كتب د/عادل عامر
تُعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، حيث تمثل صادراتهما من القمح مجتمعة ما يقرب الربع من ذلك الإجمالي، 206.9 مليون ميغا طن من محصلة مجموع الحبوب المنتجة عالميًا، وذلك وفقًا لتوقعات وزارة الزراعة الأميركية. وفي الوقت ذاته، تعد مصر وتركيا من بين أكبر مستوردي القمح في العالم، مما يعني أن الدولتين في الشرق الأوسط يمكن أن تدفعا ثمنا باهظا إذا أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى توقف الإمدادات الغذائية العالمية.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية في عام 2021 بنحو 30 في المئة مقارنة بالعام الماضي، حتى من دون وجود صراع كبير جديد في أوروبا الشرقية، (حيث كان الانفصاليون المدعومين من روسيا يقاتلون القوات الأوكرانية في دونباس منذ عام 2014)، وبينما صدّرت أوكرانيا معظم محاصيلها من الحبوب في صيف عام 2021
فإن الغزو الروسي قد يوقف بذر الحبوب في فصل الربيع، وأضف إلى ذلك أزمة الأسمدة الإقليمية التي أشعلتها أزمة الطاقة وقيود الصادرات والعقوبات التجارية، فضلاً عن أن المزارعين الروس والأوكرانيين يواجهون حاليا تحديات زراعية كبيرة. أن فرض العقوبات على قطاع الزراعة الروسي، سيكون له تأثير محدود في ظل تعهد “بكين” بشراء الشعير والقمح الروسي، مؤكدًا ضرورة عدم إخضاع هذا القطاع للعقوبات الغربية، بما يكفل التدفق الحر للمنتجات الزراعية، ويساعد في تخفيف حدة الآثار السلبية لأزمة انعدام الأمن الغذائي العالمي.
أن اضطرابات إمدادات الغذاء والوقود العالمية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، الأمر الذي يبرز أهمية التدخل الدولي لوقف الصراع، بما يكفل تخفيف حدة الآثار الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي العالمي، ومن ثمّ تقليل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
الحروب هي أحد الأسباب الرئيسة للجوع، والصراعات تؤدي دائماً إلى ارتفاع أسعار الغذاء. ولكن في ظل اقتصاد معولم، فإن التأثيرات على دائرة الغذاء تصل أبعد كثيراً من حدود الصراع، فإن العواقب غير المقصودة للأمن الغذائي في العالم يجب أن تدخل في الحسابات الدبلوماسية.
في وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبير في جميع أنحاء العالم في أعقاب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا. أن القلق الذي يعتري المستثمرين والمستوردين سيرفع أسعار القمح العالمية وقد بدأت بالارتفاع فعلياً اليوم بنسبة 4 بالمئة، كما أن بعض المستثمرين بدأوا مغادرة أوكرانيا.
أن ارتفاع أسعار القمح سيبدأ مع إطلاق أول شرارة حرب روسية على أوكرانية إن لم يكن قد بدأ، إضافة إلى وجود عجز في التصدير من موانئ البحر الأسود الأوكرانية المتاخمة لمنطقة العمليات العسكرية، كما أن أوكرانيا قد توقف التصدير للحفاظ على مخزون شعبها الاستراتيجي أثناء الحرب. ومن المرجح أن يكون لأي انقطاع لتدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود تأثير كبير على الأسعار وأن يضيف المزيد من الوقود إلى تضخم أسعار الأغذية فإن روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وتمثل صادراتهما من القمح مجتمعة ما يقرب من ربع الإمداد العالمي. ومع ذلك، فإن هناك توقعات بأن تدفع التوترات المستمرة واحتمالات قيام روسيا بعمل عسكري (لضم مزيد من المناطق الانفصالية الأوكرانية لسيادتها) بأسعار القمح نحو الارتفاع خصوصاً القمح الأوكراني.
فتكلفة الغزو الروسي لجارتها ستتوسع عالمياً لتدفع بارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تشهد زيادة بالفعل منذ جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ومن ثم تتمدد المخاطر إلى ما هو أبعد كثيراً من أوروبا الشرقية.
تهديد واشنطن وغيرها من العواصم الغربية لروسيا بتكبيدها “كلفة باهظة وفورية”، يتعلق على الأغلب إما بحظر موسكو من نظام “سويفت”، نظام الدفع الدولي الذي تستخدمه البنوك حول العالم، أو بخيار العقوبات الاقتصادية القاسية التي سيتم فرضها، على غرار ما حدث عندما قامت بضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وهو الخيار الذي يثير القلق الاقتصادي بالنظر إلى التأثير العالمي للعقوبات على دولة تمثل مصدراً رئيساً للسلع الزراعية والمعادن والوقود،
لا سيما إلى أوروبا الغربية والصين وحتى الشرق الأوسط. ويتوقع مراقبون أنه إذا تصاعدت الأزمة إلى حد إطلاق عقوبات واسعة، فقد تؤدي الضربة إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلات سلسلة التوريد العالمية من خلال التأثير على أسواق السلع، بما في ذلك الغاز الطبيعي والمعادن مثل النيكل والنحاس والبلاتين المستخدم في تصنيع كل شيء من السيارات إلى المركبات الفضائية.
