إسرائيل وسياسة حرق الأرض

كتب / د. عادل عامر

أن إسرائيل سواء كانت تهدف إلى معاقبة حماس أو إلى الاستمرار في التمييز بين غزة والضّفة الغربية من أجل استدامة الانقسام بين حماس وفتح، فإنها لم تفكر أبدا في تغيير سياستها تجاه القطاع.

أن إسرائيل شنت خلال الـ16 عاما الأخيرة عمليات عسكرية متكررة، وانتهجت سياسة الاغتيالات، وهي التي تقرر ما يُسمح بدخوله من البضائع إلى قطاع غزة وما يمنع دخوله.

أن إقدام إسرائيل على تفعيل “هانيبال”، هو أمر غير مستبعد بل احتمال قائم، وسبق لإسرائيل تفعيلها في عام 2014 وخصوصا في مدينة رفح، وأشار إلى أن عدد الأسرى الإسرائيليين كبير نسبيا هذه المرة، وربما لا تستطيع القيادة الإسرائيلية تحمل عاقبة التسبب في مقتلهم. العديد من الممارسات التعسفية الإسرائيلية نفذت باسم الأمن. نفذت الجماعات الفلسطينية المسلحة عشرات الهجمات الفتاكة على المدنيين وشنّت آلاف الهجمات الصاروخية على المناطق المدنية الإسرائيلية، مما يشكل انتهاكا للقانوني الإنساني الدولي أيضا.

بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو/حزيران عام 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل. وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر مقاومة للاحتلال. فمنها انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها.

كان هناك نظام عقابي تأديبي تطبقه الحملات العسكرية على من يدمر الممتلكات ويقهر الناس عُرف باسم «فاستاتيو». استُخدمت سياسة الأرض المحروقة أولًا في الحروب الغالية مرتين. المرة الأولى عندما أُجبر الهيلفيتيكا الكلتيون على إخلاء منازلهم في جنوب ألمانيا وسويسرا بسبب الغارات التي شنتها قبائل جرمانية معادية: ألحق الهيلفيتيكا الدمار بكل ما عجزوا عن أخذه معهم بغية إضافة الحافز إلى زحفهم. بعد أن هُزم الهيلفيتيكا على يد قوة رومانية غالية مشتركة، أُجبر الهيلفيتيكا على إعادة بناء ما تسببوا به من دمار في ألمانيا المدمرة، والسهول السويسرية التي دمروها بأنفسهم.

أظهر الاستخدام الثاني لهذه السياسة القيمة العسكرية الحقيقية لها: خطط الغاليون خلال الحرب الغالية العظمى تحت قيادة فرسن جتريكس لاستدراج الجيوش الرومانية إلى بلاد الغال ثم محاصرتها وإبادتها. بالتالي، خربوا ريفهم فيما يُعرف الآن بدول البنلوكس وفرنسا.

 تسبب هذا في عواقب وخيمة للرومان، غير أن الانتصارات العسكرية الرومانية على التحالف الغالي أظهرت أن هذا وحده لا يكفي لإنقاذ الغال من إخضاع روما. مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة (الإسرائيلية) القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة”.”حلول أخرى” لمشكلة غزة.

 فوفق المادة 39 من المعاهدة، فإنه يُحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أي دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك. بروتوكول هانيبال هو إجراء يستخدمه الجيش الإسرائيلي لمنع خطف جنوده من قِبل فصائل المقاومة الفلسطينية أو أي طرف آخر، وصيغته المعروفة هي أن “عملية الخطف يجب أن تتوقف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا وإلحاق الأذى بها“.

هذا البروتوكول كان قيد التطوير منذ أول تبادل للأسرى بين إسرائيل والقيادة العامة للجبهة الشعبية، وتم الانتهاء منه عام 1985، تم الكشف عنه لأول مرة للجيش الإسرائيلي في عام 2001. تم استخدام بروتوكول هانيبال عدة مرات منذ عام 2008 نتيجة الاشتباكات العسكرية مع قوات المقاومة الفلسطينية في غزة، ما نتج عنه في عدة مناسبات مقتل أفراد الفصائل والجنود الأسرى.

يبدو أن هناك نسختين مختلفتين من بروتوكول هانيبال، واحدة مكتوبة شديدة السرية، مخصصة للمستوى الأعلى من الجيش الإسرائيلي من القادة، والأخرى شفاهية لقادة الفرق والمستويات الأدنى. في الإصدارات الأحدث، كثيرًا ما تُؤخذ عبارة “بكل الوسائل” حرفيًا، كما هو الحال في عبارة “من الأفضل أن يُقتل جندي في الجيش الإسرائيلي بدلاً من أن يُختطف. في 2018، انتقدت هيئة رقابة حكومية إسرائيلية بروتوكول هانيبال العسكري، وقال مجلس مدققي الحسابات الحكومية إن البروتوكول يفتقر إلى الوضوح بشأن “قيمة حياة الجندي المخطوف”.

