كتب د/ عادل عامر
لطالما وقفت التشريعات والمنظمات موقفاً صارما من كل ما يهدد سلام وأمان المجتمعات , فتقرر قواعد منظمة وتنص على عقوبات للمخالفين في أي موضوع يحتاج للتنظيم والتقنين لمصلحة المجتمع وعندما نركز على قضية العنف الأسري نرى أن غالب التنظيمات الأجنبية وبعض التنظيمات العربية قد تناولت هذه المسألة بالتنظيم فأصدرت لها أنظمة مُحكمة شاملة لكل الموضوع تحمي حقوق المتعرضين للعنف وتردع الأشخاص الذين يصدر عنهم هذا الفعل بشكل قاطع , وزيادة على ذلك نجد المنظمات الدولية والإقليمية تعالج هذه المسألة تنظيماً وتقبل تظلم الأشخاص اللذين تعرضوا للعنف أمامها وتهيب الدول بأن يواجهوا هذه القضية بحزم ونرى أيضا المنظمات المحلية التي تنشأ داخل إقليم المملكة لتتصدى لحالات العنف وتقوم بدور المساندة لجهات الدولة لمواجهة هذه الحالات والتخفيف منها ونشر الوعي داخل المجتمع بالظاهرة .
وفي هذا المبحث سوف أتناول علاج هذه المشكلة على مطلبين كالتالي :
المطلب الأول : علاج التشريعات المقارنة للعنف الأسري .
المطلب الثاني : مظاهر علاج المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية للعنف الأسري .
المطلب الأول : علاج التشريعات المقارنة للعنف الأسري :
الفرع الأول :علاج التنظيم الأردني للعنف الأسري
( نظام العنف الأسري
بعد ارتفاع عدد حوادث العنف المنزلي في الأردن و التي وصلت إلى عدد 132 حالة خلال عامي 2006 و2007 ، حسب دراسة حديثة شملت 11 محكمة من محاكم المملكة الأردنية البالغ عددها 62 محكمة ،صادق البرلمان الأردني مؤخرا على مسودة قانون يهدف إلى مكافحة العنف المنزلي .
يفرض هذا القانون، عقوبات قاسية على المخالفين بدءاً من غرامات كبيرة إلى السجن لمدة قد تصل إلى ستة أشهر. كما يعطي هذا القانون الحق للحكومة في احتجاز مرتكبي العنف المنزلي لمدة 24 ساعة “لحماية الضحية”, كما يعطي الحق للمحكمة في منعهم من الاقتراب من دور الحماية التي توضع فيها الضحايا لضمان حمايتها , ويمكن للضحايا في ظل هذا القانون أن يتقدموا بطلب تعويض مادي في حال إصابتهم بضرر جسدي أو إساءة نفسية , ذلك و يمهِّد القانون الطريق أمام خلق “لجان وفاق أسري” للوساطة بين الضحايا والمعتدين, وتطالب مسودة القانون أعضاء الأسرة الراشدين بالتبليغ عن أي أذى جسدي أو جنسي قد يحصل داخل أسرهم.
ولقد قالت مديرة دار الوفاق أمل العزام ” ستكون الأفضلية في هذا القانون للوفاق والإصلاح الأسري من خلال تكوين للجنة من وزارة التنمية الاجتماعية، أما الأفضلية الثانية ستكون من خلال التحويل بالاستشارات الاجتماعية والتأهيل النفسي، فبعض الحالات تتسم بالخطورة كحالات ” التحرش الجنسي ” فنقوم بأخذ أمر حماية من الرجل وذلك عن طريق حماية الطفل حيث يتعهد الرجل بعدم التواجد في الأماكن التي يتواجد بها الطفل والزوجة واهم شيء أن نكفل الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المشتكي والمتضررين وتوفير الحماية والمصلحة العامة لكافة الأطراف، فعندما يتم إيقاف الزوج فان هذا الأمر يؤدي إلى زيادة العنف ولا يقلله وإذا تمثل بأسلوب التهديد قد يبعد الرجل لمدة 48 ساعة عن بيته حتى يتم تأمين الأسرة في مكان يوفر لهم الحماية الكاملة “.
وبهذا نرى أن المنظم الأردني سد باب العنف بهذا النظام وبشكل نهائي ورادع , فأي اعتداء أو تحرش سوف يطبق عليه هذا النظام تلقائيا , ومن الجدير بالذكر أن المملكة الأردنية هي من أوائل الدول العربية التي سدت باب العنف الأسري بشكل قانوني يتمثل بإصدار نظام متكامل ومصدق عليه .