واحدة من المناطق الأكثر تأثراً في حال نشب صراع عسكري في أوكرانيا، هي منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأكثر مصر وتركيا، وهما بين أكبر مشتري القمح في العالم، ما يعني أنهما ستدفعان الثمن الأغلى في حال أسفر الصراع عن تعطيل إمدادات الغذاء العالمية، بالتالي ارتفاع الأسعار الذي سوف يثقل كاهل ميزانيات الدول
. وإضافة إلى تأثير العقوبات المشددة على روسيا، فإن أي توغل عسكري كبير من شأنه أن يعرقل تدفق البضائع من أوكرانيا، التي تشكل رابع أكبر مورد للقمح والذرة في العالم. وتكمن المشكلة الآن، وفقاً لمراقبين، في أن نشوب حرب في منطقة البحر الأسود لن يؤثر فقط على الإنتاج الزراعي لأوكرانيا، ولكن أيضاً على قدرتها على نقل القمح والمنتجات الأخرى إلى الخارج.
أن “الاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود قد يؤدي إلى حجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، ما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان ومصر واليمن وإسرائيل وعمان، مشتري القمح الأوكراني الرئيسين. كما يمكن أن تتأثر دول الخليج العربي التي تأتي خامساً ضمن أكبر 11 مستورداً للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط عام 2020.
إنه على مدى السنوات العشرين الماضية، عززت المحاصيل الأوكرانية الوفيرة من دور البلاد كقاعدة خبز عالمية، إذ أصبح بعض أكبر عملائها هم من البلدان المتضررة اقتصادياً، أو التي مزقتها الحرب أو الدول الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك اليمن ولبنان وليبيا. ومن ثم فإن نقص الحبوب أو ارتفاع الأسعار لن يؤديا إلى تعميق الألم فحسب، بل سيسفران عن عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها. أنه في عام 2020، حصل لبنان على نصف استهلاكه من القمح من أوكرانيا. ويستورد اليمن وليبيا على التوالي 22 في المئة و43 في المئة من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا. ووفرت كييف في عام 2020 أكثر من 20 في المئة من استهلاك القمح في ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش
. إن ارتفاع أسعار القمح بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا سيكلفنا مليارات الدولارات والدول المانحة عليها توفير مساعدة فورية للدول المهددة بمجاعات. إغلاق الموانئ سيؤدي إلى نقص إمدادات الحبوب العالمية، هذا النقص سيؤثر بدوره على الأمن الغذائي لصعوبة الأعمال اللوجستية في ظل وباء كورونا وتحويل كميات القمح اللازمة التي تعتمد على القمح الأوكراني.
ومطلع الشهر الحالي، أفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد سجل ارتفاعاً في يناير (كانون الثاني) الماضي. يأتي ذلك امتداداً لقفزة أسعار المواد الغذائية العالمية لنحو 28 في المئة في العام الماضي، حين ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3 في المئة في سبتمبر (أيلول) 2021 مقارنة مع شهر سبتمبر 2020، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد. ودفعت مخاوف الحرب العقود الآجلة للذرة بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو (حزيران) الماضي، كما دفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها في شهرين قبل التراجع أخيراً.
وبالنسبة إلى دول شمال أفريقيا، المغرب والجزائر وتونس، إن “هذه الدول دخلت في أزمة أمن غذائي، إذ تشهد بالفعل معدلات تضخم في أسعار المواد الغذائية لم تشهدها منذ الفترة السابقة للربيع العربي قبل أكثر من عقد”. وأشار إلى أن أزمة الغذاء في الدول الثلاث تؤثر بشدة في أسعار الخبز الذي يعد جزءاً رئيساً من الوجبة الغذائية اليومية للسكان في الشرق الأوسط.
بلغ سعر القمح المستخدم في صناعة الخبز 271 دولاراً للطن في نهاية الربع الثالث من عام 2021، بزيادة قدرها 22 في المئة على أساس سنوي. وارتفع السعر في الربع الرابع من عام 2021 بشكل أكبر مع تقلص المخزونات العالمية، حين تعرضت الولايات المتحدة وكندا وروسيا وبقية منتجي منطقة البحر الأسود لأضرار في المحاصيل بسبب الجفاف والصقيع والأمطار الغزيرة.
في الولايات المتحدة نفسها، على سبيل المثال، من المتوقع أن يصل مخزون القمح إلى 580 مليون بوشل (مكيال الحبوب ويعادل الواحد بوشل من القمح 27.2 كغ) بحلول الأول من يونيو 2022، وهو أصغر مخزون منذ 14 عاماً.
