اثر التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة على الاقتصاد الدولي

كتب د/  عادل عامر

تحمل التعريفات الجمركية التي يقترحها ترامب على الصين وكندا والمكسيك العديد من التداعيات الدولية المحتملة، ومنها اضطراب سلاسل توريد العالمية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وغيرهما. وفي خضم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قد تضطر الشركات الأمريكية لإعادة النظر في سلاسل التوريد الخاصة بها. فخلال الحرب التجارية السابقة على سبيل المثال، اضطرت الشركات الأمريكية إلى البحث عن مواقع جديدة للإنتاج خارج السوق الأمريكي. فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية جديدة عقابية على واردات بلاده من السلع الصينية، مما أدى إلى تعميق الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

وتعهدت بكين باتخاذ تدابير مضادة رداً على ذلك، وحذرت من أن الرسوم الأميركية الجديدة ستشلّ سلاسل التوريد العالمية وستضر بمصالح واشنطن. وقد نقلت العديد من الشركات الأمريكية عملياتها الإنتاجية من الصين إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند في السنوات الأخيرة. وأظهرت دراسة من “مجموعة بوسطن للاستشارات” في سبتمبر 2023 أن نحو 30% من الشركات الأمريكية التي اعتمدت سابقاً على الصين قامت بنقل جزء من عملياتها إلى دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية؛ مما أدى إلى ارتفاع التكاليف اللوجستية بنسبة تصل إلى 25% خلال السنوات الخمس الماضية؛ هذه التغييرات قد تؤدي إلى تقليل الكفاءة وزيادة تكاليف الإنتاج عالمياً.

بالمثل، قد يدفع عدم الاستقرار الناتج عن التعريفات الجمركية الشركات إلى تقليل الجاذبية الاستثمارية للسوق الأمريكية بالنسبة للشركات الصينية. إجمالاً، تلك التغيرات تشير إلى إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة والاستثمار على المستوى العالمي، حيث تصبح الشركات أكثر حذراً تجاه الاستثمار في بيئات تجارية غير مستقرة.

لا تشكل الرسوم الجمركية التي أقرها دونالد ترامب مؤخرا على باقي العالم سابقة، إذ عمدت الولايات المتحدة بانتظام عبر تاريخها إلى فرض رسوم مشددة حققت نتائج غير مقنعة في غالب الأحيان، لا بل كارثية أحيانا. صاعدت الحرب التجارية العالمية، أمس، ما يهدد باتساع اضطرابات الأسواق العالمية ونهاية حقبة التجارة الحرة التي شكلت أساس النظام التجاري العالمي لعقود.

وأعلنت الصين فرض رسوم جمركية إضافية “انتقامية “بنسبة 34% على السلع الأمريكية، أمس، في أخطر تصعيد في الحرب التجارية. وفي المواجهة بين أكبر اقتصادين في العالم، أعلنت بكين أيضاً عن فرض قيود على صادرات بعض المعادن النادرة.

وقدمت شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، وأدرجت أيضاً 11 كياناً على قائمة «الكيانات غير الموثوقة» التي تسمح لبكين باتخاذ إجراءات عقابية ضد الكيانات الأجنبية، بما في ذلك الشركات المرتبطة بمبيعات الأسلحة إلى تايوان التي تتمتع بنظام حكم ديمقراطي، التي تقول الصين إنها جزء من أراضيها. وبينما من المحتمل أن تتحول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى صراع جيوسياسي أوسع نطاقاً، سيؤدي ذلك إلى انقسام النظام التجاري والاقتصادي العالمي وتشرذمه إلى تكتلات متنافسة. هذا التقسيم قد ينتج عنه إضعاف التعاون الاقتصادي الدولي وزيادة التوترات الجيوسياسية. في هذه الأثناء، ستؤدي القيود التجارية الجديدة إلى تقليص حركة التجارة الدولية وارتفاع التضخم العالمي وتقويض نمو الاقتصاد العالمي بمعدل 0.4 نقطة مئوية- إن لم يزد عن هذا الحد- في عام 2025، وفق تقديرات “سيتي غروب” .وبناء على ذلك “يمكن لتلك الشركات الإبقاء على مستويات مقبولة من المبادلات التجارية لدى الدول التي لها نسب جمركية مقبولة مع الولايات المتحدة”. النهج العدائي الذي يتبناه ترامب، ويطبقه على شركاء تجاريين رئيسيين مثل كندا والمكسيك، وخصوم مثل روسيا، واقتصادات أصغر مثل كولومبيا والدنمارك، يعكس وجهة نظره بأن الولايات المتحدة تتعرض “للخداع” بشكل روتيني من قبل أغلب البلدان الأخرى.

