كتب د/ عادل عامر
تأتي مصر ضمن قائمة الدول النامية الأكثر تردداً في تطبيق اللامركزية، على الرغم من تتالي النصوص الدستورية الداعمة للتحول نحو اللامركزية منذ عام 2007 في إطار التعديلات الدستورية على دستور 1971 ثم دستور عام 2012م، وأخيراً دستور عام 2014 المواد من 175-183.
نص دستور 2014 في المادة 242 منه على استمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذة، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من الدستور. وبالتالي، أصبح من الضروري إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يتوافق مع الدستور من ناحية، و يستجيب للتطورات المعاصرة من ناحية أخرى.
شهدت الإدارة المحلية في مصر تطورات دستورية غير مسبوقة في سبيل التحول التدريجي نحو اللامركزية، وتحقيق العدالة الإقليمية ضمن أهداف التنمية المستدامة، وإرساء العدالة التمثيلية عن طريق إجراء انتخابات المجالس المحلية المقبلة، ويتم الإعلان برلمانيا وحكوميا عن ضرورة تضافر الجهود المأمولة للنهوض بالإدارة المحلية لتفعيل دورها في عملية التنمية، وتقوم وزارة التنمية المحلية بتنفيذ خطوات لتطبيق اللامركزية في المرحلة المقبلة،
ولا زالت المناقشات بصدد التحول التدريجي نحو اللامركزية وتوسيع قاعدة المشاركة المحلية جارية دون أن تحقق أية نتائج أو تسفر عن رؤية واضحة للتعامل معها، وتحاول هذه الدراسة مراجعة وتحليل سياسات اللامركزية في الجوانب الإدارية والاقتصادية والمالية، ووضع رؤية واضحة نحو التعامل مع مستقبل الإدارة المحلية، ومحددات تطويرها في اتجاه الحوكمة المحلية.
بداية يحكم الجهاز الإداري المتغلغل والمنتشر في الهيكل التنظيمي على المستوى المحلي في مصر المواد الخاصة بالسلطة التنفيذية في إطار دستور عام 2014، وبالمراجعة لمجمل التشريعات والقوانين المنظمة لعمل الإدارة العامة في مصر نجد أنها قد تخطت حاجز 12702 قانوناً (بنسبة 23.3% من إجمالي المنظومة التشريعية الحاکمة للإدارة العامة في مصر)،
وتلک القوانين لا تنظم فقط الإدارة العامة على المستوى المركزي، بل تمتد تلک القوانين لتنظم عمل الإدارة المحلية، حيث نجد قوانين القطاعات(التعليم- الصحة- الزراعة- الطب البيطري- الإسكان) تنظم عمل الإدارة العامة على المستويات المركزية لکل قطاع، وکذلک على المستويات المحلية أيضاً، نظراً لتواجد کل قطاع من القطاعات السابقة على المستويين المرکزي والمحلي، وبالتالي أدت التشوهات السابقة لإرباک الإدارة المحلية من الناحية التنظيمية والوظيفية والرقابية
إلى جانب القوانين السابقة الحاکمة لعمل الإدارة العامة في مصر، وبالتبعية للإدارة المحلية، نجد أن الإدارة العامة في مصر محکومة بما يقرب من 11949 قراراً جمهورياً( بنسبة21.9% من الأطر التشريعية الحاکمة للإدارة العامة والمحلية في مصر)، ومن تلک القرارات ما يتعلق بعمل الإدارة على المستوى المحلي، وبالتالي تزيد تلک القرارات الأمر تعقيداً وارتبکاً عند اصلاح النظام المحلي المصري
وللمشکلة جوانب أخري متمثلة في تعدد القرارات الصادرة من مجلس الوزراء والتي تحکم عمل الإدارة ، ولقد بلغت ما يقرب من 2352 قراراً (بنسبة 4.3% من إجمال الأطر التشريعية الحاکمة للإدارة العامة والمحلية في مصر)، وإلى جانب قرارات مجلس الوزراء نجد العديد من الأوامر العسکرية التي تنظم عمل الإدارة والتي تصل إلى 489 أمراً عسکرياً (بنسبة 0.9% من إجمالي الأطر الحاکمة والمنظمة للإدارة العامة)، وإلى جانب الأوامر العسکرية الحاکمة لعمل الإدارة نجد هناک ما يقرب من 23342 قراراً وزارياً حاکماً لعمل الإدارة سواء على المستوى المركزي أو المستوى المحلي للقطاعات الوزارية (بنسبة 42.7% من إجمالي الأطر التشريعية الحاكمة للإدارة العامة والمحلية في مصر)، وإلى جانب القرارات الوزارية الحاكمة لعمل الإدارة نجد أن هناک ما يقرب من 3750 قراراً ضمن قرارات المحافظين(بنسبة 6.9% من إجمالي الأطر الحاكمة للإدارة العامة والمحلية في مصر). ومن جملة التحليل السابق نستطيع أن نستنتج ملاحظة في غاية الخطورة
والأهمية توضح أن حقيقة أن جملة ما هو مركزي في مصر إلى ما هو محلي يساوي 93.1% إلى 6.9%، أي أن اللامركزية في مصر في ضوء التحليل المبسط السابق لا تتجاوز 7% ، في مقابل 93% للمركزية.