أن تهديد صادرات القمح الأوكراني تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي، إذ لا يقتصر التهديد على دول الشرق الأوسط فحسب، بل إن الصين ودول الاتحاد الأوروبي من بين الزبائن الرئيسين للحبوب الأوكرانية، فعلى سبيل المثال صدرت كييف أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين عام 2020، وهو ما يزيد على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدثت وسائل إعلام غربية عن مخاوف داخل بريطانيا بشأن اندلاع أزمة غذائية في حال شنت روسيا عملاً عسكرياً ضد أوكرانيا، بالنظر إلى أن الأخيرة تشكل مصدراً مهماً لمنتجات الحبوب والدجاج للبريطانيين، خصوصاً أن توسع الصراع قد يضر بقطاع الأسمدة بالغ الأهمية للزراعة المحلية. ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الدولية في المملكة المتحدة، فإن أوكرانيا تأتي في المرتبة 63 كأكبر شريك تجاري لبريطانيا، وقد بلغ حجم التجارة في البضائع بين البلدين 1.6 مليار جنيه إسترليني بين 2020/2021.
إن “أوكرانيا هي المنتج الزراعي الرائد في المنطقة، وأقوى منتج في أوروبا (إلى حد كبير)، مع إمكانية مضاعفة إنتاجها مرات عدة”. أن أوكرانيا بمفردها يمكن أن تضمن الأمن الغذائي في المملكة المتحدة، التي تستورد أكثر من نصف الطعام الذي تستهلكه. أن طرق التجارة بين البلدين ستكون آمنة من التوترات الجيوسياسية في البحر، بالنظر إلى وجود سكك حديدية يمكن أن تنقل البضائع بين البلدين في وقت قصير، ذلك ما لم يتم إغلاق الحدود.
“غزو أوكرانيا سيضر بشكل كبير بالأمن الغذائي لبريطانيا، إذ إنها أكبر مصدر غذائي قريب جغرافياً للمملكة المتحدة. كما أنه يمثل تهديداً للأمن البريطاني بنفس طريقة نابليون وهتلر وستالين عندما حاول كل منهم غزو أوروبا”.
ناهيك عن أن روسيا نفسها تعد مصدراً رئيساً للغاز الطبيعي لأوروبا، الذي يستخدم للتدفئة ولصنع الأسمدة، وكذلك لإنتاج الأساسيات مثل البيرة والخبز والجبن. وفشلت الدبلوماسية حتى الآن في تهدئة التوترات، إذ قام الـ “ناتو” بمقاومة مطلب روسيا بالتراجع عن بيان سابق يعود لعام 2008 في شأن قبول أوكرانيا وجورجيا كأعضاء في الـ “ناتو”، وتقديم تأكيدات ملزمة قانوناً بعدم نشر أسلحة حول روسيا يرى الكرملين أنها تشكل تهديداً صريحاً.
تنفي روسيا، التي حشدت أكثر من 130 ألف جندي على حدودها، نيتها شن غزو عسكري لدعم الانفصاليين في إقليم دونباس شرق أوكرانيا. لكنها في الوقت نفسه تتمسك بمطالبها الأمنية لخفض التصعيد، بما في ذلك ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي نهائياً.
في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا وتوعد الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بردّ قاس على موسكو في حال قامت بغزو أوكرانيا، تتصاعد التساؤلات بشأن تداعيات اندلاع النزاع المحتمل هناك على إمدادات الطاقة والغذاء للأسواق العالمية.
ويُعرف الأمن الغذائي حسب الأمم المتحدة بقدرة الناس في كل مكان على التمتع بإمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى أغذية كافية ومأمونة ومغذية تلبّي أذواقهم واحتياجاتهم الغذائية، وإلى جانب العديد من أهوال الحرب الأخرى، فإن هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان يمكن أن يتعرض للخطر في حال المواجهة العسكرية المباشرة بين روسيا وأوكرانيا. وتمثل الحروب أحد الأسباب الرئيسية التي قد تولد نقص الغذاء بين المجتمعات، والصراعات تؤدي دائمًا إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ولكن في ظل اقتصاد مُعولم،
فإن التأثيرات على توافر الغذاء تكون محسوسة حتى بعيدًا عن ساحات المعارك، وبينما تبحث روسيا والغرب عن طريقة سلمية للخروج من مأزق شبح الحرب، فإن العواقب غير المقصودة للأمن الغذائي على الشرق الأوسط يجب تضمينها في الحسابات الدبلوماسية. في ظل تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على أمن الغذاء العالمي، ا قد تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي؛ حيث ستعاني العديد من الدول التي تعتمد على الواردات الغذائية لتحقيق أمنها الغذائي من نقص الغذاء، ولا سيما في ظل الارتفاع المتوقَّع لأسعار السلع الغذائية.
