كتب / د. عادل عامر
لقد بشر الله المؤمنين بالقرآن العاملين به أنه سيجنبهم الفساد بكل أنواعه حتى لو عم الفساد كل من على وجه الأرض، وهذا غير ممكن، ولكن في حال حدوثه لو افتراضنا أن الله قد ضمن لكل إنسان يبحث عن الخلاص من الفساد والتوحش أنه سيعينه على ذلك. ولاشك أن هذه بشارة كبرى لا يمكن أن يحصل عليها أي إنسان من غير القرآن.
وهناك، ربما، بشارة أكبر من ذلك وهي لمن يريد أن يكون له تميز وذلك أن من يقف ضد الفساد فإن الله سيحميه وسينصره في نهاية الأمر مهما كان عدد المتعصبين للفساد وقوتهم.
ان العرب هم اكثر الامم استيراداً للسلاح وانفاقاً على الحروب، وان مشاكل العرب هي التي لم تحل وقد حلت مشاكل غيرهم والتي كانت تفوق مشاكلهم. لقد انتهت الحرب الباردة وتعايش الشرق مع الغرب وانتهت مشكلة جنوب أفريقيا وانتهت كثير من المشاكل. أما مشاكل العرب فإنها تزداد باستمرار.
ان ثقافة التوحش قد أصابت حتى العلماء والمثقفين وأنصاف المثقفين وملئت به الكتب والصحف والعقول والضمائر فأصبحت تلوث كل الفضاءات سواء المساجد او الوعظ او الأفلام او المسلسلات وشبكات التواصل الاجتماعي. فقد اصبح كل الناس مضطرين للتعامل معه في المقايل وفي غرف نومهم وحتى وهم نائمون.
الإنسان الذي وصل إلى القمر رافق تطور رحلة إنجازاته على الأرض جانب أسود لا يقل دهشة عن واقع إنجازاته، فهو لم يكتفِ بتطوير الآلات والوسائل التي تحمي الإنسان من المرض، أو توفر له مصادر متنوعة للغذاء، بل شابت مسيرته ثغرات تكاد تقضي على الإنسانية منها المفاعلات النووية ومنها وسائل التعذيب التي لم تتوقف ولا للحظة عن التطور وكأنها جزء لا يتجزأ من حضارة الإنسان!
الإنسان الغربي الذي أباد مئات الآلاف من الهنود الحمر، الحربين العالمية الأولى والثانية، القنبلة النووية، حرب أفغانستان والعراق وحاليًا سوريا والاقتتال الذي فيها، كل هذه الحروب تأتي لتذكرنا بالوجه الخفي للحضارة الإنسانية التي نعيشها حاليًا، الوجه المخيف الذي يفضح مدى توحش بعض الناس في حال تمكنوا من خصومهم.
وجه مخيف يخبرنا أن لا حدود للتوحش الذي يسكن النفس البشرية، التوحش الذي يكاد يفوق توحش الحيوانات بمراحل، فالحيوانات المفترسة ذات الأنياب الحادة لا تفتك بفريستها إلا في أوقات محددة، ولهدف محدد كالجوع مثلاً، بينما لا يكتفي الإنسان بالقتل من أجل لا شيء، بل يبالغ في تطوير وسائل الموت وآلات التعذيب ليصل إلى ذروة لذة العنف التي لا توجد إلا في الجنس البشري.
أليس بعض هذا يكفي لان نفسر ما يلي: الحروب لا تتوقف سواء الحارة او الباردة. القتل لايتوقف ولايخص فئة دون فئة والمدن تدمر والبنية التحتية تقصف او تفجر. الخوف الدائم لمن هو جزء من الصراعات ولمن ليس كذلك. حرمات البيوت تنتهك وبدون سبب او رقيب او حسيب. جثث الموتى تأكلها الكلاب. المفقودون لا حصر لهم، اللاجئون خارج العالم العربي بعضهم يموت في البحر والبعض الاخر يقبض عليه ويرمى في السجن والبعض يعيش في مخيات اسوأ من السجون ومن خرج من بلده لايدري لماذا خرج وما هو ذنبه ومتى سيعود. الطفل لايدري هل سيجد مدرسة أم سيجد قبرا… وغير ذلك.
