دور إيران من الصراع اليمني

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                         

من خلال معطيات الواقع ودراسة مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فإن عملية السلام في اليمن ربما تكون بعيدة المنال في الوقت الراهن. فمليشيا الحوثيين لن تتنازل بسهولة عن مشروعها ذي الصلة بـ “ولاية الفقيه”، ولن تنصاع لسلام يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، وهذا ما هو مُعلن في فكرها وممارستها على الواقع المعاش

. ومن جانبها، فإن الشرعية اليمنية لن ترضى بسلام تدخل فيه تحت جناح سلطة الحوثي بعقيدته المُعلنة وبأحقيته في السلطة والمال، خاصة في ظل وضع إقليمي ودولي غير مواتٍ للسلام تتشابك فيه المصالح والحسابات، وأي تفاهمات في ظل هذه الظروف لن تفضي إلى سلام بالمعنى الشامل. 

ويبقى دور إيران التي تستفيد من الصراع اليمني، بتدخلها ودعمها اللامحدود لمليشيا الحوثيين، والتي تعتبر أحد أذرعها في المنطقة، ولا شك أن طهران لا يسعدها الوصول إلى سلام دائم في اليمن لأن ذلك يفقدها التحكم في أدواتها الممثلة في مليشيا الحوثيين؛ لأن السلام، إذا حدث فعلاً، لن تحكم المليشيا منفردة ولن تتحكم بالمشهد السياسي والعسكري.

 لذا نجد أن تصريحات مسؤولي إيران تؤكد استعداد بلادهم لدعم أي مبادرة سلام تكون قائمة على إنهاء الحرب، ووقف شامل لإطلاق النار، ورفع ما يسمونه بـ”الحصار الاقتصادي”، وهو الموقف الذي تتبناه مليشيا الحوثيين. وبالتالي فإن همّ إيران الأول هو وقف الحرب في اليمن، وفتح الموانئ والمطارات، والاعتراف بالحوثيين كسلطة أمر واقع. من ثم يمكن القول إن اليمن يُعد بمثابة ساحة للتجاذب بين المصالح الإيرانية وتنافر قوى الداخل علاوة على الدور الأمريكي الذي صار من الثوابت الأساسية في حركة التفاعلات في الشرق الأوسط وأحد المكونات التي تعد من قبيل المسلمات السياسية.

وتلعب إيران دور الطرف الخارجي الذي يوظف الصراع الداخلي في اليمن لصالحه، وهي وإن لم تكن الطرف الأساسي الذي فجر الصراع اليمني؛ لكنها ساهمت في ترسيخه مما لا يحتمل الكثير من الجدل، كذلك فالدور الإيراني في الشرق الأوسط يمكن أن ينطبق عليه التوصيف ذاته للحالة الأمريكية من منطلق كونه أحد الثوابت الحالية (والمرشحة في المستقبل كذلك) المسيطرة على الكثير من مقدرات الأحداث والصراعات في الشرق الأوسط.

وهي بهذه التصريحات، لا تعترف بالشرعية، وتدّعي أن الحوثيين يمثلون السلطة اليمنية التي تقاتل من أجل اليمن، وهذا موقف بعيد عن تحقيق سلام فعلي. أما موقف الولايات المتحدة الأمريكية، فهو ضبابي؛ لأنه من جهة يدين ويستنكر ما تقوم به المليشيا الحوثية من انتهاك لحقوق الإنسان ومن تجاوزات وارتباط بالمشروع الإيراني، إلا أنه من جهة أخرى وبإسقاط الحوثيين من قائمة الإرهاب يشير إلى رؤية أمريكية بضرورة وجود هذه المليشيا وأن بقاءها ربما يخدم المصالح الأمريكية.

أما الموقف الأوروبي فهو يتماهى مع نظيره الأمريكي ولا يتجاوزه، فموقف واشنطن هو الحاكم. وبالنسبة لروسيا، فهي منشغلة بصراعها مع أوكرانيا ومن ورائها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ترتبط السياسة الخارجية الإيرانية بالمرتكزات الفكرية النابعة من الأيديولوجية السياسية التي تبنتها الثورة الإسلامية منذ عام 1979، مع مراعاة التطورات التي طرأت على الساحة الدولية على إثرها، ولكن مع الاحتفاظ بالثوابت الفكرية المرتبطة بمفهوم الشرق الأوسط الخالي من الهيمنة الأمريكية ومحاولة تعميق دور إيران الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ككل وفي الخليج العربي على وجه الخصوص.