أن “الحرب ستُفاقم من المخاطر إلى حد كبير، على سبيل المثال، إذا فرضت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون قيودًا على الشركات الروسية بسبب العمل العسكري، فمن المرجّح أن يحد ذلك من الإمدادات الغذائية من روسيا إلى غرب آسيا، وهذا بدوره سيزيد الطلب على القمح الأوكراني، وخاصة من دول الشرق الأوسط، وأوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري المنتجات الزراعية في العالم وقد توسع نشاطها مؤخرًا في أسواق الشرق الأوسط”.
ولا يعد انتشار السلع الأوكرانية وتوفرها في الأسواق العالمية بالشيء الجديد، فبعد الحرب العالمية الثانية، كان الاتحاد السوفييتي مكتفيًا ذاتيًا إلى حد كبير من منتجات الحبوب، وأصبحت أوكرانيا، سلة غذاء الإمبراطورية السوفييتية، بفضل حقولها الخصبة من القمح وبصفتها جزءا من الاتحاد، كما طورت أوكرانيا قاعدة صناعية قوية، ولكن لأن أوكرانيا فقدت بعض قوتها الصناعية التي كانت تتمتع بها خلال الفترة السوفييتية، فقد أصبحت الزراعة أهم قطاعاتها الاقتصادية.
إن “المشكلة الآن تكمن في أن اشتعال حرب أخرى في منطقة البحر الأسود لن تؤثر فقط على الإنتاج الزراعي لأوكرانيا، بل ستؤثر أيضًا على قدرتها على نقل القمح والمنتجات الأخرى إلى الخارج، ما يعني أن الاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود قد يحجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، مما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان ومصر واليمن وإسرائيل وسلطنة عمان، وهم المشترون الرئيسيون للقمح الأوكراني”.
وتثير احتمالية نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب والناتو مخاوف عن ضمان الشرق الأوسط لأمنه الغذائي خاصة وأن لبنان واليمن على سبيل المثال يواجهان تحديات خطيرة تتعلق بذلك وأي تشديد عن إمدادات الموارد قد تكون له عواقب وخيمة عليهما.
إنه “يمكن لدول الخليج الشعور أيضًا بتلك الآثار، ففي عام 2020، كان خمسة من أكبر 11 مستوردًا للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط، حيث أن الكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هي وجهات التصدير الرئيسية لمنتجي لحوم الدجاج الأوكرانية”. بينما تبحث روسيا والغرب عن طريقة سلمية للخروج من مأزق شبح الحرب، فإن العواقب غير المقصودة للأمن الغذائي على الشرق الأوسط يجب تضمينها في الحسابات الدبلوماسية
أن “التداعيات المحتملة لتوقف إمدادات الغذاء تبقى أكثر من مجرد حديث نظري ففي عام 2010، بعد أن دمر الجفاف محصول القمح الروسي، فرضت موسكو حظراً على تصدير القمح إلى الخارج لتأمين احتياجاتها المحلية، وقد تكون تلك الخطوة هي ما ساهم بشكل غير مباشر في انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط. حيث ارتفعت أسعار القمح على مستوى العالم، وشعرت مصر باعتبارها أكبر مستهلك للحبوب في روسيا بالعواقب المباشرة، وطالب المتظاهرون بوقف ارتفاع أسعار الخبز، وسرعان ما توسعت الاحتجاجات لتشمل مطالب أخرى،
ولعبت أزمة الغذاء العالمية دورا في الانتفاضات الإقليمية التي بدأت في تونس ومصر”.وبينما أصبحت روسيا لاعبًا رئيسيًا في مجال الإمدادات الغذائية في الشرق الأوسط، فإنه لم يكن هذا هو الحال في الماضي، ففي عام 2001، صدرت روسيا 696 ألف ميجا طن من القمح، بينما صدرت في عام 2020 على الرغم من الوباء 38 مليون ميجا طن. بمعنى آخر، فعلى الرغم من التصور بأن موسكو لا تصدر سوى الأسلحة والطاقة، إلا أن روسيا قد طورت قطاعا قويا لتصدير القمح، ويعد الشرق الأوسط أحد أهم أسواقها. وإذا رد الحلفاء الغربيون على غزو روسيا لأوكرانيا بفرض عقوبات على الصادرات الغذائية الروسية أو من خلال حظر موسكو من ”جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” (سويفت) وهو نظام الدفع الدولي الذي تستخدمه البنوك في جميع أنحاء العالم، فليس من المستبعد أن ترتفع أسعار السلع الأساسية في الشرق الأوسط بشكل كبير.
وتعد أوكرانيا سادس أكبر مُصدّر للقمح في العالم وينظر إليها الكثيرون على أنها أحد الضامنين للأمن الغذائي في العالم، ويهدد موقف موسكو الذي ينزع نحو شن الحرب موقع كييف على الصعيد العالمي. ، وصل انعدام الأمن الغذائي العالمي إلى أعلى مستوى له في السنوات العشر الأخيرة؛ فحتى قبل الأزمة الأوكرانية؛ تسببت جائحة “كورونا” في تفاقم أزمات الغذاء حول العالم، نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد، وتقلب أسعار السلع الغذائية، وفقدان الوظائف والأجور، وفي ضوء ذلك يُرجَّح أن تقود الأزمة الأوكرانية إلى المزيد من انعدام الأمن الغذائي.