الفرع الثاني :علاج التنظيم التركي للعنف الأسري :
جاء النظام التركي للعنف الأسري محكماً رادعاً حيث ينص على أنه في حال تعرض أحد أفراد العائلة الذين يعيشون تحت سقف واحد إلى اعتداء حسب بلاغ من الضحية أو من النائب العام يحق للقاضي أن يصدر حكما أو أكثر حسب طبيعة كل موضوع معروض عليه إلى جانب اتخاذ إجراءات أخرى يراها مناسبة، إضافة على ما نصّت عليه مواد القانون المدني التركي.
مثلاً لو عاد الزوج إلى بيته تحت تأثير الكحول وقام بالاعتداء على الزوجة والأطفال، يحق للمحكمة أن تصدر حكما تحجّر عليه فيه “أن يعود إلى بيته تحت تأثير الكحول” أو إذا كان الزوج في حاجة إلى أن يستبعد من البيت، بإمكانها أن تصدر أكثر من حكم واحد، كأمر “بعدم الاقتراب من بيت الزوجة أو مكان عملها” أو” عدم إلحاق الضرر بممتلكات الزوجة” أو” بإعلام مدير الزوج/الزوجة المتهم أو صاحب العمل نفسه” أو “منع الزوج/الزوجة المتّهم من العودة إلى البيت المشترك”. وفي حال وجود ظروف استثنائية، يحق للمحكمة إصدار أحكام أخرى مشابهة بالإضافة إلى ما ذكر.
لو تبيّنت للمحكمة الابتدائية إمكانية تعرّض الضحية مجدّدا للاعتداء, فبإمكانها إصدار حكم مباشرة بعد تقديم الدعوى دونما حاجة إلى شهود أو جلسات استماع للطرف الآخر, وليس مطلوبا من ضحايا الاعتداء أن يثبتوا للمحكمة إمكانية تعرضهم مجدّدا للاعتداء , فبإمكان
المحكمة إصدار حكم نافذ على فترة تصل إلى ست أشهر, و في حال عدم التزام المتهم بتنفيذ أمر المحكمة، يوجّه له/لها تحذير بأنه عرضة للتوقيف والحبس.
بوسع رئيس الجلسة أن يصدر أمرا بالنفقة تفاديا لتعريض الضحية لأي حاجة ماديّة , وبغاية تحديد مبلغ النفقة, يطلب من خبير إجراء تحرّ لتحديد مستوى عيش كل من الشاكي والمدعى عليه, لتجنب تحميل الضحية مصاريف مالية, تقبل المطالب/الدعاوى بدون رسوم.
إضافة إلى هذه الحماية القوية برأيي لضحايا العنف فإن الإجراءات التالية تتخذ بعد القيام بالأمور السالف ذكرها ، حيث يتعيّن على المحكمة الابتدائية إرسال نسخة من أمر الحجر إلى مكتب النائب العام، وتتكفل الشرطة بمسئولية تنفيذ الأمر, و في حال عدم الالتزام بتنفيذ الأمر، تجري الشرطة تحقيقها الخاص ، بدون حاجة لتقديم الضحية شكوى رسمية أو تحويل الوثائق إلى النائب العام في أقرب أجل , يقوم النائب العام برفع دعوى لدى المحكمة الابتدائية تقدّم باسم الدولة ضد الزوج/الزوجة الذي لم يمتثل لأمر الحجر, و يتم النظر في الدعاوى المذكورة آنفا بالشكل والسرعة التي نصت عليها قوانين المحاكم الجنائية.