هل هذه الاوضاع طبيعية وهل من يعانون منها هم في وضع طبيعي وهل ذلك قدر العربي وان لامخرج منه؟ لماذا نكابر ونقول هذا قدر الله.. الله لم يقدر على غيرنا وبالتالي فان ذلك هو قدرنا نحن. هذه الآيات تدل على ان العرب وحتى بعد فتح مكة ليسوا محصنين عن ثقافة وتصرفات التوحش اذا هم هجروا القران. وهذا ما نشاهده الأن وبكل وضوح.
متوحش هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، فمعظم تفاصيله باتت محكومة بالمنافع المادية البحتة دون أي اعتبار آخر لقيم أو أخلاق أو مبادئ، ابتداء بأبسط علاقات الناس بعضهم مع بعض وانتهاء بالعلاقات الدولية وقرارات السلم والحرب، أصبحنا نعيش في عالم يصدق فيه القول بأن أحق الناس بصحبة الإنسان هو ماله، ثم ماله ثم ماله. لم تعد بقايا الرحمة والضمير في هذا العالم قادرة على أن تقف في وجه السيل الجارف من الطمع والجشع الذي غزا أفئدة البشر فاستحوذ عليها واقتلع منها كل معاني الرحمة والحنان. لم يعد من المستغرب في عالمنا أن تسمع عن آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ممن يموتون يوميا بردا أو جوعا أو مرضا هنا أو هناك دون أن يرتعش لموتهم أحد.
أما المنظمات الدولية التي ما زال لديها بقية من رحمة فقد باتت تتسول على أبوب المتبرعين طلبا لما قد يسد أبسط احتياجاتها من أجل تامين لقمة طعام أو حبة دواء أو شربة ماء لملايين المحتاجين والمحرومين من الذين فتكت بهم الأمراض أو شردتهم الحروب والكوارث… فكيف تطور العالم حتى وصل لهذا المستوى المرموق من “الحضارة”؟
إن محاولة الشخص العادي منا أن يحمي نفسه ومعلوماته وخصوصياته من أن تكون مشاعًا للناس مسألة صعبة في عصر الهواتف الذكية فأصبحت الحاجة للغموض بأنواعه ملحة وحيوية للغاية إن بعض الأنماط البشرية قليلة الكلام ضعيفة التواصل البشري تعيش غالب حياتها مع الأفكار والإبداع والإنجاز دون الحاجة لكثرة التواصل المؤدي إلى كشف ما في حياته للآخرين انشغل بنفسه فانشغل الناس عنه.
الأشخاص الطبيعية مهما بلغت من الشهرة والسلطة والمال والنفوذ لا تحتاج لهذا النوع من الغموض ولا للهيبة المصطنعة أو المكانة الزائفة فهم كما هم لا تغيرهم الأيام ولا الليالي ثبات في المبادئ والمواقف والأقوال والأفعال
ويعتقد بعض البشر أن الغموض وإخفاء المشاعر الحقيقية والمواقف الواضحة يضفي حالة من الهيبة والإجلال في قلوب الآخرين سواء أكانوا من المقربين أو غيرهم فيحاول وبشتى الطرق أن يخفي معظم أحواله بل يلمح غالبًا بعكسها محاولة منه لابتزاز الناس وإغراقهم بالحيرة المتعمدة ليصبح حديثهم في مجالسهم حتى لو بالنقد والاعتراض فهو في حالة نشوة مرضية وشعور اضطرابي يدل على عدم الاتزان وانتفاء الوعي بالنفس وبالآخرين حتى أنه يأتي في بعض الأحوال بسلوكيات غاية في العجب والدهشة بحيث لا يصدق الناس أنها تصدر من شخص عاقل أو متزن فلا تجد له جوابًا واضحًا على سؤال واضح بسيط فيلف ويدور ويحاور ويناور لا لجهله ولا ضعف معرفته بل ليحير السامع ولو كان زوجته أو المقربين منه.