وسيؤدى الخلل في أسواق قطاع الزراعة عالميًّا إلى تصاعد وتيرة العنف في العديد من الدول، على غرار ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عامي 2007 و2008، فقد أدى انخفاض الإنتاج الزراعي في أستراليا وبورما وروسيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وتصاعد أعمال العنف في قرابة 40 دولة، مثل هايتي وكوت ديفوار.
أن الانخفاض في المخزون العالمي من القمح والحبوب الأخرى والبذور الزيتية التي يتم استيرادها من أوكرانيا وروسيا سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الغذائية في دول مثل أفغانستان وسوريا وإثيوبيا، وغيرها من الدول التي تعتمد على الواردات الغذائية لتحقيق أمنها الغذائي.
تعتبر مصر أكبر مستود للقمح في العالم، وتعد روسيا وأوكرانيا المصدر الأساس للواردات المصرية التي تزيد على 50 في المئة من استهلاكها السنوي، وفي ظل الفجوة المزمنة يعد القمح من بين “السلع الاستراتيجية” التي تأثرت مباشرة بالحرب، إذ أعادت مصر، السبت، طرح مناقصة عالمية لاستيراد كمية غير محدد منه للشحن خلال الفترة من 13 إلى 26 أبريل (نيسان) المقبل بعد 48 ساعة فقط من إلغاء مناقصة لم تتقدم لها سوى شركة واحدة، الخميس الماضي، بسبب ظروف الحرب بين روسيا وأوكرانيا”. إن هناك تبادلاً تجارياً وصل العام الماضي إلى 2.3 مليار دولار بين البلدين، إضافة إلى السياحة وغيرها من التبادلات الإنسانية أنه “إذا استمرت الحرب فلا بد من أن تكون هناك مشكلات، وأيضاً لن يكون هناك تبادل مع روسيا أو أوكرانيا نتيجة صعوبة الشحن عبر البحر الأسود، وهو ما سيؤثر في الأمن الغذائي لمصر والدول العربية،
وسيؤدي إلى عدم وصول السياح الأوكرانيين الذين وصل عددهم إلى 1.3 مليون سائح السنة الماضية إلى خسائر ضخمة للدخل القومي المصري الذي يعتمد على السياحة، ولا يمكن أن يكون هناك حياد وهناك تبادل تجاري وسياحة من أوكرانيا وروسيا، وهذا ليس وقت الحياد”.
أن هناك تأثيراً في الأمن الغذائي العربي بوجه عام نتيجة للأزمة الأوكرانية – الروسية، ليس فقط في ما يتعلق بالقمح ولكن في سلاسل الإمداد والشحن، مما سيؤدي إلى موجة تضخم وارتفاع في أسعار السلع الغذائية بخاصة في مصر وليبيا ولبنان والجزائر”. وتابعت، “لكن مصر لديها مخزون استراتيجي يكفي أربعة أشهر من القمح، ويبدأ بعدها موسم حصاد القمح، وقد تتجه مصر والدول العربية إلى مصادر بديلة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ولكن بأسعار شحن أعلى من القمح الأوكراني والروسي“.“أن الدول العربية تواجه معضلة تنويع مصادر الأمن الغذائي بعد الأزمة الأوكرانية، ولكنها يجب أن تتوجه من خلال خطط جديدة على المدى المتوسط وطويل الأجل لتنويع مصادر الاستيراد والاتجاه نحو الدول الأقل أخطاراً والاستثمار في أفريقيا، وتوفير احتياط مناسب بداية من الوقت الراهن”.
تساهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، أي بنحو 55 مليون طن. وحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية “الفاو” فإن القسم الأكبر منها يتم شحنه عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات وعلى رأسها الدول العربية التي أضحت في مقدمة دول العالم استيراداً للقمح الروسي والأوكراني.
وتتصدر دول على رأسها مصر والإمارات واليمن ولبنان وتونس والمغرب وليبيا واليمن والأردن وسلطنة عُمان قائمة الدول العربية التي تعتمد إما على روسيا أو على أوكرانيا في توفير القسم الأكبر من احتياجاتها. وعلى سبيل المثال تعتمد مصر والإمارات وتونس على روسيا بالدرجة ألأولى وبنسب تتراوح بين 60 بالمائة في تونس و80 بالمائة في مصر، أما لبنان والمغرب وليبيا فتعتمد على أوكرانيا بشكل أساسي. وتشكل واردات القمح الروسي والأوكراني نحو 60 بالمائة أو أكثر من احتياجات مجمل الدول العربية المذكورة، ما يدل على حجم الخطر المحدق بأمنها الغذائي.