أما من ناحية العقوبة فبنهاية المحاكمة، إذا توضح أن الزوج/الزوجة غير الممتثل لأمر الحجر مذنب بجرم آخر، يصبح عرضة لعقوبة سجن تتراوح بين ثلاث وستة أشهر. يصدر حكم العقوبة المذكورة على أساس توجيه تحذير للمتهم من قبل المحكمة سابق بعواقب عدم امتثاله لأمر الحجر، وبتعريضه وحدة الأسرة للخطر على نحو مستمر, الغرض من حصر عقوبة السجن بمدة لا تتجاوز الست أشهر، توظيفها فقط كعنصر رادع، ولضمان عدم تطابق مدة العقوبة مع حّيز زمني خاص بعقوبات جنائية . الفرع الثالث : قانون الطفل المصري :
أصدر المجلس القومي للطفولة والأمومة مسودة مشروع تعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 في أكثر من تعديل لأكثر من 60 مادة في قانون الطفل , ولعل أهم مادة تهمنا في هذا النظام هي المادة الثانية والتي تنص على :
” مع مراعاة أحكام اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المواثيق الدولية يقوم هذا القانون على كفالة المبادئ والحقوق التي تهدف إلى حق الطفل في الرعاية والبقاء في كنف أسرة متماسكة والتمتع بمختلف التدابير التي تحميه من كافة أشكال العنف والإساءة البدنية أو الجنسية أو الإهمال، كما يهدف إلى حمايته من أي نوع من أنواع التمييز، وأن يكون له الحق في الحصول على المعلومات والاستماع إلى رأيه “
فنرى في النظام المصري مادة صريحة تنبذ العنف وتقرر حق الطفل بالعيش بأمان في كنف أسرته .
الفرع الرابع : علاج التنظيم الأمريكي للعنف الأسري :
يوجب القانون الأمريكي على كل من يقدم خدمة مباشرة للأطفال كالمعلمين والأطباء والممرضات أن يبلغوا عن أي حالة عنف أو إساءة معاملة للأطفال أياً كان نوعها بل وإنهم في حال التقاعس و عدم التبليغ فإن القانون يوجب عقابا عليهم .
ولكنها في المقابل شجعت المواطنين على التبليغ فاكتفت الحكومة بمجرد الاشتباه بوجود إساءة معاملة حتى يتم التبليغ فليس بالضرورة أن يكون متيقناً من وجوده فمتى وجدت الشكوك فهو مطالب بالتبليغ كما أنه لا يتوجب عليه الإدلاء بإثباتات وبراهين لبلاغه , ولم تكتفي القوانين بمجرد تشجيع المواطنين على الإبلاغ بل وصل الأمر إلى حد تقديم حماية جنائية ومدنية للمبلغ مما قد يتعرض له الشخص بسبب قيامة بالإبلاغ وذلك من أجل إعطاء المواطنين الشعور بالأمن وعدم المسائلة مما يقود إلى تشجيعهم على الإبلاغ عن المزيد من الحالات .
وبسبب عدم الإبلاغ عن الإهمال والعنف فإن آلاف الأطفال يموتون بسببه مما دفع معظم الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبنى قوانين تعاقب فيها الساكتين عن العنف وإساءة معاملة الأطفال حيث نص النظام على أن عدم الإبلاغ عن حالات إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم يعتبر جريمة جنائية يعاقب عليها الشخص الذي لم يبلغ عن هذه الحالة وتصل العقوبة إلى السجن أو الغرامة أو كلاهما وإلى جانب المسئولية الجنائية هناك المسئولية المدنية التي من خلالها تفرض السلطة التنفيذية مسئولية مدنية على كل من يتعامل مع الأطفال بضرورة الإبلاغ عن إساءة المعاملة وفي حالة فشلهم في القيام بهذه المهمة فإن مسئوليتهم وسيرتهم المدنية تكون مثاراً للشكوك وعدم الارتياح ففي حالة إهمال المعلم أو المعلمة في المدرسة للأطفال الذين يتعرضون لإساءة المعاملة والإهمال وعدم الاهتمام باكتشاف هذه الحالات والإبلاغ عنها .
وبالرجوع إلى عام 1974م عندما ظهر تشريع تحت مسمى ( القانون الوطني لحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال) الذي يقدم مساعدة من الحكومة الفدرالية للولايات التي اهتمت بهذه المشكلة ويشجع المؤسسات الأهلية ومراكز البحوث من أجل بذل المزيد لمحاربة هذه المشكلة ويحث على ضرورة الاهتمام بالإبلاغ عن حالات إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم .
ولقد ازداد تدخل الحكومة الفدرالية في هذا المجال وذلك من خلال قانون حماية الأطفال من الإيذاء 1988م وقانون الخدمات الأسرية عام 1992م ولقد أوجدت الحكومة الفدرالية مركزاً وطنياً لإساءة معاملة الأطفال وإهمالهم يهدف بالدرجة الأولى إلى تدعيم البحث في هذا المجال وتزويد الولايات بالمعلومات ومساعدتها للتصدي لهذه المشكلة وتقديم الدعم المادي للمراكز المتخصصة في حماية الأطفال من الإهمال والتعرض للإساءة .