وفي ظل هذا التعدد في القوانين والتشريعات والأوامر والقرارات الحاکمة لعمل الإدارة العامة والمحلية في مصر نجد أن الدولة المصرية حالياً محکومة بواسطة 33 وزارة مرکزية، کما أن مصر لديها ما يقرب من 234 هيئة حکومية تتواجد مراکز تلک الهيئات في القاهرة، ولکنها لها فروع تعمل محلياً على مستوى المحافظات المصرية، ويبلغ عدد المحافظات 27 محافظة مصرية، منها ما هو حضري ومنا ما هو ريفي، ومنها ما هو في صعيد مصر، ومنها ما هو في دلتا مصر، ومنها ما هو حدودي إلى غير ذلک من التقسيمات للمحافظات المصرية التي تستلزم تنظيمات خاصة تتواکب مع طبيعتها.
والواقع السابق يؤكد أن التحول للامرکزية يستلزم العديد من التعديلات التشريعية الأخري بخلاف قانون الإدارة المحلية، وعلى رأس هذه التشريعات، قوانين الموازنة العامة للدولة، قانون إدارة المجتمعات العمرانية الجديدة وقانون الخطة العامة للدولة، وکذلک قانون تنظيم التعاقدات الحکومية.
ويتضح من العرض السابق أن إجمالي الأطر القانونية والتشريعية والتنظيمية الحاکمة لنظام الإدارة المحلية في مصر تصل إلى ما يقرب من 54585 قانوناً أو قراراً جمهورياً أو قراراً لمجلس الوزراء أو قراراً وزارياً أو أمراً عسكريا أو قراراً صادراً عن المحافظين على مستوى المحافظات. ولا يمکن تخيل کل هذا الحجم من التشريعات بدون وجود تناقض بين تلک التشريعات، ومن ثم تأخير وتيرة التنمية على المستويين المركزي والمحلي، ولا يمکن اصلاح الإدارة المحلية في مصر بدون فک هذا التناقض والتضارب في القوانين والتشريعات الحاكمة لمجمل عمل الإدارة سواء على المستوى المركزي أو على المستوى المحلي.
توارث الحدود الإدارية للمحافظات بصورة غير متناسبة مع الواقع الحالي، حيث أن حدود المحافظات في مصر حالياً ترجع لميراث تاريخي قديم منذ عهد الاحتلال الفرنسي، وعهد محمد علي، وما تم إضافته على التقسيم الإداري للمحافظات منذ ذلک التاريخ ما هو إلا رقيعات في خريطة مصر الإدارية دون الاستناد لدراسة علمية شاملة، ولقد انعكست تلک الحدود الإدارية للمحافظات بالسلب على عمليات التنمية الإقليمية والمحلية في مصر نظراً لعدم مناسبتها للواقع الحالي.