لم يكن العالم العربي في تاريخه معتمداً إلى هذا الحد على استيراد القمح كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. وفي دول مثل مصر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ولبنان والسودان كانت الإنتاج المحلي يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها. غير أن إهمال زراعات استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور هذا الإنتاج وزاد من الاعتماد على الخارج بشكل دراماتيكي.
وفي الوقت الذي يتم فيه إهمال زراعة القمح وزراعات استراتيجية أخرى، فإن الاهتمام الزراعي في دول مثل مصر والمغرب يتركز على زراعات تصديرية تأتي بالعملات الصعبة كبعض أنواع الخضار والبطاطا والحمضيات. ومن هنا فإن السياسات الزراعية في هذه الدول ينبغي أن يُعاد النظر فيه رأسا على عقب بحيث تُعطى زراعة الحبوب أولوية قصوى في الدعم الحكومي بمختلف أشكاله.
ومن أبرز أشكال الدعم المطلوبة شراء المحصول بأسعار مشجعة وتطوير بذور مقاومة للجفاف وتقديم القروض الميسرة لتوفير مستلزمات الإنتاج شراء وإعارة دون الاكتفاء بالوعود الفارغة من مضمونها. ومن حسن الحظ أن دولاً كالعراق وسوريا والجزائر والسعودية جربت سياسات دعم مختلفة في خلال سنوات مضت وحققت الكثير من النجاحات.
ففي العراق مثلا قُدّر إنتاج القمح في عام 2020 مثلاً برقم قياسي زاد على 5 ملايين طن تكفي لتحقيق القسم الأكبر من لاكتفاء الذاتي. وجاء هذا النجاح بفضل تقديم الأسمدة والبذور ومستلزمات إنتاج أخرى بأسعار مدعومة، إضافة إلى شراء الحبوب المنتجة محلياً بأسعار تشجيعية تزيد على السعر العالمي. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التجارب يمكن البناء عليها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأغذية الرئيسية مستقبلاً. يعود الاهتمام المتزايد بالأزمة بين روسيا وأوكرانيا لكونهما لاعبين رئيسيين في سوق الحبوب العالمي وخاصة القمح، حيث تعتبر روسيا المنتج الأول عالميا للقمح، بحجم إنتاج يتجاوز 40 مليون طن مترى لعام 2020-2021، بينما تحتل أوكرانيا المرتبة السادسة عالميا بحجم إنتاج يصل إلى 18 مليون طن مترى للعام ذاته. لقد شكلت صادرات الدولتين من القمح 30٪ من التجارة العالمية في العام المالى 2021-2022، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية، وتمثل صادرات البلدين من القمح مجتمعة 206.9 مليون طن .وتشكّل روسيا وأوكرانيا ما يصل إلى ثلث صادرات القمح عالميًّا، حيث تصدر روسيا نحو 20% من صادرات القمح على مستوى العالم، وتعرف أوكرانيا بـ”سلة الخبز في أوروبا“، وهي مسئولة عن 10% من صادرات القمح في العالم، وتمثّل نحو 12% من صادرات القمح العالمية، و16% للذرة، و18% للشعير، و19% لبذور اللفت.
كما صعدت أوكرانيا إلى المراتب المتقدمة في صادرات الحبوب الأخرى مثل الذرة. ويذهب أكثر من 40% من شحنات الذرة والقمح السنوية لأوكرانيا وروسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، مثل دول دول المغرب ومصر ولبنان واليمن وليبيا وماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش، حيث يستورد اليمن وليبيا على التوالي 22% و43% من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا، بينما صدرت أوكرانيا أيضًا في عام 2020 أكثر من 20% من القمح لماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش.
من المحتمل في حالة حدوث التوغل الروسي في أوكرانيا، وكذلك تطبيق عقوبات غربية المحتملة، وما يرتبط بهما من تراجع للصادرات الروسية والأوكرانية- أن يحدث أسوأ سيناريو عالمي، يتسبب في حرمان الأسواق العالمية من إمدادات القمح، خاصة وأن من المرجح أن تحجمان الدولتين عن تصدير جزءٍ من حصة القمح تحسّبًا لاحتمالية نشوب حرب على خلفية الأزمة الراهنة.
ففي حالة حدوث هجوم على أوكرانيا، قد يؤدي ذلك إلى استيلاء روسي على الأرض، مما قد يؤدّي لانخفاض إنتاج القمح وسط فرار المزارعين وتدمير البنية التحتية. ووفقا لصحيفة ” وول ستريت الأمريكية ” إن الأضرار التي قد تحيق بالبنية التحتية الزراعية في أوكرانيا قد تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح بين 10% و20%. هذا فضلا عن تراجع الإنتاج العالمي للدولتين تحسبا للظروف المحتملة للحرب، حيث أكدت البيانات العالمية أن صادرات روسيا من القمح بلغت 2.6 مليون طن خلال شهر يناير 2022، حيث انخفضت من 3.2 مليون طن في الشهر السابق له ديسمبر 2021، مشيرة إلى أن التراجع في صادرات القمح الروسي سببه الارتفاع الحاد في ضرائب التصدير وحصة التصدير المفروضة على الحبوب الغذائية.
