كتبت مني جودت
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد السادس من مجلته الدورية “آفاق صناعية”، والذي جاء تحت عنوان “مستقبل الصناعات كثيفة العمالة في ظل الذكاء الاصطناعي”، متضمناً مقالات رأي تناولت الاطار النظري لمفهوم الصناعات كثيفة العمالة، والفرص والتحديات أمام التحول الرقمي وتأثيره على الصناعات كثيفة العمالة، كما اشتملت المجلة على عروض بحثية لبعض القضايا والموضوعات ذات الصلة بمستقبل الصناعات كثيفة العمالة في ظل الذكاء الاصطناعي، مع رصد للعديد من التجارب الدولية الخاصة بموضوع العدد أبرزها تجارب الصين والمملكة المتحدة وألمانيا والمكسيك، بالإضافة إلى تحليل أبرز المقالات التي نُشرت بالصحف والمجلات الأجنبية وتناولت موضوع “مستقبل الصناعات كثيفة العمالة في ظل الذكاء الاصطناعي”.
تضمن العدد الجديد مقالًا للأستاذة الدكتورة تغريد حسوبة أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي وصناعة التعدين: الفرص والتحديات”، حيث أوضحت أن صناعة التعدين من الصناعات المهمة التي يمكن أن تجتاحها الثورة الصناعية الرابعة بتبعاتها من الذكاء الاصطناعي، وتلعب تلك الصناعة دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي بدءًا من التنقيب عن المعادن حتى استخراجها، كما تنتمي صناعة التعدين إلى الصناعات كثيفة العمالة، وأشار المقال إلى دور ومجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة التعدين والتي يمكن تلخيصها في “الغازات والكشف عن المخاطر، “والحفر الاستكشافي والانتاجي”، “وأخذ العينات”، “وتطبيق معالجة المعادن وتحليل الحوادث”.
وتناول المقال مزايا الذكاء الاصطناعي في صناعة التعدين والتي يمكن تلخيصها في: (تحسين عملية التنقيب من حيث تحليل البيانات والتنبؤ بالاحتياطات، وتحسين إدارة العمليات من حيث التشغيل الذكي والصيانة التنبؤية، وتحسين سلامة العاملين من حيث نظم مراقبة السلامة وتدريب الواقع الافتراضي، وتحسين إدارة اللوجستيات من حيث تحسين تخطيط الإنتاج وتحسين سلسلة التوريد، واستدامة البيئة من حيث تحسين عمليات الاستخراج وإدارة المخلفات).
وبشكل عام من المقرر أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى إحداث ثورة في الطريقة التي يُستكشف بها المعادن كما أنه سيوفر طريقة أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة والأثر البيئي لإطلاق إمكانات صناعة التعدين.
كما تناول المقال تحديات ومخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة التعدين والتي من أهمها، التكلفة الاستثمارية، والطبيعة الديناميكية للتعدين فالمتغيرات التي تحكم عملية التعدين لا يمكن التنبؤ بها في الغالب مما يجعل من الصعب جدًا تطبيق الأنظمة والتقنيات الذكية ونقل الإشارات، وحماية وأمن وخصوصية البيانات، واستهلاك الطاقة، ومقاومة التغيير، والتأثير على فقدان الوظائف، ومن الجدير بالذكر أن فهم هذه التحديات والمخاطر يساعد في تطوير استراتيجيات فعالة لتبني التكنولوجيا بطريقة تحقق الفوائد المرجوة مع تقليل المخاطر وحماية المصالح البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
أوضح المقال في ختامه أنه على الرغم من القلق المثار يرى الكثير من المنظمات والخبراء على المستوى العالمي أن هذه التحولات إذا تمت إدارتها بحكمة يمكنها أن تؤدي إلى عصر جديد من العمل الجيد والوظائف الجيدة وتحسين جودة الحياة للجميع، أما إذا تمت إدارتها بشكل سيء فهي تمثل خطورة في توسيع فجوة عدم المساواة، ومن شأن الانتقال السلس إلى الثورة الصناعية الرابعة أن يتطلب استثمارات ضخمة وسياسات قوية لاقتناص هذه الفرصة الذهبية من أجل النمو الاقتصادي والتحول الاجتماعي ولإدارة القلق من التشغيل ومخاوف العمال من التكنولوجيا التي تجور على حقوقهم ولا سيما مع إمكانية اختفاء الكثير من الوظائف ذات المستوى المهاري المتوسط جراء الميكنة والتحول للروبوتات فضلًا عن زيادة المنافسة عبر الحدود، ومع أن تحديات النقلة الرقمية قد تبدو كاسحة بالنسبة للاقتصادات الناشئة إلا أنها يمكن أن تُدار إدارة فعالة لضمان تحول استراتيجي ونافذ، وثمة حاجة إلى هياكل عالمية تعتمد على بعضها البعض لتقدم للعمال والشركات والحكومات إمكانية اقتناص الكثير من الفرص بما فيها التعاون متعدد الأطراف والاندماج الإقليمي لتجميع رؤوس الأموال والخبرات من أجل تثقيف وتدريب عدد أكبر من العمالة بتكلفة أقل.
ومن المقالات التي تناولها العدد أيضًا مقالًا بعنوان “التحول الرقمي وتأثيره على الصناعات كثيفة العمالة: التحديات والفرص” للدكتور علي خاطر أستاذ مساعد بحوث العمليات وعلوم البيانات بكلية علوم الحاسب جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، حيث أوضح المقال مميزات التحول الرقمي وتأثيره على الصناعات وقد تمثل ذلك في: (زيادة الإنتاجية، وتحسين جودة المنتجات والخدمات، وتقليل التكاليف الإنتاجية،حيث وتحسين سلامة وشروط العمل، وتوفير فرص عمل جديدة، والتوسع في الابتكار والتنوع، وزيادة السرعة والتوصيل والتسليم).
