الأعلام صناعة النجاح وحماية القيم

كتب /د.عادل عامر

تعد وسائل الإعلام من الأدوات الفاعلة والمهمة في المجال السياسي فهي لا تقوم فقط بنقل الرسائل والمعلومات من المؤسسات السياسية إلى الجمهور، ولكنها تحول هذه المعلومات من خلال مجموعة متنوعة من العمليات الخاصة بصناعة الأخبار لتحقيق أهداف وغايات محددة، حيث تعد العلاقة بين وسائل الإعلام والعملية السياسية علاقة جدلية،

إذ إن وسائل الإعلام تعمل على نقل وتحليل النشاط السياسي ولكنها في نفس الوقت تعد جزءاً من العملية السياسية باعتبارها من المصادر المتاحة أمام السياسيين وقادة الرأي للحصول على المعلومات وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم مما يساعد على صنع القرار السياسي، فضلاً عن اعتماد الجمهور عليها في تكوين اعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به، وما يترتب عليها من سلوكيات وردود أفعال إزاء هذه الأحداث )

ولم يعد الإعلام وسيلة للترفيه أو نشر الأخبار فحسب ، بل غدا صانعا للأفكار منتجا للقيم مهندسا للنجاح أو صانعا للفشل. وإلا .. فمن الذي أضر بالعلاقة بين الرجل والمرأة، هل هو الدين أم هو الفن الهابط؟ ومن الذي أضعف السير الطبيعي لمسيرة التنمية المجتمعية؟ هل هي الرؤية التي تعتمدها الأديان السماوية، أم هي النظرية الهابطة التي تعتمدها أغلب المسلسلات والأفلام.

 فوسائل الإعلام الحرة تلعب ثلاثة أدوار جوهرية في تعزيز الديمقراطية، باعتبارها محفل وطني يمنح صوتا لقطاعات المجتمع المختلفة، ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر، وكعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع، ويعزز قنوات المشاركة العامة كما تعمل كرقيب يكبح تجاوزات السلطة ويزيد من الشفافية الحكومية ويخضع المسئولين العاميين للمساءلة عن أفعالهم أمام محكمة الرأي العام.

ومن الذي أثار الشكوك في المجتمعات، وزرع انعدام الثقة بين أفراد البيت الواحد، وغذّى تلك المشاعر بأفكار ضيقة حول طبيعة العلاقة بين الجنسين؟

من الذي أوحى للفتاة بأنها دائما تحت المجهر، وأنها إن لم تكن مطلوبة فسوف تبور، ويُقضَى على مستقبلها، الأمر الذي ملأ رأسها بالأوهام والوساوس، وجعلها تفسر كل نظرة وكلمة تقال لها تفسيرا ساذجا ينم عن جهل مرعب بكيفية النجاح في التعامل مع الحياة والأحياء، بدون التعرض لتجارب مؤلمة تكون لها تبعاتها ونتائجها العكسية.

وكيف اختزلت العلاقة بين الجنسين بهذا الشكل القبيح الذي ليس فيه للكرامة والاحترام المتبادل نصيب؟

وأي حصاد يمكن جَنــيُه من وراء الدور الإعلامي الماكر الذي تعسف في طرحه لهذه المسألة وأثار لغطا في المجتمع، وخرج منتصرا بعد سلسلة الانكسارات التي أثارها ـ ولا يزال ـ في عقول الآباء والأمهات فضلا عن الفتيان والفتيات؟!

في واقع الأمر لا يعرف بالتحديد أول عقل مريض تفتق عقله الماكر عن حيل فنيّة لزراعة الوهم في عقول الشباب من الجنسين!!

لا نعرف اسم أول رواية غير أخلاقية انتشرت في الأسواق وتلقفتها يد مخرج عابث أراد أن يتّجر بالعواطف، ويمارس غشا ثقافيا مكشوفا لم يجد له من يردعه أو يأخذ على يده!!

لا نعرف اسم فريق العمل الذي تجاوب معه، والذي ربما لم يجد كاميرا في ذلك الحين تسجل ذلك العمل وتنشره في الفضائيات؛ لأنه حينها لم تكن هنالك فضائيات، وكان التفكير بها نوعا من أحاديث خرافة، أو مواعيد عرقوب مع زمن ظن بأنه لن يجيء!!

أياً ما كان اسم كاتب الرواية التي نفس بها العقل المريض عن  أفكاره الخاصة تجاه هذه المسألة، فإن العبث يظل سيد الموقف، والمحرّض الفعلي على إنتاج أعمال تطورت مع الزمن بين مسرحية وفيلم ومسلسل؛ تدور في فلك الوقوع في الأسر بعد النظرة الأولى، والباقي بات معروفا للجميع.

إن إثارة مثل هذه الفوضى في توصيف العلاقات الإنسانية هو الذي عاد بأوخم العواقب وأسوئها على منظومة الأفكار الخاصة بالكثيرين، وتسبب في ضياع مستقبل كثير من الفتيات، وأمرض مجتمعات كانت في عافية، وأسقم حياة أسر كانت ترف في الصحة والسعادة.

