمال البلاد، في “بونت لاند”، حيث أعلن فصيل منشق عن حركة الشباب في عام 2015 ولاءه لتنظيم داعش. ونقلا عن القيادة المركزية الأفريقية فإن الولايات المتحدة شنت خلال عام 2007 (28)عملية في الصومال، مقارنة بـ 13 غارة جوية وبرية في عام 2006، وخمس غارات في عام 2015.
أن الشبكات الجهادية تمتد من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، حيث انتشار التنظيمات الجهادية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، والتي كانت أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.
وحالياً يتغلغل في قارة أفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.
—