الدكتور عادل عامر
تأتي اتفاقية تريبس على رأس الاتفاقيات التي سوف تؤثر لا ريب في الصناعات الكثيفة التكنولوجيا لا سيما منها الصناعات الدوائية، التي لها ارتباط وثيق بحقوق الملكية الفكرية خاصة ما تعلق بالمعلومات السرية (غير المفصح عنها).
لهذا تحتل حماية المعلومات السرية(غير المفصح عنها) مكانا هاما من بين مواضيع الملكية الصناعية وأصبحت أبرز العناصر المعنوية للشركات الصناعية والتجارية إذ تمنحها ميزة تنافسية وسمعة تجارية تجاه الشركات والمشاريع الأخرى المنافسة، وتزداد أهميتها على المستوى الدولي فتعتبر المحور الأساسي في عمليات نقل التكنولوجيا ، حيث تفضل الكثير من الجهات المنتجة للتكنولوجيا الاحتفاظ باختراعاتها سرا وعدم الكشف عنها والاستفادة من الحماية التي توفرها قوانين واتفاقيات حماية حقوق الملكية الصناعية.
بعد أن تم عرض ومناقشة النظام القانوني للمعلومات غير المفصح عنها في ضوء اتفاقية تريبس وفي ضوء التشريعات الغربية والاتفاقيات الدولية التي تسبق اتفاقية تريبس ، وأيضا درسنا قانونين عربيين كمثال على الدول النامية المنظمة إلى اتفاقية تريبس ، حاولنا من خلال المذكرة دراسة إحدى فروع الملكية الفكرية والتي يعتبر فرع حديث ، حيث أن اتفاقية تريبس هي أول اتفاقية أدرجت ضمن حقوق الملكية الفكرية و أعطت أحكام خاصة تنظمه ، وألزمت الدول الأعضاء بحمايته وإدخاله ضمن طوائف الملكية الفكرية،ومن خلال ذلك التزمت الدول المنظمة بأحكام اتفاقية تريبس،
إلا أن هناك قوانين واتفاقيات عالجت هذا الموضوع قبل اتفاقية تريبس ،فدرسنا القانون الأمريكي والقانون الانجليزي كمثال على القوانين الغربية التي اهتمت بدراسة المعلومات غير المفصح عنها قبل اتفاقية تريبس حيث أن القانون الأمريكي أطلق على هذه المعلومات اسم الأسرار التجارية ،واعتبرها إحدى فروع الملكية الفكرية فعرفتها كما يلي: “الأسرار التجارية تعني معلومات تتضمن تركيبة ،مخططا، تصنيفا، برنامجا، جهازا، وسيلة تقنية أو معالجة صناعية، تمتاز بأنها تحتوي على قيمة اقتصادية مستقلة واقعة أو محتملة الوقوع، ولا تكون معروفة للجميع ولا يمكن الحصول عليها بسهولة، بالطرق العادية من قبل أشخاص آخرين يستعطون تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال الكشف عنها أو استعمالها وتكون محل جهود معقولة للحفاظ على سريتها”.
والقانون الأمريكي أعتبر الأسرار التجارية محلا للملكية . أما القانون الانجليزي يعتبر الأسرار التجارية كافة الأسرار السياسية والعائلية والشخصية ، ولا يعتبرها محلا للملكية وبالنسبة للاتفاقيات السابقة على تريبس نجد اتفاقية باريس سنة 1883 حمت هذه المعلومات استنادا لدعوى المنافسة غير المشروعة ،وذلك من خلال المادة 10 ثانيا وأعطت الصور أو الأعمال التي تتنافى مع الأعمال المشروعة، ولكن لم تذكرها على سبيل الحصر بل على سبيل المثال . والاتفاقية الثانية التي سبقت تريبس في حماية هذه المعلومات هي اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا أو ما تسمى نافتا 1993، وهي اتفاقية إقليمية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك ،وكان أهم أهدافها: تقوية وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية وبمأن هذه الاتفاقية تريد أن تزيل القيود وتحرر التجارة فيما بين أعضائها،فقد طالب أعضائها من خلال هذه الاتفاقية بحماية الأسرار التجارية وذلك من خلال إدراجها ضمن حقوق الملكية الفكرية . وكذلك درسنا في هذه المذكرة طرق حماية هذه المعلومات ،فهناك حماية عقدية وتكون عادة في عقود نقل التكنولوجيا وحماية قانونية تضمن نوعين من الحماية وهما: الحماية المدنية والحماية الجزائية ،والحماية المدنية تكون على أساس الملكية فهناك دول تعتبر المعلومات السرية من ضمن حقوق الملكية مثل القانون الأمريكي ، وهناك دول لا تعتبرها من ضمن حقوق الملكية مثل القانون الانجليزي. وهناك حماية جزائية : وتكون بتقرير عقوبة على كل من يفشي هذه الأسرار أو يقوم بأعمال تتنافى مع الأعمال الشريفة.
