كتب د/ عادل عامر
ساعدت روح أكتوبر على إعادة صياغة الأمن القومي العربي بصورة تؤكد على الترابط العضوي بين أمن الدول العربية وأمن شعوبها، وهو ما استلزم إدراك التهديدات المشتركة سواء تمثلت في إسرائيل أو دول الجوار غير العربية، أو أطماع القوى الكبرى في الأمة العربية، أو الجماعات الإرهابية المتحالفة مع القوى الخارجية، ثم التوافق بشأن السياسات الأمنية الفاعلة في ظل ظروف دولية وإقليمية غير مستقرة وغير مواتية وربما عدوانية.
تعد حرب أكتوبر رابع مواجهة عسكرية بين الدول العربية وإسرائيل، ولقد جاءت بعد فترة طويلة من التخطيط بين البلاد العربية، وبتنسيق بين مصر وسوريا، وضغط مصري على الاتحاد السوفيتى لتعويض الأسلحة والمعدات التى فقدت فى حرب ١٩٦٧، وقد بدأت الحرب فى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ حيث كانت إسرائيل ما تزال تبدو أمام العالم قلعة عسكرية منيعة لا يمكن اقتحامها، ولكن هذه الأوهام الإسرائيلية لم تلبث أن تبددت منذ الساعات الأولى من القتال، فقد نجحت القوات المصرية فى اقتحام قناة السويس وإجتياح حصون خط بارليف، وعلى الجبهة السورية نجحت القوات السورية في عبور الخندق الصناعي الذي أقامته إسرائيل، واندفعت كالسيل الجارف تشق طريقها فى مرتفعات الجولان .
وهكذا انهارت نظرية الأمن الإسرائيلي بكل أسسها ومقوماتها، وتقوضت سمعه الجيش الإسرائيلي الذى ذاعت شهرته فى الأفاق بأنه الجيش الذي لا يقهر، وأصيب الشعب الإسرائيلى بصدمة عنيفة وصفها بعض المحللين العسكريين بالعبارة الشهيرة “زلزال فى إسرائيل” .
لقد كانت حرب أكتوبر حدثا فريدا بلا شك، بل نقطة تحول في مسار الصراع العربى الإسرائيلى وكان من أبرز سمات حرب أكتوبر هو ظهور كفاءة المقاتل العربي، ومدى ارتفاع مستوى نوعيته وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة بما فيها الأسلحة الإليكترونية، وقد أثبتت حرب أكتوبر ان الحرب باهظة التكاليف فادحة الخسائر، وأن من المستحيل على أى دولة صغيرة أن تستمر فى القتال لمدة طويلة دون أن تتلقى الإمدادات من دولة عظمى تساندها ساعدت كل من الإمدادات الأمريكية التى زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل عن طريق الجسرين البحري والجوي، والإمدادات السوفيتية التي أمد بها الاتحاد السوفيتي سوريا ومصر عن طريق الجسرين البحري والجوي، علي إمكانية استمرار الطرفين هذه الحرب طوال المدة التى استغرقتها .كما شهدت حرب ١٩٧٣ بروز استراتيجية عربية أكثر اتحادا فى الحظر البترولى الذى أعلنته الدول العربية المنتجه للبترول (أوابك) وساعد ذلك الحظر على إعادة تحديد الدور السياسى العالمى للدول العربية .
كان لحرب أكتوبر تداعيات سياسية، فلولا الحرب ما استطاع السادات أن يبدأ مسير التسوية السلمية، فقد كانت الحرب بمثابة تحريك للمياه الراكدة، وفتحت المجال لعقد صلح بين مصر وإسرائيل، فلا شك في أن تطورات الحرب هي التي اقتضت كلا من الطرفين بان السلام العادل هو السبيل الوحيد لإتاحة الفرصة للتنمية والتقدم والاستقرار في المنطقة، وكان السادات قد أعلن أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب ما يحدث في سيناء حاليا دليل واضح على الروح المعنوية العالية التي يتميز بها عناصر القوات المسلحة المصرية في جميع النقاط، وتنفيذ العديد من البطولات التي ستذكرها العسكرية المصرية وستقوم بتدريسها في المعاهد العسكرية، ولكن الحقيقة تتجسد في روح أكتوبر العزيمة والقوة والصبر والمثابرة وعدم ترك السلاح إلا في حالة الاستشهاد .
كنا نتكلم عن نصر أكتوبر وروح أكتوبر، ولم نفعل أكثر من الكلام، والآن أدركنا أنه من الممكن أن نفعل المستحيل، واستحضرنا روح أكتوبر بعد قرابة نصف قرن لنغير وجه مصر في ظل ظروف صعبة للغاية، ونجحنا في الانتصار في معركة عسكرية، واليوم نجحنا في الانتصار في معركة البناء والتنمية بقائد آخر وبطل جديد هو الرئيس السيسي!.
وإذا كان السادات هو بطل العبور والنصر في يوم 6 أكتوبر، فإن السيسي دون مبالغة هو بطل معركة التنمية الذى طبق روح أكتوبر بعد خمسين عامًا تقريبًا.. ونحن نتمنى أن نحتفل بعد عامين بالعيد الذهبي للنصر ونحن في مصر الجديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى!.
