تنظيم الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف الدولة التنموية

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                  

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح فرصًا هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي حددتها الأمم المتحدة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030. حيث تتيح تطبيقاته حلولًا مبتكرة وتقييمًا محسنًا للمخاطر وتخطيطًا أفضل ومشاركة أسرع للمعرفة. دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030،

وتناول البحث رصد بعض الآثار المحتملة لعملية الذكاء الاصطناعي على دعم التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وذلك على مستوى القطاعين العام والخاص. وللإجابة على تساؤل البحث، طبقت هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي في وصف وتفسير الظاهرة محل البحث وأبعادها من خلال مراجعة المصادر التاريخية والاستعانة بالبيانات الإحصائية والمعلومات المطبوعة والمنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المحلية والأجنبية،

 وتوصل البحث إلى أن تطبيق الذكاء الاصطناعي بنجاح في مجموعة واسعة من المجالات من بينها الطب، والتعليم، والأسواق المالية، والصناعة، والتحكم الآلي، والقانون، والاكتشافات العلمية، ومحركات البحث على الإنترنت، يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي ضوء ذلك خرج البحث بعدد من التوصيات حول دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030، حيث يوصي البحث بأهمية صياغة الخطط الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي على مستوى القطاعات والوزارات، واستحداث برامج دراسات عليا ماجستير ودكتوراه في الذكاء الاصطناعي.

شهدت المنطقة العربية تحولاً تكنولوجيًا وابتكارًا هائلاً في العقد الماضي. ومع ذلك، تتمتع الدول العربية بظروف داخلية متميزة، تنعكس بوضوح في طموحاتها لتبني التقدم التكنولوجي، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في سياساتها واستراتيجياتها ومؤسساتها. وقد تحركت بعض دول المنطقة بسرعة لتبني أحدث التقنيات والمؤسسات والمعايير والاستراتيجيات لتوطين واستخدام الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تحسين تصنيفاتها العالمية. ومن ناحية أخرى، لا تزال بلدان أخرى في مرحلة مبكرة للغاية دون استراتيجيات واضحة للذكاء الاصطناعي.

ليس هناك شك في أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصة هائلة للحكومات في المنطقة لدفع النمو الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، وحل التحديات المجتمعية. ووفقاً لتقديرات شركة برايس ووترهاوس كوبرز، فإن منطقة الشرق الأوسط ستحقق 2% من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي في عام 2030، أي ما يعادل 320 مليار دولار أمريكي. ولاستغلال هذه الفرصة، هناك حاجة إلى تقييم موقع الدول العربية في السباق العالمي للذكاء الاصطناعي، وتحديد التحديات والفرص، ومناقشة إمكانات التعاون للدول العربية، واتخاذ الخطوات اللازمة لتكون جزءًا من التحول التكنولوجي والمساهمة في ذلك. التقدم التكنولوجي العالمي للذكاء الاصطناعي، وتسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتطوير مجتمعات عادلة وشاملة ونابضة بالحياة اقتصاديًا.

الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية:

شهدت المنطقة العربية تحولاً تكنولوجيًا وابتكارًا كبيرًا خلال العقد الماضي. إلا أن الظروف الداخلية للدول العربية تختلف، مما يؤثر على طموحاتها لدمج التقدم التكنولوجي، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في سياساتها واستراتيجياتها ومؤسساتها. وفي حين تبنت بعض البلدان بسرعة أحدث التقنيات، لا تزال بلدان أخرى في المراحل الأولى من صياغة استراتيجيات واضحة للذكاء الاصطناعي.

على سبيل المثال، أطلقت اليونسكو سلسلة من الندوات الإقليمية حول تطوير أطر الكفاءات الوطنية الرقمية والذكاء الاصطناعي لتزويد المعلمين والمتعلمين بالمهارات الرقمية المناسبة. وركزت الندوة الأولى، التي نظمت في أبريل 2024، على الدول العربية وجمعت حوالي 400 مشارك من 80 دولة، بما في ذلك 19 دولة عربية، مما يظهر اهتمامًا قويًا بالموضوع في المنطقة وخارجها.

يشهد الذكاء الاصطناعي في مصر نموًا سريعًا، وقد خطت البلاد خطوات كبيرة في هذا المجال. ووفقا لتقرير مدى استعداد حكومات العالم لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لعام 2022، احتلت مصر المركز الثاني أفريقيا بعد موريشيوس. وتقدمت 55 مركزاً في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي الحكومي[i] لتحتل المرتبة 56 من بين 172 دولة. وترتكز الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر على ثلاثة محاور رئيسية:

التعليم والتدريب؛

تسخير البيانات الضخمة واكتساب رؤى لتنفيذ المشاريع الضخمة؛

وجعل تلك البيانات متاحة للقطاع الخاص، كجزء لا يتجزأ من نمو الاقتصاد المصري.

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في التحول الرقمي، حيث يعمل كمحفز لحل المشكلات البيئية والانتقال إلى بيئة خضراء. كما يتم استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لبناء المدن الذكية وتحويل المدن القائمة إلى مدن ذكية بالمعايير العالمية. تهدف مصر إلى أن يشكل الذكاء الاصطناعي 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030. وتستضيف مصر أيضًا العديد من الفعاليات لاستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد المصري. تعكس هذه الجهود الأولوية القصوى التي توليها الحكومة المصرية حاليًا للذكاء الاصطناعي. يعد النمو السريع للذكاء الاصطناعي والنظام البيئي الرقمي في مصر بمستقبل مليء بالفرص المثيرة.