– غياب وجود معايير علمية للتقسيم الإداري لمجمل وحدات الإدارة المحلية، حيث خضع أمر التقسيم الإداري إلى السلطة التقديرية التي لا تستند إلى ضابط محدد، حيث قد تخضع لعوامل سياسية کضغوط الناخبين على الحکومة أثناء الإنتخابات، والإستفتاءات لتقسيم أحياء قائمة إلى عدد أکبر، أو تحويل قرى تضخمت إلى مدن، أو تتبيع مناطق عمرانية جديدة إلى المحافظات بصرف النظر عن مدى تأهيل المحافظات لذلک، أو لمحض عوامل أمنية
ولقد ترتب على الوضع السابق العديد من المشکلات التنظيمية المتمثلة فى: التداخل بين مستوى المدينة والمرکز، وتشتت وحدات الإدارة المحلية، وتعدد وتنوع الأجهزة الإدارية التي تأخذ شکلاً رأسياً من خلال إنشاء الإدارات الجديدة التي توجد على المستويات المحلية المختلفة وأفقياً من خلال تنوع الإدارات داخل الوحدة المحلية الواحدة – عدم التوازن في المساحة الجغرافية للمحافظات، حيث ﺘﺴﺘﺄﺜر ﺜﻼث ﻤﺤﺎﻓظﺎت ﺤدودﻴﺔ ﺒﺎﻟﻘدر الأﻛﺒر ﻤن اﻟﻤﺴﺎﺤﺔ الجغرافية لمصر رﻏم ﻗﻠﺔ ﻋدد ﺴﻛﺎﻨﻬﺎ، وتتمثل تلک المحافظات في: ﻤﺤﺎﻓظﺔ اﻟوادى اﻟﺠدﻴد، وﻤطروح، واﻟﺒﺤر اﻻﺤﻤر.
– غياب الظهير الصحراوي لمعظم المحافظات المصرية، حيث نجد أن ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓظﺎت المصرية ﻟﻴﺴت ﻟدﻴﻬﺎ ظﻬﻴر ﺼحراوي، ﻤﻤﺎ ﻴﻐﻠق أﻤﺎﻤﻬﺎ ﻓرص اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨوﻋﺔ.
– تآکل اﻟرﻗﻌﺔ اﻟزارﻋﻴﺔ ﺒﺎﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌظﻤﻰ ﻤن اﻟﻤﺤﺎﻓظﺎت المصرية نظراً لإﻨﻐﻼق ﺤدودﻫﺎ ﻋن اﻟظﻬﻴر اﻟﺼﺤرواى، مما أدى لعدم ﻋدم ﺘﻤﻛن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻰ ﻤن اﻟﺘوﺴﻊ الأﻓﻘﻰ وﺘرﻛز اﻟﺴﻛﺎن واﻷﻨﺸطﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ والإﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺤﻴز ﻀﻴق. وتزداد حدة وخطورة المشکلة السابقة خاصة مع وقوع أکثر من 90% من المدن المصرية في نطاق الأراضي الزراعية، مما يعود بالخسارة القومية الفادحة من جراء تغيير استعمالات الأراضي الزراعية ودخولها ضمن الکتلة العمرانية للمدن
– غياب المنظور المتكامل للتقسيم الإداري للمحافظات، حيث لا يمکن تصور وجود تقسيم إداري کفء للمحافظات بدون ثلاثة جوانب هامة من المخططات، الجانب الأول: ويتمثل في التخطيط الإقليمي الدولي، الذي يرتبط بالإطار الخارجي. أما الجانب الثاني فيتمثل في التخطيط القومي، الذي يستلزم وجود خريطة قومية للتنمية الشاملة في مصر، وعدم اختصار تلک الخريطة في مجرد الخطة الاقتصادية.
إشكاليات الإدارة المحلية فى مصر
: تكمن أولى إشكاليات الإدارة المحلية فى مصر فى الفلسفة التى يقوم عليها نظام الإدارة المحلية ذاته، حيث يتم بناء النظام هرميا وعلاقاته فى الاتجاه من أعلى إلى أسفل، مما يعنى سيطرة السلطة التنفيذية سواء من المجالس المعينة الموازية لتلك المنتخبة فى الوحدات الإدارية المحلية أو التى تمثل الجناح الآخر للإدارة المحلية فى مصر، أو من خلال القيود على عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالالتزام بحدود السياسة والموازنة العامتين للدولة، وتعمل الوحدات المحلية وفقها، هذا وبالأساس تعتبر الإدارة المحلية بجناحيها المعين والمنتخب فرع من فروع السلطة التنفيذية وفق الدستور فى مصر كما تمت الإشارة مسبقا.