بالتأكيد، مصر حققت معجزة النصر في أكتوبر 73 وغيّرت نظريات كثيرة في الأكاديميات العسكرية، وأعتقد أنها سوف تنتصر في معركة البناء والتنمية بروح أكتوبر، رغم كل الظروف غير المواتية، وكأن الله فتح على مصر بركات من السماء والأرض!.
ساعدت روح أكتوبر النظام الدولي الراهن والذى يتسم بالغموض وعدم الاستقرار يقتضى من الدول العربية إعادة النظر في أسس وقواعد التنسيق والتكامل بل والاندماج العربي على الرغم مما أصاب أكثر من ثلث الدول العربية من فشل في مؤسساتها وفقدان السيطرة على مواردها
مما فتح الباب واسعا للتدخل الخارجي سواء من دول الجوار أو الجماعات الإرهابية الممولة دوليا والموظفة لصالح قوى خارجية، وليس جديدا القول بأن أمن الخليج وأمن البحر الأحمر وأمن الشام والمغرب العربي مترابط وأن أي خرق لأمن أي منها يهدد الأمن القومي العربي مجتمعا.
لقد حققت روح أكتوبر النصر في حرب العزة والكرامة ومن بعدها بطولات كثيرة تحققت، ويجب أن نعلم أن جميع المشروعات الكبرى التي تنفذ داخل الدولة المصرية في مواعيدها والمثل الأكبر في قناة السويس الجديدة يؤكد أن روح أكتوبر في كل فرد من أفراد القوات المسلحة فالإنجازات التي تتحقق على الأرض لا تتم إلا بروح معنوية عالية، بل أنها تمثل وجدانه.
من أهم نتائج الحرب استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من أراضي شبه جزيرة سيناء. ومن النتائج الأخرى تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل، كما أن هذه الحرب مهدت الطريق لاتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عقد بعد الحرب في سبتمبر 1978 على إثر مبادرة الرئيس السادات في نوفمبر 1977 وزيارته للقدس. وأدت الحرب أيضا إلى عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975.
في وقت المحن والأزمات، يظهر معدن المصريين وتكاتفهم لأجل دعم بلادهم ومساندتها، وخير مثال على ذلك، تكاتف المصريين ودعمهم أيام الحرب، حيث امتلأت الأجواء بأدعية المصريين بالنصر والكرامة والهزيمة للأعداء، علاوةً على أنها لم تخل من التضامن والتشجيع من خلال الأغاني والكلمات التي تحفز الجنود وتدفعهم للأمام نحو معركة الخلاص من العدو.
وكان الإعلان عن إصابة القوات الجوية لمواقع العدو، ملحمة تاريخية جسدها الشعب وكأنه في أرض المعركة مع الجنود وليس في شوارع المحروسة، حيث تفاعل المواطنون مع الحدث بشكل عفوي وصادق، حيث رددوا عبارات التكبير وتبادلوا العناق والتهاني، ومنهم من تفاعل مع اللحظة بالبكاء بينما قامت السيدات بإطلاق الزغاريد من نوافذ الشرفات.
نعم نحن فى أشد الحاجة الآن إلى استلهام تلك الروح الغالية فى النفوس والقلوب والعقول، روح أكتوبر فى مجال العمل والتنمية، خاصة ونحن نعيش تلك المرحلة شديدة الأهمية، وهو ما يُترجم واقعًا عمليًّا على أرض الواقع متمثلًا في الإنجازات والمشروعات الكبرى والعملاقة في مجالي: الكهرباء، والطاقة، وما أُنجز فى مشروعات الطرق والبنية التحتية، والإسكان، وما يجرى الاستكمال والإعداد لافتتاحه في هذه المجالات، وغيرها من مجالات الصحة، والتعليم، واستصلاح الأراضي والمشروعات الاستثمارية الكبرى والمتوسطة والصغيرة.
والحديث عن روح أكتوبر يدفعني إلى ضرورة أن نتذكر تلك الحالة التي صنعها نصر أكتوبر العظيم، لأن ذكرى النصر ستبقى خالدة فى ذاكرة الوطن، وهذا النصر العزيز والغالي سنظل نحتفل به جيلًا بعد جيل.. فبهذا النصر العزيز والغالي استطاعت مصر أن تتجاوز آلام النكسة ومرارة الهزيمة، واستطاع المقاتل المصري الجسور أن يرفع علم مصر عاليًا خفاقًا على أرض سيناء، واستردت مصر بأرواح شهدائها ودماء أبطالها شرف الوطن، ومسحت وصمة الاحتلال الذى دنس الأرض بقذارته ووضاعته. ورغم توالى السنين وتباعد الزمان إلا أن انتصار أكتوبر المجيد كان وسيظل خالدًا في القلوب المؤمنة التى صنعته، وفى عقول أبناء الوطن الذين عاشوه أو شاهدوه لحظة بلحظة فى أكتوبر عام ١٩٧٣، ففي هذا التاريخ شعر المواطن المصرى بزهو وفخر كبيرين، بل تبدلت فى وجدانه مشاعر الانكسار والمرارة لتصل إلى ذروة العزة والفخار. ليس هذا وحسب، بل ارتفعت رءوس المصريين والعرب إلى عنان السماء من فرط الإحساس بالانتصار، خاصة بعد أن ذاق هذا الشعب مرارة الهزيمة التى لحقت بنا فى عام ١٩٦٧.