ويمثل الدور الإيراني في اليمن إحدى حلقات النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة العربية، وفي اليمن كمثال بارز على هذا التوجه إذ يتمثل التدخل الإيراني في هذا البلد في دعم جماعة الحوثيين التي تتبني أفكاراً هي الأقرب إلى السياسة الإيرانية، ومن ثم يندرج الدعم الإيراني لها تحت إطار السعي لتحقيق المصالح الإيرانية في المنطقة ككل

ويمكن القول إن أحد المبررات الرئيسة التي تسوقها الولايات المتحدة الأمريكية لدعم تدخل التحالف العربي لحلحلة الأزمة اليمنية على المستوى السياسي والعسكري هو أن الحوثيين هم بمثابة وكلاء لإيران سعوا إلى الإطاحة بالحكومة اليمنية وإخضاعها للنفوذ الإيراني.

ردود الفعل إزاء الدور الإيراني في اليمن

ينفي كل من الحوثيين وإيران وجود علاقة وثيقة بينهما، ويحاولان التقليل من أهمية الدعم الذي يتلقاه المتمردون اليمنيون من طهران. على سبيل المثال: سبق وأن دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إيران لعدم التدخل في الشأن اليمني عدة مرات بالإضافة إلى دعوات الحكومة اليمنية، لكن استمرت إيران في نفي قيامها بدعم جماعة الحوثي المسلحة ودعم الحراك الانفصالي في الجنوب.

يزعم بعض المحللين أن إيران ليست هي المصدر الأساسي لتمرد الحوثيين بالنظر إلى الخلفية السياسية التي أدت إلى نشأتهم كتيار مذهبي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وصدامهم مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وبالتالي فإن هذا التيار يشكل خطرا على الجمهورية اليمنية سواء في وجود الدعم الإيراني أو غيابه. لكن الثوابت التاريخية تدحض هذا الرأي؛ لأن إيران تدخلت في اليمن وحاولت تكوين جيوب انفصالية خاصة في صعدة منذ اليوم الأول للثورة الإيرانية 1979 وهو ما دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى التدخل الرسمي المكثف في الحرب العراقية ـ الإيرانية عن طريق إرساله لواءين عسكريين تحت مسمى “ألوية العروبة” وقاتلا في الخطوط الأمامية إلى جانب الجيش العربي العراقي في حرب السنوات الثماني؛ دعما للرئيس صدام حسين ونكاية في إيران التي شرعت حينها في زعزعة استقرار اليمن.

لكن الثوابت التاريخية تدحض هذا الرأي؛ لأن إيران تدخلت في اليمن وحاولت تكوين جيوب انفصالية خاصة في صعدة منذ اليوم الأول للثورة الإيرانية 1979 وهو ما دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى التدخل الرسمي المكثف في الحرب العراقية ـ الإيرانية عن طريق إرساله لواءين عسكريين تحت مسمى “ألوية العروبة” وقاتلا في الخطوط الأمامية إلى جانب الجيش العربي العراقي في حرب السنوات الثماني؛ دعما للرئيس صدام حسين ونكاية في إيران التي شرعت حينها في زعزعة استقرار اليمن.

لا تقتصر أهمية قضية الدور الإيراني على الساحة اليمنية في كونها مجرد حلقة من حلقات الدور الإيراني في الشرق الأوسط وتقاطع هذا الدور مع مصالح الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يرتبط بقضية أعم وأشمل هي وحدة الدولة بين الخلافات الداخلية والضغوط الخارجية.

وتُعد وحدة أراضي الدولة وسلامتها من القضايا الجوهرية التي تؤثر في التوازنات الإقليمية ومستقبل المنطقة، وتمثل الأحداث والصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط تحدياً حقيقياً لمفهوم الدولة القومية كما استوردته المنطقة ـ إذا جاز التعبير ـ منذ عصر الاستعمار القديم.

كما سبق وأن استنكرت الحكومة اليمنية الشرعية التصريحات الصادرة عن مسؤولين عسكريين إيرانيين حول امتداد محور المقاومة من اليمن إلى لبنان من منطلق أن هذا التصريح بمثابة إعلان إيراني واضح بالوجود في البحر الأحمر واعتراف رسمي بالمشاركة في القتال على الأرض إلى جانب مليشيا الحوثي. كما لا يخفى على أحد الدور التاريخي (الذي يتغير في سياقه الفاعل ولكنه يحمل الدلالة ذاتها) المتعاقب عبر العصور القائم على تكريس الخلافات الداخلية في إطار الدولة الواحدة من منطلق أن تقسيم المُوحَدين وتفرقتهم يُعد بمثابة الوسيلة الأساسية الأكثر كفاءة التي يلجأ إليها الخارجي عند رغبته في التدخل. هذا بالإضافة إلى الانتقاد الموجه لإيران من منطلق أن تعيين طهران لسفير فوق العادة مطلق الصلاحيات لدي الحوثيين سيكون بمثابة تنصيبه الحاكم العسكري الفعلي في صنعاء.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المصرى يتصدر الدورى العام بفوز مستحق على بيراميدز 1/0

كتب/ رامز حاتم فاز فريق المصرى البورسعيدى على بيراميدزبنتيجة 1 – 0 فى المباراة التى ...