وفيما يتعلق بالدور الفعلى للإدارة المحلية فى مصر، يمكن القول أنه الخبرة العملية قد بينت مشكلة الفجوة بين التشريع والممارسات، ويتجلى كمثال لذلك مشكلة ضعف المجالس المحلية المنتخبة فى أن تحوز صلاحيات مفعلة وممارسة أدوات الرقابة ووسائل اتصال فعالة وإعمال التخطيط بالمشاركة، وقد عزز ذلك من مشكلة غياب الثقة بين المواطنين والمجالس المحلية، فضلا عن عدم وجود مجالس محلية منذ حلها فى 2011 وحتى الآن.
وأيضا فجوة التفاوت وغياب العدالة فى توزيع الموارد المالية والخدمات الحكومية بين المحافظات وبعضها البعض، وكذلك بين المستويات المحلية ونظائرها داخل المحافظة الواحدة، وغالبا تلعب الخبرة والنفوذ المحليين دورا فى التعامل مع هذه الفجوة فى ظل علاقات تداخل بين مكونات المجتمعات القبلية والعصبية ووحدات الإدارة المحلية كما تواجه الإدارة المحلية مشكلة ضعف الموارد ومحدودية الإيرادات التى تساعد على تنفيذ خطط التنمية المحلية، وضعف كفاءة الموارد البشرية المؤهلة لتنمية الموارد المحلية وإدارة التنمية، ويذكر أنه قد أدى سوء استخدام وتوجيه موارد صندوق الخدمات والتنمية المحلية في بعض المحافظات فى غير أغراضه، وبناء على تقارير صادرة عن الجهاز المركزى للمحاسبات وتوصيته بالرقابة على أوجه صرف مخصصات صندوق الخدمات والتنمية المحلية إلى وضعه تحت رقابة الوزير المختص بالإدارة المحلية طبقا للقرار الوزارى رقم (1251) لعام ،1988
وتشهد كذلك غياب الحوكمة، وقد عمق ذلك من مشكلة إخفاق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة للوفاء باحتياجات المواطنين ومحدودية التوظيف الفعال لتكنولوجيا المعلومات فى الإدارة المحلية. وفيما يلى إلقاء للضوء على أهم القضايا
التي تمثل تحديات أمام تطوير الإدارة المحلية فى مصر، وذلك كما يلى
: -1 تحدى فض الاشتباك المفاهيمى بين الإدارة المحلية والحكم المحلى وتحديد الشكل الملائم لمصر حيث نجد أن الدستور يذكر الإدارة المحلية والخطاب الرسمى لا يزال يغلب عليه نظام الإدارة المحلية حتى الآن، وليست هناك إشارة من قريب أو من بعيد عن الحكم المحلى فى مصر إلا لدى المنادين بهذا النظام من أحزاب أو منظمات مجتمع مدنى وحركات اجتماعية أو باحثين وأكاديميين
. -2 تحدى التوازن بين اللامركزية والمركزية، بين صلاحيات الإدارة المحلية فى اللامركزية الإدارية والمالية، وحدود السياسات والموازنة العامتين للدولة.
-3 تحدى الإبقاء على عدد مستويات الوحدات المحلية، فتوجد في مصر خمس مستويات للوحدات المحلية هى؛ المحافظات، والمراكز، والمدن، والأحياء، والقرى، أم تقليص العدد الحالي، ويلاحظ أنه قبل ذلك لم يكن هناك سوى ثلاث وحدات محلية هى؛ المحافظات والمدن والقرى، ثم أضيف كل من المراكز والأحياء، كما أن الدستور الحالي لم يذكر مستوى “المركز”، فضلا عن أن تبعا لكونها حضرية أو ريفية تختلف وتتفاوت المحافظات إصلاح الإدارة المحلية فى مصر:
فيما بينها فى عدد الوحدات الإدارية المحلية، وخاصة بالنسبة لمستوى المراكز والأحياء والقرى.