كما قدرت ستاندرد آند بورز صادرات القمح في العام التسويقي 2021-2022 في روسيا بنحو 36.5 مليون طن، وتوقعت أن يبلغ محصول القمح 77.6 مليون طن، وبالنسبة لصادرات أوكرانيا فقد تراجعت بشكل طفيف خلال شهر يناير 2022، مع انخفاض قيمة الفائض من الاستهلاك المحلي القابل للتصدير من القمح.
وفقاً لما سبق ذكره وما تحمله الأرقام السابقة من دلالات، وفي ظل حالة الإرباك التي يشهدها العالم، أصبحت ثمانية دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مهددة بأزمة فى أسعار القمح والخبز جراء التوترات بين روسيا وأوكرانيا. حيث دفعت التوترات المتصاعدة على حدود روسيا وأوكرانيا العقود الآجلة للقمح المتداولة في شيكاغو إلى الارتفاع بأكثر من 7% خلال شهر يناير 2022، إلى نحو 8 دولارات للبوشل (مكيال الحبوب)، وهو ما أكدته أيضا منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد سجل ارتفاعاً.
وبالتالي، وتأسيسا على المخاطر المحتملة في حالة اشتداد الصراع، يتعين على المشترين في الشرق الأوسط دفع المزيد في تكاليف الشحن لجلب القمح من بدائل أخرى مثل الولايات المتحدة أو أستراليا .كما أن حدوث التدخل الروسي في أوكرانيا، والاحتلال العسكري لموانئ البحر الأسود، قد يؤدي إلى حجب كمية كبيرة من المواد الغذائية عن الأسواق الدولية، ما سيؤثر بلا شك على دول مثل لبنان واليمن وإسرائيل وعمان، مشتري القمح الأوكراني الرئيسين.
خطورة ما سبق على الأسواق المعتمدة على القمح الروسي والأوكراني، أنه يأتي في ظل قفزة أسعار المواد الغذائية العالمية لنحو 28 % في العام الماضي 2021، حين ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3% في سبتمبر 2021 مقارنة مع شهر سبتمبر 2020، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد مضى. كما بلغ سعر القمح المستخدم في صناعة الخبز 271 دولاراً للطن في نهاية الربع الثالث من عام 2021، بزيادة قدرها 22 %على أساس سنوي. وارتفع السعر في الربع الرابع من عام 2021 بشكل أكبر مع تقلص المخزونات العالمية،
حين تعرضت الولايات المتحدة وكندا وروسيا وبقية منتجي منطقة البحر الأسود لأضرار في المحاصيل بسبب الجفاف والصقيع والأمطار الغزيرة، ودفعت مخاوف الحرب العقود الآجلة للذرة بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو الماضي 2021، كما دفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها. وعليه، فإن أي أزمة إضافية في الموارد قد تكون كارثية، خاصة وأنه خلال السنوات العشرين الماضية، عززت المحاصيل الأوكرانية الوفيرة من دور –أوكرانيا- كقاعدة خبز عالمية، إذ أصبح بعض أكبر عملائها هم من البلدان المتضررة اقتصادياً، أو التي مزقتها الحرب أو الدول الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك اليمن ولبنان وليبيا. ومن ثم فإن نقص الحبوب أو ارتفاع الأسعار لن يؤديا إلى تعميق الأزمة فحسب، بل سيسفران عن عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها.
يشكل تهديد صادرات القمح الأوكراني، أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي، إذ لا يقتصر التهديد على دول الشرق الأوسط فحسب، بل إن الصين ودول الاتحاد الأوروبي من بين الزبائن الرئيسين للحبوب الأوكرانية، فعلى سبيل المثال صدرت أوكرانيا أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين عام 2020، وهو ما يزيد على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية. كما أن أوكرانيا بمفردها يمكن أن تضمن الأمن الغذائي في المملكة المتحدة، التي تستورد أكثر من نصف الحبوب الذي تستهلكه منها.
فتكلفة الغزو الروسي لجارتها ستتوسع عالمياً لتدفع بارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تشهد زيادة بالفعل منذ جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ومن ثم تتمدد المخاطر إلى ما هو أبعد كثيراً من أوروبا الشرقية. حيث صدرت أوكرانيا أكثر من 8 ملايين طن من الذرة إلى الصين في عام 2020، وهو ما يزيد قليلًا على ربع إجمالي صادرات الذرة الأوكرانية في ذلك العام، وفقًا لوزارة الزراعة الأميركية، لذلك قد يؤدي نقص الذرة الأوكراني إلى قيام الصين بشراء الذرة من الولايات المتحدة الأميركية.