وبعد ذلك وجدنا انه من الضروري التفرقة بين هذه المعلومات والمصطلحات المشابهة لتحديد المفهوم الخاص بهذه المعلومات ، والمصطلحات المشابهة هما براءة الاختراع و المعرفة الفنية وبراءة الاختراع تختلف عن المعلومات غير المفصح عنها في كثير من الجوانب هي من حيث الإفصاح عنها ومن حيث الحقوق الاستئثارية لكل منهما ،ومن حيث مدة حمايتها ومن حيث نطاق حمايتها وبعدها خرجنا من ذلك بفكرة أن المعلومات غير المفصح عنها قد تكون مكملة لبراءة الاختراع كما قد تكون بديلة عنها. والمصطلح الثاني الذي فرقنا بينه وبين المعلومات غير الفصح عنه هو المعرفة الفنية ، هذه الأخيرة عادة ما نجده في عقود نقل التكنولوجيا. ثم تطرقنا في مذكرتنا هذه إلى اتفاقية تريبس والأحكام التي جاءت بها لتحمي هذه المعلومات وذلك من خلال المادة 39 التي أحالت في ذلك إلى المادة 10 ثانيا من اتفاقه باريس الخاصة بالمنافسة غير المشروعة ،ووجدنا أن اتفاقية تريبس لم تعطي أي تعريف للمعلومات غير المفصح عنها ، بل أعطت مباشرة الشروط الواجب توافرها في المعلومات غير المفصح عنها.
وبما أن اتفاقية تريبس ذكرت نوعين من المعلومات المشمولة بالحماية هما المعلومة السرية الخاصة بالأشخاص الطبيعيين والمعلومات السرية التي تقدم إلى الجهات الحكومية المختصة، لهذا كان هناك نوعين من الشروط : الشروط العامة التي تخص كافة المعلومات السرية وشروط خاصة تخص فقط النوع الثاني من المعلومات أي المعلومة التي تقدم إلى الجهات الحكومية المختصة . والشروط العامة هي: السرية أن تكون ذات قيمة تجارية ، المحافظة على سرية المعلومات من قبل حائزها. أما الشروط الخاص فهي: تقديم البيانات والمعلومات السرية إلى الجهات الحكومية المختصة ، احتواء المنتجات الدوائية على بيانات كيميائية جديدة ،وأن تكون المعلومات وليدة جهود كبيرة بذلت من أجل التوصيل إليها. وأيضا من بين الأحكام التي جاءت بها اتفاقية تريبس وتخص المعلومات غير المفصح عنها هو الغرض من حماية هذه المعلومات فغرض اتفاقية تريبس من الحماية هو منع الاستخدام التجاري غير العادل والالتزام بعدم الإفصاح عن البيانات والمعلومات للغير.
