كتبت مني جودت
يعيش عبده مصطفى محمد، من قرية الشطب بمدينة دراو في محافظة أسوان، ألمَين يعتصرانه: الأول هو فقد أخيه محمود، الذي ترك فراغًا كبيرًا في قلبه، والثاني هو ألم غيّر حياته تمامًا، بعد أن وجد نفسه مع الأموات بينما هو حي يُرزق!
بداية الحكاية وصدمة شهادة الوفاة
بدأت القصة عندما توجه عبده إلى مكتب الصحة في نجع العرب، حاملًا تصريح دفن يحمل اسم شقيقه الراحل محمود مصطفى محمد، مطالبًا باستخراج شهادة وفاة لأخيه. طُلب منه الموظفون حينها أن يعود “بعد يومين لاستلامها”.
بخطوات ثقيلة، عاد عبده مجددًا بعد يومين إلى مكتب الصحة لاستلام شهادة وفاة أخيه، التي ستُسدل الستار رسميًا على حياة محمود. لم يكن يدري أن القدر يخبئ له صفعة قاسية، لم تراوده حتى في أسوأ كوابيسه. تسلّم عبده تلك الوثيقة الصفراء، الممهورة بعدة أختام، ليجدها تحمل اسمه هو! “عبده مصطفى محمد” معلنةً وفاته رسميًا!
صرخة رجل: “أنا حيّ!”
في موقف تختلط فيه المشاعر، وقف عبده يزلزل وثيقة وفاته بيديه أمام موظف مكتب الصحة صارخًا: “فيه غلط كبير! أنا واقف قدامك.. أنا حيّ!.. أخويا محمود هو اللي مات.” حاول الموظف في هذه اللحظة تهدئته بكلمات روتينية: “معلش.. خطأ بسيط يتصلح.”
لم يعلم الأخ المكلوم أن هذه “الغلطة البسيطة” ستحوّل حياته إلى كابوس حقيقي. ورغم أن الموظف أعطى عبده ورقة تُثبت أنه لا يزال “على قيد الحياة!”، إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئًا.
من حزن الفقد إلى رعب العيش
تحوّل حزن عبده على فقد أخيه إلى رعب لا يعلم متى سينتهي. فحين توجه لتحويل مستحقات مالية إلى تجار يتعامل معهم من مكتب البريد، أخبره موظف البريد: “السيستم بيوقف الصرف.. لأنك متوفي.. حسب النظام!”
لم يكن البريد الجهة الوحيدة التي رأى فيها الرجل وفاته، بل امتدت “وفاة عبده الورقية” لتخنقه في كل تعاملاته مع المصالح الحكومية؛ حيث حولته ورقة من رجل حي إلى “شبح” متجول.
قضى عبده مصطفى أسابيع طويلة بين المعاناة والتنقل بين المكاتب، في محاولة لـ”إعادة إحيائه” بتصحيح ذلك الخطأ الفادح. انتهى به المطاف بتحرير محضر بالواقعة في الرقابة الإدارية، حاملًا في قلبه جرحين: جرح فقدان الأخ، وجرح السعي لإثبات أنه حيّ.