كارثة الحرب الأهلية بالسودان

كتب / د. عادل عامر

الآن يضع السودانيون أيديهم على قلوبهم خوفاً من تحول هذه الحرب إلى أهلية شاملة، خاصة أن التربة السودانية الخصبة تساعد على قيامها بشكل متزايد. فانتشار الجيوش السودانية التابعة للجماعات المسلحة العائدة إلى البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعددها يفوق الثمانية، موجودة داخل العاصمة وخارجها. وقد تسهم مع الانفلاتان الأمنية الحاصلة، والسلاح المنفلت في أيدي مجموعات صغيرة في المدن والأحياء، في توسع رقعة الحرب. وتزداد المخاوف من دخول هذه الجيوش في أتون الحرب، بالانحياز إلى أحد الطرفين.

فبعد الحرب الأهلية والصراع الذي استمر لمدة 5 سنوات وأودى بحياة 380 ألف شخص على الأقل، بحسب دراسة حديثة، أتت الفيضانات لتضع أهالي هذه المنطقة أمام واقع أشد قساوة. وجرفت المياه المنازل والمواشي، وأجبرت الآلاف على الفرار، وغمرت مساحات شاسعةً من الأراضي الزراعية مما أدى إلى تردّي حالة الطوارئ الغذائية التي تعد حرجة أصلاً.

منذ بداية الثورة السودانية، يخفي كل من قائد الجيش السوداني اللواء عبد الفتاح البرهان وقائد مليشيا قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو، الملقب بـ”حميدتي”، استياء متبادلا بدافع تحالف المصلحة بينهما من أجل إحباط الانتقال الديمقراطي، غير أن هذه العلاقات الفاترة توترت هذا الأسبوع لتندلع الاشتباكات أمس السبت في بلدة مروي الشمالية، ثم في العاصمة الخرطوم وفي عدة مدن أخرى، ليتفجر التصعيد الذي كان متخوفا منه منذ عدة أشهر.

منذ بداية الثورة السودانية، يخفي كل من قائد الجيش السوداني اللواء عبد الفتاح البرهان وقائد مليشيا قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو، الملقب بـ”حميدتي”، استياء متبادلا بدافع تحالف المصلحة بينهما من أجل إحباط الانتقال الديمقراطي، غير أن هذه العلاقات الفاترة توترت هذا الأسبوع لتندلع الاشتباكات أمس السبت في بلدة مروي الشمالية، ثم في العاصمة الخرطوم وفي عدة مدن أخرى، ليتفجر التصعيد الذي كان متخوفا منه منذ عدة أشهر.

أن الأزمة الحالية في البلاد تسلط الضوء على الحاجة إلى مضاعفة الجهود من أجل التنفيذ الكامل لالتزامات الاتفاق الإطاري.

الحرب الأهلية السودانية، مثل الحرب الأهلية الليبية، ومثل الحرب الأهلية اليمنية، ومثل الحرب الأهلية السورية، لن تكون أهلية، كما يردد المعلقون في وسائل الإعلام، ولن تقتصر تداعياتها السلبية المهلكة على السودان. تجربة الحروب الأهلية العربية منذ عام 2011 خير شاهد، وأفضل مثال. الدول المجاورة، لن تسلم من تداعياتها. السلطات التشادية قامت فورياً بإغلاق الحدود مع السودان. وستشهد الدول المجاورة قريباً موجات نزوح وهجرة، وأفواج الهاربين على قوارب الموت إلى أوروبا سوف تتصاعد، وتزداد رحلاتها ثقلاً بحمولاتها البشرية. ومن المحتمل، بل ومن المرجح، أن تنتقل المعارك إلى داخل الأراضي الليبية، ما لم تتدخل الأسرة الدولية على وجه السرعة وبحزم لوقف الكارثة. الحرب انتقلت سريعاً من العاصمة الخرطوم، إلى مناطق ومدن أخرى. وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي، على الإنترنت، تنقل في تسجيلات مصورة للقصف والدمار. وإحصائيات موت المدنيين الأبرياء بدأت تطفو على السطح وبمعدلات عالية.

وكما شاهدنا فيما سبق، من مسلسلات حروب أهلية عربية، فلن يكون هناك رابح سوى تجار السلاح، وتجار تهريب المخدرات، وتجار تهريب البشر. والديمقراطية الموعودة بعودة الحكم المدني ستنتهي مطمورة في مقابر الضحايا.

القاسم المشترك بين تجارب العسكر في الحكم، في أفريقيا، وآسيا وأوروبا، وأميركا اللاتينية أنها كارثية. والعديد من الدول التي سبق لها الوقوع في قبضة العسكر، وتخلصت منهم، ما زالت تعاني من تداعيات تلك الفترات. وها هو الشعب السوداني، بعد 26 عاماً من حكم الجنرال عمر البشير، يجد نفسه مزنوقاً في أفران حرب أهلية. كما أن الحديث عن عودة الحكم المدني إلى الخرطوم خيار لم يعد له حالياً مكان على الطاولة، حتى يتم بقدرة قادر إسكات هدير قذائف المدافع، والعودة إلى الحوار.

الحرب اندلعت يوم السبت الماضي. وفي اليوم التالي، الأحد، أعلنت اللجنة المركزية للأطباء السودانيين مقتل أكثر من 300 مدني، وبلغ عدد الجرحى 595 جريحاً. وحتى الآن، يدّعي كل طرف من المعسكرَين المتقاتلَين سيطرته على القصر الرئاسي وعلى مطار الخرطوم. ورفض بيان صدر عن قيادة الجيش يوم الأحد الماضي أي إمكانية لعقد مفاوضات أو حوار مع قيادة قوات «الدعم السريع»، قبل حل الميليشيات.

كل المعطيات خلال الشهور الماضية كانت تؤكد أن الحرب واقعة لا محالة بين قادة المعسكرين المتصارعين على السلطة. وجود جنرالين على رأس هرم سلطوي في أي بلد، كفيل بإحداث كارثة، فما بالك بحدوثه في السودان! وهذا لا يعني أن القوى السياسة الحزبية غير متورطة في إشعال نيران الحرب، والاصطفاف وراء الطرفين. وخلال تلك الفترة لم يبدِ المجتمع الدولي مبالاة،

 لانشغاله بأزمة حرب أوكرانيا. الآن، وقد انفجر الموقف، تعالت النداءات من عواصم الدول الكبرى، وعواصم عربية، ومن الأمين العام للأمم المتحدة، تدعو إلى وقف الاقتتال، وتطالب بالعودة إلى إطار الاتفاقية التي حددت المرحلة الانتقالية نحو انتخاب حكومة مدنية.

لكن من يولي الآن تلك النداءات اهتماماً، أو بالأحرى من يستطيع سماعها، وسط أزيز الرصاص وهدير قنابل المدافع، والطائرات المقاتلة. رئيسة برنامج الغذاء العالمي السيدة سندي ماكين، أعلنت وقف عمليات الإغاثة، بعد موت ثلاثة من العاملين نتيجة القصف في شمال دارفور، وإصابة طائرة المنظمة في مطار الخرطوم بشظايا.

والموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان يجعل مجريات الصراع الحالي أمرا ذا أهمية على استقرار أفريقيا. “السودان هو ثالث أكبر دولة في أفريقيا، ولن يكون تفتيته مجرد انهيار داخلي، بل سيكون انفجارا يؤثر على العديد من البلدان المجاورة، والعديد منها يعاني من مشاكله الخاصة مع المراحل الانتقالية”.

وفي هذا الإطار، شهدت حرب السودان صراعات مكشوفة وعلنية بين الشركات الأمريكية والأوروبية من ناحية، والشركات الصينية والشركات الروسية، من ناحية أخرى، وقد ساندت قوات فاجنر الروسية شركاتها العاملة في مجالات التعدين بمناطق السودان المختلفة، وأصبحت فاجنر أكثر نفوذًا لتحالفها مع قوات الدعم السريع خاصة من خلال العمل المشترك لحماية نظام دولة إفريقيا الوسطى ومناجم المعادن هناك، وهو ما انعكس بدوره على مسار الحرب الدائرة الآن، حيث فاجأت قوات الدعم السريع طائرات الجيش السوداني بمضادات أرضية متقدمة، وطائرات مسيرة، وبنادق قنص حديثة، وكلها أسلحة تخص قوات فاجنر، وتخص قناصين فاجنر، وهو ما تسبب في إطالة أمد الحرب، وصمود قوات التمرد بشكل أكبر أمام الجيش السوداني.

كما أدى الصراع بين الشركات الأجنبية إلى تدخل دولها كأطراف، حيث تسعى كل شركة إلى الحصول على أفضل الصفقات، ودخلت هذه الشركات في صراع مع الحكومة السودانية التي تسعى بدورها إلى الحصول على أكبر قدر من الإيرادات من التنقيب عن المعادن.

وقد أدى هذا الصراع إلى تهميش السكان المحليين من أبناء الشعب السوداني، الذين لم يستفيدوا من هذه الموارد بشكل عادل، إضافة إلى تدمير البيئة المحيطة نتيجة لقيام الشركات الأجنبية بعمليات تنقيب غير قانونية، وهذا بدوره أدى إلى تزايد التوتر في السودان، حيث أصبح السكان المحليون أكثر عداءً للشركات الأجنبية والحكومة السودانية في آن واحد، مما خلق أجواء من التوتر والعنف في كل المناطق المحيطة بمناجم الذهب والمعادن الأخرى، مما دفع تلك الشركات للاتفاق مع قوات الدعم السريع على حماية مواقعها وموظفيها نظير دفع أموال شهرية لها. وهكذا يتضح أن صراع الدول والشركات على المعادن في البلاد قد انعكس بدوره على حالة السلم الاجتماعي، حيث أنتج غضبًا شعبيًا للحرمان من عوائد تلك المعادن، إضافة إلى تأسيس وشرعنة قوات من المرتزقة تنتسب إلى الجيش السوداني لحماية موظفي تلك الشركات، وكان هذا التوتر أحد المناخات التي ساعدت وتساعد على استمرار الحرب.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...