يضاف إلى ذلك انعكاسات أخرى أكثر خطرا تتمثل في ارتفاع أسعار النفط، وسط مخاوف من فرض عقوبات أميركية على روسيا وتعطيل صادرات الطاقة من أكبر منتج في العالم. ويتوقع مراقبون أنه إذا تصاعدت الأزمة إلى حد إطلاق عقوبات واسعة، فقد تؤدي الضربة إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلات سلسلة التوريد العالمية من خلال التأثير على أسواق السلع، بما في ذلك الغاز الطبيعي والمعادن مثل النيكل والنحاس والبلاتين المستخدم في تصنيع كل شيء من السيارات إلى المركبات الفضائية.
في النهاية يمكن القول، إن التوترات القائمة والحرب المحتملة بين روسيا وأوكرانيا من المؤكد أنها ستؤثر على امدادت وصادرات الدولتين للقمح وغيره من الحبوب، كذلك على أسعاره العالمية. وإن كان الوضع حتى تاريخه ىلم يتأثر بشكل كبير، إلا أن المؤشرات الاقتصادية توحى بارتفاعات طفيفة للأسعار العالمية للحبوب وعلى رأسها القمح.
وبالتالي، من المحتمل حدوث ضرر دولي، خاصة في الدول العربية المستوردة للقمح من هاتين الدولتين. وعليه، قد يزداد الأمر سوءا للدول التي تعانى بالفعل من أزمات اقتصادية مثل ليبيا ولبنان واليمن والعراق. لعالم لا يستطيع تحمل صراع آخر من صنع الإنسان بعد ان كان لوباء كورونا اثارا بالغة على التأثيرات المعيشية مما أدى إلى ارتفاع ثمن الطعام والمواد الغذائية، ولم يعد بإمكاننا افتراض أن الطعام بعيد إلى حد ما عن الآثار السياسية للصراع حيث بات من المتوقع وفي ظل تصاعد الحرب الروسية الاوكرانية تكريس تلك المأساة تعقيدا مع احتياجات العالم للطعام والمواد الغذائية حيث تمثل أوكرانيا 12 في المائة من صادرات القمح العالمية، و16 في المائة للذرة، و18 في المائة للشعير، و19 في المائة من بذور اللفت وخاصة بان صادراتها السنوية بنحو 40 في المائة من الذرة والقمح تتجه إلى الشرق الأوسط أو أفريقيا .
لا يمكن ان تستمر طبيعة المشهد دون حدوث تأثيرات بالغة لتلك النزاعات بين الدول الكبرى وما تلحق به من نتائج بعد تفاقم ادوات الصراع الروسي الاوكراني وما ستتركه من تأثيرات على أسعار المواد الغذائية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخاصة في ظل ما يشهده العالم من تقلبات مختلفة حيث تشير المعطيات الدولية والدراسات الخاصة في هذا المجال ان العالم يشهد حالة غير مستقرة من عصر ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية على عكس ما قبل 50-90 عاما عندما كان هناك مخزون حقيقي فان الامن الغذائي العالمي يأتي الآن من الأسواق المالية، وهذا يعني أن التقلبات السياسية يمكن أن تدفع بأعداد كبيرة من الناس بسرعة إلى حالة انعدام الأمن الغذائي .
سوف تلحق تلك النزاعات القائمة بين روسيا وأوكرانية والتي بات تهدد مناطق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتزايد حاجتها لتوفير السلع الأساسية وبالتالي باتت تعاني من الجوع الشديد بفعل توقف صادرات القمح وإن المخاوف من عدم الاستقرار الدولي قد يسببت في تقلب أسعار المواد الغذائية، وعدم قدرة بعض البلدان تلبية احتياجات السوق المحلي بفعل ارتفاع الاسعار المتصاعد في مختلف مدن العالم وخاصة روسيا تعد من أكبر مصدري القمح في العالم، بينما برزت أوكرانيا بشكل ملحوظ بين مصدري الحبوب على مدار العقد الماضي وفقا لما تشير اليه المعطيات الدولية الخاصة بالتبادل التجاري بين الدول .
وبات من المتوقع بان تتوقف سلاسل الامداد لبواخر تصدير القمح الروسي والأوكراني الواردة للشرق الاوسط وتتعطل بفعل استمرار الحروب الطاحنة وما سوف تتركه من اثار ومخلفات ستؤدي بالنهاية الي تفاقم الازمات الاقتصادية بين مختلف دول العالم .
وخلال السنوات القليلة الماضية شهد العالم تقلبات في السوق العالمية بسبب مخاوف من احتمال حدوث صراع ومنذ اللحظة الاولي لاشتعال نيران الحرب ارتفعت على الفور اسعار الحبوب والمواد الغذائية بشكل ملموس وأصبح الكل يعيش في حالة من القلق كون ان القادم سيكون اسوء اذا ما كانت خطوط الامداد معرضة لتوقف والتعطل بفعل الحرب الروسية الاوكرانية وباتت مرهونة في مدى استمراريتها والقدرة على عودة الحياة الطبيعية فيما بعد