إن من يتأمل الصور غير النظيفة التي تكسرها المسلسلات إلا في بعض التجارب المتميزة؛ يلمس أن هناك غسيلا منظما للأدمغة بهدف إزالة قيم أصلية وأصيلة لصالح قيم تستهلك طاقة الشباب، وتصرف تفكيرهم نحو تقليد تلك القصص المفبركة على شاشات التلفاز.

وحين يغيب العقل، وتصبح العواطف المتفلتة سيدة الموقف يفقد المجتمع كثيرا من طاقاته التي أهدرت في غير طائل، وعطلت لغير سبب.

إن استلاب عقول المتفرجين، والضحك عليهم من خلال الترويج للإسفاف والهبوط؛ تسبب في كثير من العثرات والخيبات التي منيت بها أسر تأثر بعض أفرادها بالحملات الفنية الخبيثة الغاية، ولعل من النتائج غير المباشرة للعروض الإعلامية التي اختزلت العلاقة بين الجنسين في صورة قمينة، لا ترقى على الإطلاق للسير بأصحابها نحو هدف سام أو غاية شريفة ردود أفعال أولياء الأمور الذين  تخوفوا من أن تصل شظايا القصص الغرامية إلى بيوتهم وبناتهم، فآثروا حمايتهم بجملة من الوسائل التي لا ترقى لأن تشيع الفضيلة وتجذر لها في النفوس.

فالمنع والحجز والتضييق على الفتيات من مشاهدة التلفاز ليس هو الحل الأمثل لحمايتهن من التأثر بالهابط من الأعمال. ولغة التهديد والوعيد لغة تولد ميتة؛ لأنها لا قدرة لها على مخاطبة العقل، أو بناء الشخصية  القوية التي تميز بين الخطأ من الصواب وتحرص على الاستقامة عن رغبة واقتناع.

ما يضمن حماية الذات الإنسانية من الشرود والانحراف سلسلة مترابطة الحلقات من الوسائل الذكية التي تمارس بحكمة ووعي ودراية. هذه السلسلة من الاختيارات، يشترك البيت والمدرسة في الإتيان بها، أما الإعلام فعليه السلام حتى يأتي اليوم الذي يستفيق فيه النيام!! كما يمثل الإعلام عنصرًا مؤثرًا في حياة المجتمعات باعتباره الناشر، والمروج الأساسي للفكر والثقافة، ويسهم بفاعلية في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي للأفراد إلى جانب الأسرة والمؤسسات التعليمية والمؤسسات المدنية , بل إنه في كثير من دول العالم أحد منتجي الثقافة عن طريقه التفاعل والتأثير الإنساني المتبادل، وفى السنوات الأخيرة اكتسبت وسائل الإعلام باختلافها أبعادًا جديدة زادت من قوة تأثيرها على الأفراد والجماعات, بالإضافة إلى ذلك أن الإعلام باعتباره مؤسسة اجتماعية هامة في المجتمعات البشرية يحمل معاني اقتصادية وسياسية، وحظي موضوع وسائل الإعلام باهتمام العديد من المفكرين والأكاديميين والباحثين لما له من دور في إثارة اهتمام الجمهور بالقضايا والمشكلات المطروحة ,

ويشكل الاعلام ابرز الوسائل التي يمكن الاستعانة بها في تشكيل ثقافة التغيير العربية ، وقد اتضحت في التغييرات العربية فاعلية الاعلام في تعبئة الجماهير على التغيير الذي افضى الى نتائج مهمة ، ما يقتضي من المعنيين دراسة وتأمل الادوار المؤثرة التي قام بها الاعلام العربي او ذاك الناطق بالغة العربية في هذه الاحداث , مع الاخذ بالحسبان الاجندات الخارجية العربية والاجنبية التي وقفت وراء هذه التعبئة , فضلا عن التفاعل غير المسبوق للجماهير مع الاعلام ، بالرغم من غياب ثقافة التغيير لدى الاوساط الجماهيرية ، ما جعل الجماهير فريسة لاعلام يتناغم مع رغباتها بالشكل الذي دفعها باتجاهات غير محسوبة وربما تتقاطع مع مصالحها الاساسية . ومع ان هناك ادوارا مفترضة لوسائل الاعلام في تنمية ثقافة التغيير ، الا ان وسائل الاعلام العربية لم تمارس هذه الادوار بالشكل الفاعل والمؤثر خلال عقود ما بعد الاستقلال وبخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي ، وكانت ادواره خجولة في اطار الثقافة الاجتماعية ومقموعة ذاتيا إزاء المؤسسة الدينية ، اما ادواره الثقافية فظلت حبيسة الجوانب الادبية دون ان تمتد الى الثقافة السائدة التي هي احوج ما تكون الى التغيير من غيرها , ومن المؤكد ان اسبابا كثيرة تقف وراء ضألة الدور الاعلامي العربي الذي يتحمل مع العامل السياسي تبعة التخلف والجمود الذي عليه عالمنا العربي .

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيس الوزراء: نسعى بالشراكة مع إحدى المؤسسات العالمية أن يكون مستشفى أورام دار السلام مركزًا على أعلى مستوى

كتبت مني جودت أدلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات تليفزيونية، اليوم السبت حيث أشار ...