-4 تحدى التوازن بين المجلس المعين وهو المجلس التنفيذى، والمجلس المنتخب وهو المجلس المحلى داخل كل وحدة محلية، حيث تتبع مصر نظام المجلسين.
-5 تحدى علاج الخلل فى الموارد التي تحصلها الوحدات المحلية من صناديق التنمية والخدمات المحلية وتوجيهها فى نفقات تتعلق بمشروعات إنتاجية تزيد من إيرادات الوحدة المحلية أو أوجه إنفاق قصيرة الأجل وعاجلة.
-6 تحدى تطوير نظام انتخابى للمجالس المحلية من ناحية يترجم ما جاء فى الدستور يضمن التمثيل العادل والمتكافئ للفئات المذكورة فى الدستور وهى؛ المرأة والشباب والعمال والفلاحين والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة، ومن ناحية أخرى يراعى التطورات الحديثة فى الديمقراطية الإجرائية والانتخابية التى تتمثل فى نظام انتخابى حر وعادل ونزيه، بحيث يتاح لكل الأحزاب والقوى السياسية وحتى الأفراد المستقلين ممن يرغبوا فى خوض الانتخابات المحلية، بتشكيل قوائم تنافسية أو الانتخاب الفردى
. ينبغى عند إقرار قانون الإدارة المحلية الجديد مراعاة التحديات السابق الإشارة إليها وغيرها من مشكلات الإدارة المحلية، وتحويل ما جاء من تطورات دستورية غير مسبوقة حول نظام الإدارة المحلية إلى واقع، وإلزام الدولة بدعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وتمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق والخدمات المحلية والنهوض بها وحسن إدارتها.
وضع الدستور المصرى الصادر فى 2014 الإدارة المحلية فى الباب الخامس الخاص بنظام الحكم فى الفرع الثالث من الفصل الثانى السلطة التنفيذية، وقد تضمن الدستور عشر مواد عن الإدارة المحلية تمثل فى معظمها تطورا جديدا وهاما، وهى؛ من المواد (175) إلى (183)، والمادة (242) من باب الأحكام العامة والانتقالية، بالإضافة إلى كلا من المادتين (148) من فرع رئيس الجمهورية فى فصل السلطة التنفيذية، و(210) من فصل الهيئة الوطنية للانتخابات واللتان يعدا ذات صلة بالإدارة المحلية على نحو ما سيتم تبيانه لاحقا،
فضلا عن المادة (5) التى أشارت إلى المكون الحزبى ضمن النظام الديمقراطى والتعددية السياسية باعتبار أن انتخابات المجالس المحلية تعد عملية سياسية، كما أن هناك مادتان قد كفلتا مسائل المساواة ومشاركة المواطنين فى الحياة العامة وهما (11) و(87)
يلاحظ أنه فى الدستور المصرى 2014 قد تغير مسمى المجالس المنتخبة لتصبح “المجالس المحلية” بدلا عن “المجالس الشعبية المحلية”، كما أن مستوى “المركز” كوحدة إدارية لم يذكر فى هذا الدستور، وأن أجاز الدستور إنشاء وحدات إدارية وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وما ذكر صراحة حول مستويات الوحدات الإدارية على سبيل المثال منها، بينما ذكر “المركز” فى موضع آخر عند الاقتران بالمجالس المحلية. .
الإدارة المحلية والعدالة الاجتماعية
فى المادة (177) اقترنت العدالة الاجتماعية بالتنمية فى ضوء ما تكفله الدولة للوحدات المحلية من دعم وموارد، فقد كانت استجابة واضحة لإشكالية التنمية الأساسية فى مصر، وهى الفجوة التنموية الجغرافية مما قد ينعكس على صياغة برامج وسياسات للعدالة الاجتماعية فى مصر ،
وذكرت هذه المادة (177)، فى الفرع الثالث فرع “الإدارة المحلية” من فصل “السلطة التنفيذية” فى الباب الخامس “نظام الحكم”، أن تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات والمجتمعات المحلية من تطوير ومعاونة علمية، ولوجستية، وإدارية، ومالية، مع ضمان التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، والعمل على تقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، طبقًا لما ينظمه قانون الإدارة المحلية.