أن الرسوم الجمركية الجديدة تنتهك قواعد المنظمة بشكل صارخ. وأكدت أمانة المنظمة لـ«رويترز» تلقيها طلباً من الصين لإجراء مشاورات. والمشاورات الثنائية هي أول مرحلة لتسوية النزاعات رسمياً، ومن حق الصين، في حالة عدم التوصل إلى حل خلال 60 يوماً، طلب الفصل في النزاع من جهاز تسوية المنازعات التابع للمنظمة. وتأهبت دول من كندا إلى الصين للرد في حرب تجارية متصاعدة بعد أن أعلن ترامب زيادة القيود الجمركية إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من قرن، الأربعاء الماضي، ما أدى إلى انخفاض حاد في الأسواق المالية العالمية. وأودت الرسوم الإضافية بأولى ضحاياها، أول من أمس، مع إعلان شركة ستيلانتيس إغلاق مصنع كرايسلر التابع لها في وندسور في كندا لمدة أسبوعين. وأعلن شركاء تجاريون آخرون، منهم اليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك والهند، أنهم سيؤجلون أي إجراءات مضادة في الوقت الحالي سعياً للحصول على تنازلات.

العاصفة الثلجية من المطالب التي لا تعالج دائمًا التجارة فقط، تضعه على طريق مواجهات مُتزامنة في مختلف أنحاء العالم، وهو ما قد يتصاعد بشكل غير متوقع على حساب الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، وفق واشنطن بوست.

رغم أن الدول الإفريقية ليس لديها على مبادلات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، فإن علاقتها الاقتصادية مع شركاء آخرين مثل الصين والاتحاد الأوروبي ستجعلها تستورد هذه الأزمات الاقتصادية، كما سبق أن استوردت أزمة التضخم خلال المرحلة الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية”. إن فرض رسوم جمركية على المغرب “يعتبر إخلالا باتفاقية التبادل الحر بين الرباط وواشنطن، على اعتبار أنها تشكل الإطار الذي يحكم العلاقة التجارية بين البلدين”.

نشرت الحكومة البريطانية قائمة تضم 400 صفحة للسلع الأمريكية، والتي قد تدرجها في أي رد محتمل على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الواردات البريطانية.

وأوضحت الحكومة البريطانية، في بيان اليوم، أنه ليس جميع السلع المدرجة في القائمة ستخضع لأي رسوم جمركية مستقبلية، مشيرة إلى أنها تبنت نهجا هادئا تجاه الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 10 بالمئة، وهي الأدنى بين الرسوم المفروضة على عشرات الدول الأخرى، بدلا من اتباع الاتحاد الأوروبي والاقتصادات الأخرى في التهديد الفوري بالرد بإجراءات خاصة بها. وتضم القائمة ثمانية آلاف منتج نشرتها الحكومة، والتي قد تفرض عليها أي رسوم جمركية مضادة مستقبلية، حوالي 27 بالمئة من الواردات البريطانية من المنتجات الأمريكية، وستخضع القائمة لمشاورات مع الشركات لمدة أربعة أسابيع.

وشملت القائمة الإرشادية المناظير وقطع غيار السيارات، بالإضافة إلى منتجات غذائية، بما في ذلك اللحوم والأسماك.

وكان جوناثان رينولدز وزير التجارة البريطاني، أعلن أن المملكة المتحدة ما زالت ملتزمة بالتوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، مشددا على أن لندن لا تعتزم اتخاذ إجراءات انتقامية في الحال.

يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن أمس الأربعاء عن فرض رسوم شاملة على الواردات الأمريكية مع مختلف دول العالم، بهدف دعم قطاع التصنيع في الولايات المتحدة، حيث بلغت الرسوم الجمركية على الصين ما نسبته 34 بالمئة، و20 بالمئة على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رسوم بنسب متفاوتة على عدد من الدول ورسوم بحد أدنى 10 بالمئة على الواردات الأمريكية من جميع الدول.

ختاماً، يمكن القول إنه رغم دور سياسات ترامب الجمركية في تعزيز الاقتصاد المحلي ومعالجة العجز التجاري؛ فإنها تحمل مخاطر أخرى منها زيادة الضغوط التضخمية واضطراب النظام التجاري العالمي، وكذلك تصاعد التوترات بين القوى الاقتصادية العظمى؛ وبهذا يصبح التحدي الرئيسي أمام إدارة ترامب هو كيفية تحقيق التوازن بين حماية المصالح الوطنية وضمان استقرار الاقتصاد العالمي.

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجواء حارة بأغلب الأنحاء ورياح مثيرة للرمال والأتربة بهذه المناطق

كتب احمد نصر كشفت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، أن آخر صور الأقمار الصناعية تشير إلى ...