في جميع أنحاء المنطقة العربية، يوفر الذكاء الاصطناعي للحكومات في المنطقة فرصة هائلة لدفع النمو الاقتصادي، وتعزيز الخدمات العامة، ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية. وفقًا لتقديرات بي دبليو سي، ستحصل منطقة الشرق الأوسط على 2% من فوائد الذكاء الاصطناعي العالمية البالغة 320 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030[

ويسلط التقرير الضوء أيضًا على أن أكبر المكاسب من الذكاء الاصطناعي من المرجح أن تكون في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويمكن أن يكون التأثير أكبر إذا استمرت الحكومات في المنطقة في دفع حدود الابتكار وتنفيذ الذكاء الاصطناعي عبر الشركات والقطاعات. ومن المتوقع أن يتراوح النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين 20-34% سنوياً في جميع أنحاء المنطقة، مع أسرع نمو في دولة الإمارات العربية المتحدة، تليها المملكة العربية السعودية. إن حجم التأثير المتوقع في هذين الاقتصادين ليس مفاجئًا نظرًا لاستثمارهما النسبي في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مقارنة ببقية منطقة الشرق الأوسط. ويصنف كلا البلدين ضمن أفضل 50 دولة في العالم على مؤشر الابتكار العالمي 2017 من حيث القدرة على الابتكار ومخرجات ابتكارهما.

ولاستغلال هذه الفرصة، من الضروري تقييم موقع الدول العربية في السباق العالمي للذكاء الاصطناعي، وتحديد التحديات والفرص، ومناقشة التعاون المحتمل للدول العربية، واتخاذ الخطوات اللازمة للمساهمة في التقدم التكنولوجي العالمي للذكاء الاصطناعي.

دور الحكومات والسياسات في دعم تطور الذكاء الاصطناعي للتنمية الاقتصادية

تلعب الحكومات دورًا حاسمًا في دعم التطور والاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية الاقتصادية، ويتطلب تطبيق التقنيات المتقدمة والاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي توجيهًا من الحكومات ووضع سياسات للتشجع والاستثمار في هذا المجال.

1. تشجيع الابتكار: يمكن للحكومات تعزيز التطور في الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء بيئة تشجع الابتكار وتقديم الدعم للشركات الناشئة والأبحاث العلمية في هذا المجال. ويمكن توفير التمويل والمساعدة في تطبيق التقنيات الذكية وتوفير مساحة للتجارب والاختبارات.

2. الاستثمار في التعليم والتدريب: يمكن للحكومات الاستثمار في التعليم والتدريب لإعداد العمال للوظائف في مجال الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، أطلقت الحكومة الأمريكية برنامجًا لتدريب العمال على مهارات الذكاء الاصطناعي.

3. التنظيم والمراقبة: تلعب الحكومات أيضًا دورًا في وضع التنظيمات والسياسات التي تسهم في حماية المستهلكين وضمان السلامة والأمان في استخدام التقنيات الذكية.

 يجب وضع قوانين ومعايير للخصوصية والأمان والمسؤولية الاجتماعية للشركات التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، عن طريق مواجهة وتجاوز هذه التحديات، ويمكن للاقتصادات استثمار الذكاء الاصطناعي بشكل فعال واستدامة، مما يدعم نمو الأعمال وتحقيق تحسينات اقتصادية مستدامة في المجتمع.

أمثلة من دول العالم لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التنمية الاقتصادية

هناك العديد من الدول التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بنجاح في تعزيز التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال:

الولايات المتحدة: تستخدم الولايات المتحدة الذكاء الاصطناعي في صناعات التكنولوجيا وصناعات الرعاية الصحية، مما يسهم في تطوير منتجات مبتكرة وتحسين عمليات الإنتاج والخدمات.

 الصين: تطبق الصين تقنيات الذكاء الاصطناعي في الصناعات التحويلية والقطاع الصناعي والتجزئة، مما يزيد من الإنتاجية ويعزز الابتكار ويحسن تجربة المستهلكين.

سنغافورة: تستخدم سنغافورة التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل واللوجستيات لتحسين إدارة المخزون وتنظيم عمليات الشحن وتحسين تجربة العملاء.

ألمانيا: تستخدم ألمانيا الذكاء الاصطناعي في صناعة السيارات والتصنيع لتحسين الإنتاجية وجودة المنتجات.

اليابان: تطبق اليابان الذكاء الاصطناعي في صناعة الروبوتات والإلكترونيات لتعزيز التكنولوجيا وتحسين الإنتاجية.

الذكاء الاصطناعي عامل مؤثر في نمو الشركات: أرقام وإحصائيات

طبقا لتقرير جامعة ستانفورد THE AI INDEX Report   (Artificial Intelligence Index Report 2023)  ، قادت الولايات المتحدة العالم من حيث إجمالي حجم الاستثمار الخاص بالذكاء الاصطناعي، ففي عام 2022، بلغ حجم الاستثمار في الولايات المتحدة 47.4 مليار دولار ، أي ما يعادل 3.5 أضعاف المبلغ المستثمر في ثاني أعلى دولة، الصين (13.4 مليار دولار).

وفي عام 2022، كانت مجالات التركيز في الذكاء الاصطناعي التي حصلت على أكبر استثمار هي الرعاية الصحية والطبية، حيث بلغت 6.1 مليارات دولار، تلتها إدارة البيانات ومعالجتها وأنظمة السحابة، حيث بلغت 5.9 مليارات دولار، وتكنولوجيا المال بلغت 5.5 مليارات دولار.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...