أما المادة (236) فى باب الأحكام العامة والانتقالية فقد ألزمت الدولة بالربط بين التخطيط العمرانى والتنمية الاقتصادية مع الأخذ فى الاعتبار أبعاد وتنوع المكونات الثقافية والبيئية للمجتمعات المحلية، وذلك من خلال؛ وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة فى الصعيد وسيناء ومطروح والنوبة، وأولوية استفادة أهالى هذه المناطق من عوائد ومشروعات التنمية. الدستور والتحول التدريجي نحو اللامركزية:
يمكن الإشارة إلى اللامركزية فى الدستور المصرى ،2014 حيث ما ورد فى هذا الدستور عن الإدارة المحلية يعد أساسا دستوريا جيدا نحو تمكين لامركزى يجب أن يدعمه القانون ولائحته التنفيذية، حيث أشارت المادة (176) إلى اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية بشكل واضح وفى مادة منفصلة مستقلة من خلال النص على أن
تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إداراتها، ويحدد البرنامج الزمنى لنقل السلطات والموازنات إلى وحدات الإدارة المحلية”، وبجانبها أيضا المادة (177) التي نصت من منظور اللامركزية، على أن: “تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، وتقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، طبقا لما ينظمه القانون”،
وبذلك أكدت المادتين على أهمية أن تكفل الدولة ليس فحسب دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية بل وأيضا توفير ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية،
لذا يستوجب ذلك التقدم الذى تم إحرازه فى وضع الإدارة المحلية بجناحيها وحتى يتم تفعيله ونجاح النظام المحلى أن تحدد آليات قانونية ومؤسسية التى يمكن من خلالها للدولة أن تكفل دعم اللامركزية، وخاصة أن الدستور قد ترك للقانون –الذى لم يصدر بعد- تنظيم الآليات وتحديد الجدول الزمنى لنقل السلطات والموازنات وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الوحدات الإدارية للتحول نحو اللامركزية.
فضلا عن نمط العلاقة التى تتسم بالفصل والتوازن بين السلطات من خلال تطوير الأدوات الرقابية للمجالس المحلية، وبينما توسع دستور 2014 فى أدوات الرقابة للمجالس المحلية كما وردت فى المادة (180)، ففى المقابل يقترن بذلك أن أعطى الدستور الجديد لرؤساء الوحدات المحلية (التنفيذيين) الحق فى الاعتراض على قرارات المجالس المحلية المخالفة للخطة أو الموازنة المعتمدة أو اللوائح،
وفى الوقت نفسه جعل قرارات المجالس المحلية نهائية لا يجوز التدخل فيها من قبل الأجهزة التنفيذية إلا فى حالات معينة تم النص عليها فى الدستور، ويصبح دور المشرع فى القانون تنظيم هذا الأمر، وهى على نحو ما تضمنته المادة (181)؛ منع تجاوز المجلس لهذه الحدود، أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو بمصالح المجالس المحلية الأخرى، وعند الخلاف على اختصاص هذه المجالس المحلية للقرى أو المراكز أو المدن، يفصل فيه المجلس المحلى للمحافظة.