كما أوضح المقال التحديات التي تواجهها الشركات والمؤسسات، فدائمًا ما تواجه الصناعات كثيفة العمالة العديد من التحديات في عملية التحول الرقمي والتي تتمثل في ارتفاع التكلفة الاستثمارية، والمقاومة التنظيمية والثقافية، وقضايا الأمن والخصوصية، وتحديات التكامل، ونقص المهارات والقدرات، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وهناك تحديات يواجهها العاملون تتمثل في التغييرات في هيكل الوظائف، وزيادة الطلب على المهارات الرقمية المتقدمة، وتغير طبيعة العمل بشكل جذري، وتحديات التكيف النفسي والثقافي، وعدم المساواة التكنولوجية.
وأشار المقال إلى الفرص المتاحة للشركات والمؤسسات في عملية التحول الرقمي في الصناعات كثيفة العمالة والتي جاء من أبرزها: (تحسين التواصل الاجتماعي، والابتكار وتطوير المنتجات، والتحول إلى الاقتصاد الرقمي، والتوسع في الخدمات الرقمية والتحول إلى نماذج الأعمال الجديدة، والتوسع العالمي والعمل عن بُعد وفتح شراكات وتعاون جديد، وتحسين تجربة العملاء)، كما تم الإشارة إلى الاستراتيجيات اللازمة للعاملين للتأقلم مع التغيرات التكنولوجية ومن ضمنها التعلم المستمر، والتركيز على المهارات الرقمية، والتطوير الشخصي، والاستفادة من الموارد المتاحة، والتحفيز والإيجابية.
واختتم المقال بأنه على الرغم من أهمية الإيجابيات التي أحدثتها الثورة التقنية الحديثة والتحول الرقمي فإن المخاوف من سلبيات هذه التقنية قد بدأت تظهر تدريجيًا وهي مخاوف قديمة ومتجددة في ظل صراع البقاء الذي يقوده الإنسان ضد الآلة التي اكتسحت عالم الإنتاج منذ الثورة الصناعية وتسببت في فقدان ملايين الوظائف بعد أن نجحت الآلة في تقليص العمالة في المصانع.
وتضمن العدد مقالًا بعنوان “كيف يمكن التغلب على تحديات الصناعات كثيفة العمالة؟” للأستاذ عبد الرحمن أحمد شريف مدرس مساعد بكلية الدراسات التجارية وإدارة الأعمال بالجامعة المصرية للتعلم الإليكتروني الأهلية، وأشار المقال إلى تجارب كلًا من الصين والاتحاد الأوروبي واليابان في التحول نحو الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بالإضافة إلى بعض التجارب العربية كرؤية 2030 في المملكة العربية السعودية والتحول في الإمارات، فضلاً عن تسليط الضوء على التجربة المصرية في مواجهة تحديات الصناعات كثيفة العمالة والتي تمثلت في:
-التحول الرقمي والابتكار: حيث اعتمدت الحكومة استراتيجيات لتحفيز الابتكار ودعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وتم التركيز أيضًا على تحسين البنية التحتية الرقمية، وقد شهدت بعض الشركات المصرية تحسينًا في الابتكار وتبني التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية وتحسين الجودة.
-التدريب وتطوير المهارات: حيث أشار المقال إلى أن الحكومة تُعني بتعزيز برامج التدريب وتطوير المهارات لتأهيل العمالة لمتطلبات الصناعات التكنولوجية، وقد شهدت بعض المؤسسات نموًا في مستوى المهارات وتحسينًا في أداء العمليات الصناعية.
-التعاون الحكومي والقطاعي: فقد تبنت الحكومة سياسات لتسهيل وتشجيع الاستثمارات في الصناعات الكثيفة مع التركيز على تحسين بيئة الأعمال، وشهدت بعض القطاعات تعزيزًا في الاستثمارات وتحسينًا في بيئة الأعمال.
-التنويع الاقتصادي في مصر: تم الاستثمار في تعزيز الصناعات التحويلية وتشجيع الابتكار في مجالات مثل الصناعات الغذائية والكيميائية، وساعدت هذه الجهود في تحسين مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهرت تلك الخطوات أن مصر تتجه نحو استثمار في التكنولوجيا وتطوير المهارات لتعزيز تنافسيتها في السوق العالمية وتحقيق التنمية المستدامة في صناعاتها؛ هذا، ويظهر التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص أهمية كبيرة في تحقيق أهداف التحول الاقتصادي.
وأضاف المقال أنه يتضح من هذه التجارب الدولية أنه لابد من دخول التكنولوجيا إلى الصناعات كثيفة العمالة ولكن لابد من التوازن بينهما بما يحقق مصلحة المستثمر، ويحقق أيضًا مصالح العمال ومراعاة الحقوق الاجتماعية طبقًا لحالة كل دولة، ولتحقيق التوازن بين الصناعة كثيفة العمالة واعتماد التكنولوجيا يجب اتباع الآتي: (تطوير مهارات القوى العاملة، والتشجيع على التعلم المستمر، وتكامل الأتمتة بحذر، وتوجيه الاستثمار نحو التدريب، واعتماد نماذج الشراكة، وتعزيز الثقافة الابتكارية، واستخدام التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية، وتنمية ثقافة التعاون، وتقديم مزايا للعمالة، ومراعاة التأثير الاجتماعي).