وحينما يقوم الأفراد بواجبهم والتزامهم بالتبليغ عن أي حالة عنف أو إساءة معاملة سواء كانوا متيقنين منها أو في حالة شك فيأتي دور القانون حيث ينص قانون حماية الأطفال على وجوب أخذ جميع البلاغات مأخذ الجد والتعامل معها بمستوى عالٍ من الاهتمام ، فينبغي على الجهة الأمنية التي قدّم إليها البلاغ وغالباً ما تكون الشرطة دراسة البلاغ بالتعاون مع الأشخاص المختصين في هذا المجال وذلك لتحديد هل هذا البلاغ يحمل ما يكفي من أجل فتح قضية ” إساءة معاملة Child abuse ” أم أنه ليس هناك ما يدعو إلى ذلك وفي حال الاقتناع بوجود أدلة وبراهين وقرائن تشير إلى حدوث إساءة معاملة بالفعل فإن الخطوة التالية هي تحويل القضية إلى محكمة جنائية أو إلى محكمة مدنية وذلك حسب القضية وملابساتها. وفي حالة إقرار المحكمة بإدانة المتهم فإن العقاب يتدرج من السجن إلى الغرامة أو كلاهما . وغالباً ما تقرر المحكمة حماية للطفل الذي تعرض لإساءة المعاملة وتتمثل هذه الحماية في :
1- إعادة الطفل إلى أسرته مع وضعة تحت المراقبة والإشراف من قبل المؤسسات الاجتماعية المهتمة بهذا الشأن.
2- نزع الطفل من أسرته ووضعه لدى أسره بديلة .
ومن الملاحظ أن التعامل مع الحالة لا يقتصر على مجرد إثبات إساءة معاملة الطفل بل يكون الاهتمام الأكثر هو على حماية الطفل وهو الشيء الذي تفتقده الكثير من التشريعات المعمول بها في دول أخرى.
أما في حال عدم ثبوت ذلك فإنه يتم إنهاء الحالة مع إعطاء المتهم وقتاً محدداً للمطالبة بإزالة هذه الحادثة من سجله المدني.
الفرع الخامس : علاج التنظيم السويدي للعنف الأسري :
يتشابه القانون السويدي مع القانون الأمريكي في أن قانون الشؤون الاجتماعية السويدي يلزم أفراد المجتمع وخاصة القريبين من الأطفال بضرورة الإبلاغ عن كل ما يعتقد أنه إهمال للأطفال أو سوء معامله أو تعريض الأطفال للخطر ، إلا أن هذا البلاغ قد يكون موجها للشؤون الاجتماعية التي تقوم بدورها على أساس مرسوم وواضح ويفضل عدم اللجوء إلى الجهات الأمنية مباشرة حسب نص النظام .
الفرع السادس : علاج التنظيم الأسترالي للعنف الأسري :
في أستراليا تم سن قانون ينص على وجوب الإبلاغ عن كل ما يمكن اعتباره إساءة معامله للأطفال (Mandatory reporting of child abuse law 1990) .
و ينص القانون على أهمية الإبلاغ عن كل ما يمكن اعتباره إساءة معاملة أو إيذاء للأطفال والمراهقين بكل أشكاله البدنية والجنسية ولقد حدد القانون العديد من الأشخاص الذين يشغلون أعمالاً تتعلق بالتعامل مع الأطفال والمراهقين وذلك مثل الأطباء ، الممرضات ، رجال الأمن ، المدرسين والمدرسات العاملين في رياض الأطفال ودور الحضانة.
و ينص القانون على أن أي شخص من المذكورين يجب عليه الإبلاغ متى ما أقتنع أن طفلاً يعاني أو من المحتمل أنه سوف يعاني من الإيذاء البدني أو الجنسي أو أن والدية لم يوفرا له الحماية أو لا يستطيعان توفير الحماية له .
ونلاحظ في الفروع الثلاثة الأخيرة الاهتمام الكبير بالطفل وعلى ما يقع عليه من عنف أو إساءة لدرجة تشابه التنظيمات بينها وهذا التشابه يرجع بنظري إلى أن هذه الأنظمة تتبع دول صناعية متقدمة تعي أهمية الفرد في بناء المجتمع ثم بناء الوطن ككل فحرصت بالتالي على صفاء نفسه وروحه حتى يكون قادرا في المستقبل على العطاء .
—