وفى حالة حدوث الخلاف مع التنفيذيين حول اختصاص المجالس المحلية للمحافظات، فقد نص الدستور أن تفصل فيه على وجه الاستعجال الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. وكذلك فى مبدأ عدم جواز حل المجالس المحلية بإجراء إدارى شامل، لذلك يجب مراعاة كل ذلك عند وضع القانون الجديد للإدارة المحلية
جاء الدستور كذلك بتطورات بإجراء تعديلات على دور المجالس المحلية من بينها؛ المادة (178) التى تنص على وجوب أن يكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة. وما ذهبت إليه المادة (182) من قيام كل مجلس محلى بوضع موازنته، وحسابه الختامى بما ينظمه القانون. كما أكدت المادة (183) على عدم جواز حل المجالس المحلية بإجراء إدارى وينظم القانون طرق حلها وإعادة انتخابها. وهى بلا شك تطورات دستورية هامة، وإن كانت ترجعها للقانون
. كذلك أكد الدستور على التكييف التشريعى لوضع المحافظ على أنه هو ممثل السلطة المركزية على المستوى المحلى ويعهد إليه الدور المحورى فى ضمان تنفيذ السياسات العامة فى المحافظة، وفى ضمان التزام الأجهزة المحلية فى نطاق محافظته بالقوانين المعمول بها فى الدولة ويتمتع بحق الاعتراض على قرارات المجالس المحلية فى حالة مخالفتها للنظام العام أو الإضرار بالمصلحة العامة أو قوانين الدولة وسياساتها وذلك استخلاصا مما جاء فى المادة (148) من الدستور الخاصة بجواز قيام رئيس الجمهورية بتفويض بعضا من اختصاصاته لبعض مسئولى السلطة التنفيذية من رئيس الوزراء ونوابه، والوزراء، والمحافظين، أى أنه ممثل السلطة التنفيذية المركزية.
لعل فى ضوء إصلاح الإدارة المحلية فى مصر: ذلك تتجه بعض التفسيرات إلى أن الألفاظ والصياغة التي وردت فى المادة (180) فى فقرتها الأخيرة فيما يتعلق بممارسة المجالس المحلية لأداة حق الاستجواب الرقابية تنطبق
على رؤساء الوحدات المحلية دون المحافظ . وتجدر الإشارة لما يرتبط بذلك من توقيتات دستورية للتحول نحو مستويات وأنماط اللامركزية المالية والإدارية والاقتصادية التى نص عليها الدستور وذلك فى المادة (242) التي نصت على أن: “يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من هذا الدستور” .
الدستور والمشاركة والترشح المحليين: شمل الدستور عدة مواد داعمة للمشاركة والترشح للانتخابات المحلية القادمة حيث تم تخصيص نسبة محددة من المقاعد للمرأة والشباب والعمال والفلاحين مع التمثيل المناسب للمسيحيين وذوى الإعاقة، ويمكن استعراضها على النحو التالي؛
ذكرت مادة (11): “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور.
وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسباً في المجالس النيابية”.
بينما أشارت مادة (87) إلى: مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وأن نص المادة يشير بعد ذلك إلى الانتخابات وضمانات الحيدة والنزاهة، وذكرت عدد ستة جهات أو مكونات يحظر عليها الاستخدام فى الدعاية الانتخابية أو الأغراض السياسية وبذلك فصلت المادة بين المجال العام من ناحية والمجال الحكومى أو الاجتماعى أو الاقتصادي أو الدينى الخاص من ناحية أخرى،
وتتمثل المكونات أو الهيئات فى؛ “المال العام”، و”المصالح الحكومية”، و”المرافق العامة“، و”دور العبادة”، و”مؤسسات قطاع الأعمال”، و”الجمعيات والمؤسسات الأهلية”، كما يذكر فى هذا الشأن المادة (5) التى أشارت إلى المكون الحزبى ضمن النظام الديمقراطى والتعددية السياسية باعتبار أن انتخابات المجالس المحلية تعد عملية سياسية.
وأوردت مادة (180): “تنتخب كل وحدة محلية مجلسا بالاقتراع العام السرى المباشر لمدة أربع سنوات. ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن واحد وعشرين سنة ميلادية وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يخصص ربع المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع المقاعد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد،
وأن تضمن تلك النسب تمثيلا مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة. وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة واستجوابات وغيرها. وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون.