وكأي فرع من فروع الملكية الفكرية المشمولة بالحماية في اتفاقية تريبس فان الحماية ينتج عنها أثار ، وبالنسبة للآثار الناتجة عن حماية هذه المعلومات هي أن لصاحب المعلومات حقوق وهناك استثناء عن هذه الحقوق. وتتمثل الحقوق في: ـ الحق في الاحتفاظ بالمعلومات السرية واستغلالها والإفصاح عنها . ـ منع الغير من الحصول على المعلومات السرية واستخدامها دون موافقته. أما الاستثناءات عن هذه الحقوق فهي : ـ حق الدولة في الإفصاح عن المعلومات والبيانات السرية المقدمة إليها . ـ حق الدولة في استخدام المعلومات والبيانات السرية المقدمة إليها. ثم أعطينا مثال عن الدول العربية المنظمة إلى اتفاقية تريبس وهما القانون المصري والأردني فوجدنا أنهما قاما بحماية هذه المعلومات طبقا لالتزام المنبثق من اتفاقية تريبس، حيث نجد أن قانونيهما مطابق لاتفاقية تريبس ويعطيان حماية لهذا الفرع الجديد من فروع الملكية الفكرية.
وبعد أن حاولنا تلخيص ما جاء في المذكرة ، نقول أننا خرجنا بنتائج أو نستطيع أن نذكر ملاحظات فيما يخص حماية اتفاقية تريبس للمعلومات غير المفصح عنها وهي: أن اتفاقية تريبس اعتبرت المعلومات السرية ضمن حقوق الملكية الفكرية بقصد تعميم حمايتها على المستوى الدولي، وتشجيع الابتكار التكنولوجي ، وضمان نقل وتعميم التكنولوجيا بما يحقق المنفعة المشتركة لمنتجي التكنولوجيا ومستخدميها . وأيضا أن اتفاقية تريبس قامت بمراعاة قواعد المنافسة التجارية الشريفة لتحقق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية ، واعتبرت أنه يعد من قبيل الاعتداء على هذه المعلومات من يقوم بالأعمال غير الشريفة. كما أننا نجد أن اتفاقية تريبس لم تقم بوضع عقوبة محددة للمعتدي على هذه الأعمال ،أي أننا لا نجد حماية جنائية لهذه المعلومات في ظل اتفاقية تريبس،
ولا حتى تحديد الحد الأدنى لها، حيث أنها تركت الأمر للدول الأعضاء في تحديد ذلك . كما أن اتفاقية تريبس لم تحدد تعريف شامل ومحدد لهذه المعلومات ، لربما كان ذلك لأن هذه المعلومات تمس الجانب التجاري المتطور بشكل سريع جدا وهذا لكي لا تكون هذه الاتفاقية أمام مشكل التعديل المستمر لهذه المادة (39) الخاصة بهذه المعلومات ،إلا أن هناك فقهاء ومحللون يرون بضرورة وضع تعريف محدد لها لكي لا تقع الدول الأعضاء في نقاش دائم حول تعريف هذه المعلومات.
وأيضا هناك ملاحظة أخرى هي: أن اتفاقية تريبس لم تحدد الإجراءات الواجب اتباعها للمحافظة على السرية ،وهنا كان عليها تحديد هذه الإجراءات لاستبعاد التناقص بين الأعضاء. والملاحظة الأخيرة التي يجب التنويه لها أن اتفاقية تريبس لم تحدد مدة حماية هذه المعلومات وتركت الأمر للدول الأعضاء ،بالإضافة إلى أنها لم تعطي أو لم تبين الوسائل المفروضة لفض المنازعات التي تنشأ بسبب هذه المعلومات. أما بالنسبة للمشرع الجزائري فانه لم يعترف بالمعلومات غير المفصح عنها ، ولم يعطي لها حماية خاصة إذ لم يعتبرها فرع من فورع الملكية الفكرية ، إلا أننا نجد أنه أشار إليها في بعض المواد حيث أنه استثناها من الاختراعات وذلك من خلال المادة 07 من الأمر 03/07 المتعلق ببراءات الاختراع. وأيضا ذكر أو نص المشرع الجزائري على الاختراعات السرية من خلال المادة 19 من نفس الأمر وأشار إلى أنها تتعلق بالأمن الوطني والاختراعات ذات الأثر الخاص على الصالح العام دون المساس بالحقوق المادية والمعنوية للمخترع وذكر المشرع الجزائري أيضا أن كيفية تطبيق أحكام هذه المادة تكون عن طريق نص تنظيمي إلا أن هذا الأخير لم يصدر. وبما أن الجزائر في طريقها إلى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية يجب عليها إعادة النظر في هذه المسألة .