في الضفة الغربية، استخدمت قوات الأمن الإسرائيلية القوة المفرطة بشكل روتيني في حالات فرض الأمن، أو استخدمت الذخيرة الحية لتقتل وتصيب بجروح خطيرة آلاف المتظاهرين، قاذفي الحجارة وآخرين. كان يمكن استخدام وسائل أقل حدة لتفادي التهديد أو المحافظة على النظام.

كما ارتكبت الجماعات الفلسطينية المسلحة جرائم حرب خلال هذه النزاعات وفي أوقات أخرى، بما في ذلك الهجمات الصاروخية التي استهدفت مراكز سكانية إسرائيلية. منذ بداية الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987 ونهاية فبراير/شباط 2017، أسفرت الهجمات التي شنها فلسطينيون عن مقتل ما لا يقل عن 1079 مدنيا إسرائيليا، وفقا لمنظمة “بتسليم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان.

التحقيقات الرسمية الإسرائيلية في الانتهاكات المزعومة لقوات الأمن خلال نزاعات غزة وفي أوضاع الشرطة لم تحاسب المسيئين، إلا في استثناءات نادرة. كما لم تحقق السلطات الفلسطينية في الانتهاكات أو تحاسب المسؤولين عنها.

صادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الأفدنة من الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات والبنية التحتية الداعمة لها. كما جعلت حصول الفلسطينيين على تصاريح بناء في القدس الشرقية وفي 60 بالمئة من الضفة الغربية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية (المنطقة جيم)، أمرا مستحيلا تقريبا. أدّى ذلك وغيره من القرارات التمييزية إلى إجبار الفلسطينيين على مغادرة منازلهم أو البناء تحت طائلة رؤية منازلهم “غير المرخصة” تجرف. هدمت السلطات الإسرائيلية على مدى عقود منازل على أساس أنها تفتقر للتصاريح، رغم أن قانون الاحتلال يحظر تدمير الممتلكات ما عدا للضرورة العسكرية. كما هدمت بيوتا كعقاب جماعي ضد أسر الفلسطينيين المشتبه في مهاجمتهم للإسرائيليين.

قانون الاحتلال، الذي يهدف إلى تنظيم الوضع الاستثنائي والمؤقت الذي تزيح فيه القوة العسكرية الأجنبية الحاكم الشرعي وتحكم بالقوة، يمنح المحتل سلطات واسعة ولكن محدودة لتقييد الأفراد وحقوقهم في تلبية الاحتياجات الأمنية.

غير أنه في ظل الاحتلال المطول الذي تتاح فيه للمحتلين فرصة تطوير استجابات ملائمة للتهديدات الأمنية، ينبغي تقليل الحرمان من حماية الحقوق وإيلاء الأهمية لاحترام جميع الحقوق الأساسية للسكان وحمايتها وإعمالها. بالإضافة إلى ذلك، فإن التزام المحتل بإعادة حياة السكان المحليين إلى طبيعتها يزداد بمرور الوقت، وكذلك التزاماته بتحقيق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للسكان المقيمين في الأراضي المحتلة تدريجيا.

على المجتمع الدولي، بعد عقود من الفشل في كبح التجاوزات المرتبطة بالاحتلال، أن يتخذ تدابير أكثر فعالية لإجبار السلطات الإسرائيلية والفلسطينية على احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. يجب أن توقف البلدان والشركات الأخرى الأنشطة المنفذة داخل المستوطنات وتغير السياسات التي تدعم الأنشطة والبنية التحتية المتعلقة بالاستيطان، بما يتماشى مع مسؤوليات كل منها في مجال حقوق الإنسان.

على الحكومات أن تستخدم نفوذها للضغط على إسرائيل لإنهاء حظر السفر المفروض على المواطنين الفلسطينيين في غزة والسماح بحرية الحركة من غزة وإليها للبضائع والأشخاص الخاضعين لفحوصات أمنية فردية وتفتيش جسدي. على “المحكمة الجنائية الدولية” أن تفتح تحقيقا رسميا في الجرائم الدولية الخطيرة التي يرتكبها الإسرائيليون والفلسطينيون في إسرائيل وفلسطين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...