إن الغموض المتكلف علامة اضطرابية تنشأ عن خلل نفسي عميق قد يكون ممتدًا منذ الطفولة كما صرح بعضهم أن الأطفال كانوا يضربونه فتوعدهم أنه حين يكبر سيكيل لهم الصاع صاعين فلما كبر تسلط على الضعفاء ومن لا حول لهم ولا قوة. هي محاولة تعويضية في دائرة العنف النفسي الذي تكون لديه منذ الطفولة بحيث يتحول من ضحية إلى جلاد في نفس الدائرة التي مورست عليه، ولكن كيف يمكن له أن يتحول إلى بطل إلا عن طريق إضفاء هالة من الغموض المغلف بالابتزاز النفسي لعموم الناس أو لأفراد دائرته المقربة.
هي الحالة العامة المسيطرة على بعض إن لم يكن غالب المتصدرين على ساحة السياسة والإعلام والرياضة في هذه الآونة فكثرة الإشاعات والتاريخ المصطنع والبطولات الزائفة التي من شأنها أن ترفع الوضيع وتعلي شأن الحقير حتى تدفع الملايين لشركات إدارة السمعة من أموال الشعوب المطحونة لتلميع الصور البالية وطمس معالم الحقيقة وإخفاء العيوب النفسية والبقع المظلمة بل السوداء القاتمة في حياة هؤلاء. والأسوأ محاولة بعضهم دفع ملايين مشابهة لإسقاط الشريف وتلطيخ سمعة النظيف لمجرد أنه تجرأ على منازلتهم أو حتى التسابق معهم لنيل شرف خدمة الناس أو حتى أحبه الناس وقربوه لتواضعه وطهارة ذات يده، لماذا أحبك الناس دوننا؟ ولماذا قدموك علينا؟ إذا محاسني اللاتي أدل بِها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر.
إن الأشخاص الطبيعية مهما بلغت من الشهرة والسلطة والمال والنفوذ لا تحتاج لهذا النوع من الغموض ولا للهيبة المصطنعة أو المكانة الزائفة فهم كما هم لا تغيرهم الأيام ولا الليالي ثبات في المبادئ والمواقف والأقوال والأفعال وفي الانفعال كذلك.
هنا لا يصبح الكلام عن الغموض الطبعي الجبلي مسألة عسيرة أو تحتاج لمزيد شرح وبيان فهو الشخص المتحفظ قليل الاختلاط الذي يجد في الخلوة ما لا يجده في الخلطة ويأنس بالوحدة ويتوحش من كثرة الرفقة فكل من حوله لا يعرفون إلا القليل عنه وهو لا يحتاج ليعلن عن نفسه بأي طريقة كانت فلا هدف له من التسلط عليهم ولا بالتحكم فيهم ولا في نيل بعض المصالح من ورائهم هو هكذا وسيظل كذلك.
شكرًا ومن القلب لكل وسائل التواصل الاجتماعي وللهواتف الذكية ومخترعيها فقد آذيتم قلة من الشرفاء لكنكم رفعتم ثوب الغموض المتكلف عن شريحة مفسدة منذ عقود على المجتمعات العربية والإسلامية بل والعالمية.. شكرًا لكل من نقل معلومة مفيدة ونافعة تثبت منها ومن مصدرها عن شريحة أو مجموعة طغا فسادها وعم شرها وقل نفعها وانعدم خيرها حيث تؤذي البلاد والعباد وتوهم الناس بالإصلاح والله يعلم المفسد من المصلح وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين.