كتب /الدكتور عادل عامر
التعويض عن الضرر البيئي الناتج عن أنشطة المستثمر، مركزًا بشكلٍ مفصل وشامل على نظامي التعويض العيني والتعويض النقدي. حيث يعرّف البحث التعويض العيني بأنه إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر أو إجراء ما يلزم من أعمال وتدابير لإصلاح الضرر البيئي وإزالة آثاره بشكلٍ كامل، ويرى أنه أفضل طرق التعويض للأضرار البيئية؛ نظرًا لإمكانية إعادة البيئة المتضررة إلى وضعها السابق تمامًا. كما يستعرض البحث بإسهاب الموقف التشريعي في القوانين المصرية والأردنية والفرنسية،
وموقف الفقه وآراء الشراح، وأحكام القضاء المؤكدة على أولوية وأهمية التعويض العيني في الأضرار البيئية. ثم يناقش البحث باستفاضة وتفصيل آليات تحقيق التعويض العيني من خلال إعادة الحال إلى ما كان عليه أو وقف مصدر النشاط الضار بشكلٍ كامل أو جزئي، مبينًا دور القاضي وأهل الخبرة في تحديد طرق ووسائل التعويض العيني، ومناقشًا التحديات التي تواجه تنفيذ التعويض العيني. أما التعويض النقدي فيعرفه البحث بأنه التعويض بمبلغ من المال يعادل قيمة الضرر الذي لحق بالمضرور، وهو بديل عن التعويض العيني عند تعذر تحقيق الأخير لأي سبب.
ويوضح البحث آلية تحديد مبلغ التعويض النقدي بما يتناسب مع قيمة الضرر البيئي، مستعرضًا عددًا كبيرًا من أحكام القضاء حول التعويض النقدي عن الأضرار البيئية، ومناقشًا العوامل المؤثرة في تقدير قيمة التعويض، والتحديات التي تواجه تقدير التعويض النقدي. ويخلص إلى أن التعويض العيني أنسب وأفضل لطبيعة الأضرار البيئية، لإمكانية إعادة البيئة المتضررة إلى وضعها السابق تمامًا.
وفي الختام، يوصي الباحث بضرورة تنظيم قواعد التعويض عن الأضرار البيئية تشريعيًا بشكلٍ مفصل ودقيق، وإعطاء الأولوية للتعويض العيني كونه الأكثر ملاءمة وفعالية لطبيعة هذه الأضرار وأهمية إصلاح البيئة المتضررة وإعادتها لوضعها الطبيعي قبل حدوث الضرر، مقترحًا عددًا من الحلول والتوصيات لتفعيل تطبيق التعويض العيني.
من المشاكل الاساسية في حياة الشعوب وما يرافقها من تطورات في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية،لاسيما مشاكل التلوث المناخي والتعويض عن ذلك التلوث ،اذ اصبح الشغل الشاغل للمجتمع الدولي بأسره، حيث يستلزم التوصل الى اليات واجراءات ووسائل علمية معاصرة من شانها أن تشكل الحلول السليمة للقضايا والخلافات الدولية التي تتسبب بالتلوث البيئي ، لذلك كان من الواجب أن تتدخل الأمم المتحدة لحل تلك المشاكل التي تقع بين الدول بسبب التلوث المناخي، وإيجاد الوسائل لحل تلك المشاكل وإبعاد الدول من النزاعات المسلحة حفظا على السلم والأمن الدوليين،ومن جانب اخر العمل الجاد للقضاء أو الحد من الاعمال الغير مشروعة التي تودي الى تلوث البيئة، اضافة الى أن يصار الى قرارات أممية وتشريعات دولية تلزم الدولة التي تسببت بالإضرار المناخية بدولة اخرى بالتعويض او الترضية او عدم تكرار ذلك الفعل الضار، او الذهاب الى مقاضاة الدولة المسببة للأضرار وادانتها، لذلك فان التعويض يلعب دورا اساسيا في موضوع التلوث المناخي ومعالجة الاضرار الناجمة عنه، اذ انه يشكل الرادع الاساس لتجاوز بعض الدول على البيئة والحاق الاذى بالدول الاخرى، من خلال قيامها بالأفعال الغير مشروعة والانبعاثات الصادرة عنها، وبالتالي فان التعويض عن الضرر المناخي ، هو الحل الامثل لمعالجة مشاكل التلوث في المناخ.
أن موضوع التغير المناخي وما يصاحبه من مشاكل كثيرة، اذ أخذت هذه المشاكل بالتوسع في الفترة الأخيرة بصورة جلية، الأمر الذي يستلزم تحديد المسؤولية وطبيعتها، إضافة الى ضرورة إيجاد روادع قانونية تفرض على الدول التي تكون سببا في حدوث الإضرار التي تصيب البيئة، على ان يكون ذلك وفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي العام.إذ تعد قضية البيئة وما ينجم عنها من اثأر ضارة من أكثر قضايا العصر الذي يهتم بها المجتمع الدولي، وذلك كونها تشكل قضية حياة أو موت تهدد المجتمع بأسره ، لاسيما ان الإنسان يعد جزء من النظام المعقد الذي يتفاعل معه ويوثر فيه عن طريق المجتمع ومن خلال الظواهر البيئية ، والناتجة عن التبدلات التي يحدثها الإنسان في بيئته، وذلك بسبب الأنشطة التي يقوم بها.
ولدى العودة الى تعريف المناخ، نجد ان التغيرات التي تحصل في المناخ لا تظهر الا بعد مدة زمنية طويلة، اذ ان ذلك يتطلب اللجوء الى القاعدة القانونية التي تم الاتفاق على تطبيقها، والتي تشير الى وجوب التعويض عن الإضرار وإصلاح الضرر من قبل الدولة المسببة ، لاسيما وان المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والتي يجب الالتزام بها ، حيث انها تعد من المبادئ الأساسية في القانون الدولي العام.
على ضرورة وضع نظام خاص للتعويض عن الاضرار بالبيئة ،لذلك فان التعويض المالي يشكل أهمية كبيرة في المعالجة وسد النقص الذي لايمكن أن يفي به التعويض العيني واعادة الحال الى ما كان عليه، وبالتاي يصار الذهاب الى التعويض المالي الذي يراد منه معالجة الحال وجبرا للضر .وفي الحقيقة أن التعويض العيني لايعد نافيا للمسؤولية الدولية، عندما تخالف الدولة المسؤولة عن احداث الضرر قواعد القانون الدولي، أذ أن التعويض المالي ما هو الا جزاء دولي عن الاعمال غير المشروعة، وقد يكون ذلك التعويض كافيا لمعالجة واصلاح الضرر الذي لحق بالدولة المتضررة .وانسجاما مع ذلك، اكد مشروع لجنة القانون الدولي الخاص بمسؤولية الدول بشان جبر الضرر، والذي الزم الدولة المسببة للضرر بإصلاح ذلك الضرر بصورة كاملة،عما اصاب الدولة المتضررة من خسائر ناجمة عن الفعل غير المشروع .وتماشيا مع ذلك، جاء القضاء الدولي ايضا موكدا في العديد من المناسبات على الاثار التي تترتب على حصول الاضرار، وان تتعهد الدولة المسببة للضرر بتعويض الدولة المتضررة، ومن الاحكام القضائية الصادرة بهذا الشأن، قضية الدعاوى البريطانية بصدد الاضرار في المنطقة الاسبانية في مراكش، حيث أصدر القاضي ( ماكس هوبر) قرارا يقضي بالتعويض المالي، والذي جاء في القرار ” أن النتيجة التي تستلزمها المسؤولية الدولية هي الالتزام بالتعويض المالي . كذلك من التطبيقات القضائية والذي يبدو انها من المبادي التي يستند عليها في تقدير قيمة التعويض عن الاضرار، ففي قضية شورزوف عام (1982)، حيث قررت المحكمة بالإمكان اعادة الحال الى ماكان عليه، وذلك من خلال تعويض عيني اوتعويض مالي عن الخسائر عن الخسائر التي لايمكن معالجتها بالتعويض العيني اوما يقابله ، كما ان مبلغ التعويض يتحدد على اساس قيمة الممتلكات وقت وقوع الفعل غير المشروع ، بالإضافة الى الفوائد عن قيمة التعويض.ومن الجدير بالذكر، توجد مؤسسات دولية تقوم بالتعويض في حالة عدم اثبات المسؤولية او في حالة الاعفاء او التخلص من المسؤولية عن حدوث الضرر، وتتمثل هذه المؤسسات ، بالصندوق الدولي للتعويضات، وصندوق البيئة العالمي، والصندوق الدولي للطوارئ واجهزة اخرى .وقد كان للأمم المتحدة دورا بارزا ،وذلك من خلال الاتفاقية الاطارية، والتي بينت الاثار الضارة للتغير المناخي، وتحديد ومعرفة طبيعة الاضرار التي يتعرض لها المناخ، والتي تتجسد بالتغيرات التي تطرا على البيئة الطبيعية والحيوية، وكل ما يصيب عمل النظم من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وما يتعلق بصحة الانسان ورفاهيته ، وبما ان الغاية الاساسية للاتفاقية هو السعي الى امكانية تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وبالتالي وجود التزامات مالية تلزم الدول المتقدمة بإيجاد مصادر مالية اضافية وذلك لتغطية التكاليف التي تقع على عاتق الدول النامية وبهذا فان المسؤولية الاكبر تقع على عاتق الدول المسببه للضرر وهي التي تتحمل التعويض المالي، وذلك من خلال حصر كميات الانبعاثات الناتجة عن حرق النفايات أو استخدام السيارات ، وكافة وسائل النقل الاخرى ،اضافة الى ما يصيب الانهار من تلوث نتيجة التجارب الصاروخية او عن استخدام الصواريخ في الصراعات المسلحة،
والتي تسبب اضرارا مدمرة على البيئة والانسان على حد سواء، ومن الامثلة على ذلك ، ما قام به العراق خلال الحرب العراقية – الكويتية وحرق الابار النفطية مما ادى الى تلوث الاجواء الكويتية، الامر الذي كانت له اثار مدمرة على الاجواء العراقية ايضا، لاسيما المناطق المحايدة للكويت. وعلى اثر ذلك قررت لجنة الامم المتحدة للتعويضات، المسؤولة عن تسوية المطالبات بالتعويض عن الاضرار، الى كل من حصلت لديه خسائر نتيجة الغزو العراقي للكويت عام 1990 مبلغ قدره (1,07) مليار دولار لدولة الكويت، وفي عام 2000 قدمت ذات اللجنة الى الكويت مبلغ قدره(14,7) مليار دولار عن الخسائر التي اصابة المبيعات ، بسبب الاضرار التي تعرضت لها حقول النفط،
وبالتالي فان مجموع المبالغ التي تم دفعها من قبل اللجنة هي (42,3) بليون دولار من المبلغ الكلي للمطالبات والبالغ (52,4) مليار دولار، لا كثر من مائة حكومة ومنظمة دولية، وذلك لتوزيعها على (1,5)مليون من المطالبين، والباقي حوالي (10,1) مليار دولار يتطلب دفعها .وانسجاماً مع ذلك، ان ماحصل للعراق من احتلال أمريكي، يحق للعراق بإقامة الدعوى للمطالبة بالتعويضات ، عما اصابه من ضرر فادح بسبب استخدام القوات الامريكية شتى انواع الاسلحة، بما فيها الاسلحة المحرمة دوليا ، مما ادى الى تلوث البيئة العراقية بالإشعاعات ، والتي لها اثارا واسعة على كافة القطاعات البيئية، وهذا ما يستلزم على المجتمع الدولي ان يفكر في ايجاد اليات وخطط لمنع المزيد من الانبعاثات التي تودي الى تلوث الاجواء، ومراقبة جميع المخالفات التي من شانها تلوث البيئة ومعرفة مرتكبيها، والزامهم بدفع التعويضات عن تلك اضرار. وبالتالي الحفاظ على البيئة والمناخ .