ويحدد القانون اختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها“. وهكذا يمثل ذلك تطور غير مسبوق لتشكيل المجالس المحلية واقتران ذلك بالتأكيد على ممارسة اختصاصاتها ومواردها المالية للوحدات المحلية، والتوسع فى الأدوات الرقابية، مما يعد تمكين دستورى مكتمل يجمع ما بين جانبى التمكين المحلى، وهما التمثيل والصلاحيات
كما أوردت هذه المادة (180)، حيث؛ إتاحت التمكين السياسى للشباب من الجنسين حينما خفض وحدد الدستور سن الترشح فى ألا يقل عن (21) سنة ميلادية، مع تمثيل وتخصيص مقاعد للمرأة والشباب والعمال الفلاحين والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة، وحصر وظائفها فى المتابعة والمراقبة مع تمكينها من أدوات رقابية وضمانات أعضائها واستقلالها وتعبئة الموارد المالية وجلب مصادر التمويل المحلى حتى إصلاح الإدارة المحلية فى مصر:
تستطع القيام بدورها المحلى. وأخيرا مادة (242) من باب الأحكام العامة والانتقالية حددت أن يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور وفقا للتحول التدريجي خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه،
ويذكر أن المادة (210) بشأن اختصاص الهيئة الوطنية للانتخابات قد حددت أن يكون الطعن على انتخابات المحليات أمام محكمة القضاء الإداري. يتبين من ذلك أن المواد الدستورية تعد أساس لإصلاح الإدارة المحلية، كما أنها قد حددت التوجهات الأساسية لسياسات اللامركزية بالإضافة إلى الجوانب التي تتعلق بالعدالتين الجغرافية التمثيلية، ولكن هذا لا يتوقف فقط على الإطار التشريعي بل يحتاج إلى مجموعة من العوامل، منها؛ مدى توازن اختصاصات الإدارة المحلية مع مسئولياتها، والثقافة السياسية السائدة في المجتمعات المحلية من حيث قبول الزيادة المتوقعة لتمثيل الفئات الاجتماعية في المجالس المحلية القادمة
من هنا يثور تباين التوجهات حول تشكيل المجالس المحلية وتمثيل الفئات كالمرأة والشباب والتي ستحسم حتما من خلال القانون في شكل النظام الانتخابي واحتساب النسب المئوية في حال إتباع النظام المختلط–وهذا الأقرب- والجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم، فيما يتعلق بكيفية تشكيل المجالس المحلية فهناك فريق يؤيد استمرار الأخذ بنظام الأرقام الموحدة للتمثيل كما في السابق،
وفريق آخر يقترح تفعيل قاعدة عدد السكان، وقد طبقت تونس هذا النظام مع الأخذ بالقائمة النسبية، ويرى أنصار هذا الرأي أنه من شأنه تخفيض عدد أعضاء المجالس المحلية، ويسر تدريب وتأهيل أعضاء المجالس المحلية الجدد، فضلا عن وفق حجج هذا الفريق زيادة كفاءة وفعالية أداء المجالس المحلية . كما تطرح آراء تدعو أن يوجد قانون ينظم اختصاصات الإدارة المحلية بتنظيماتها وعلاقتها بالإدارة العامة وكافة المسائل ذات الصلة بصلاحياتها، ويصدر قانون انتخابي منفرد ينظم
عمليات وإجراءات الانتخابات المحلية المقبلة، وفقا للالتزامات الدستورية التي نصت عليها المادتين (180) و(242)، فضلا عن عاملي الثبات والتغير،
حيث أن إجراء وتشكيل وانعقاد المجالس المحلية يرتبط بمدة الدورة التمثيلية المحلية، وارتباط تقسيم الدوائر بقاعدة السكان، بينما مسائل الإدارة المحلية وعلاقتها بالتنمية تحتاج إلى الثبات والاستقرار القانوني
هكذا وفى سبيل تطوير نظام الإدارة المحلية في مصر في اتجاه الحوكمة المحلية وفى ضوء دستور ،2014 ينبغي التأكيد على الحاجة إلى إصلاح قانون نظام الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979م وبما يعزز مساهمة الإدارة المحلية في إحداث تنمية مستدامة على المستوى المحلى،
خاصة في قطاعات التنمية المحلية؛ برنامج الكهرباء، الطرق والنقل، تحسين البيئة، الأمن والإطفاء والمرور، تدعيم الوحدات المحلية والنهوض بالمرأة، وتفعيل اختصاصات المجالس المحلية المقبلة في ممارسة أدواتها الرقابية حسب مستوى التمثيل المحلى على أكمل وجه، والتي تطورت في الدستور، ومن خلال هذه المسائل الهامة يتم تجسير الفجوة بين التشريع والممارسة في الإدارة المحلية.