الدكتور عادل عامر
التناقض الذى يفسد الأحكام هو الذى تتماحى به الأسباب، بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه ، ولا يمكن أن يفهم منه على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به ، أما إذا اشتمل الحكم على أسباب تكفى لحمله وتبرر وجه قضائه فلا محل للنعي عليه بالتناقض ، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن البنك المطعون ضده أقام الدعوى محل الطعن على سند من عقد الجدولة المؤرخ في ١٦ / ٦ / ٢٠١٠ ، والمقدم لمحكمة الموضوع والذى أبرم بين الطاعنين والمختصمين ، وتضمن إقرارهم بعد صحة المراجعة والتدقيق في السجلات وكافة مفردات التعامل – بمبلغ مديونية شركة ………. للمصنوعات الجلدية المستحقة له حتى إقفال يوم ٣١ / ٥ / ٢٠١٠ ومقداره ١١,٨٨٢,٧٨٧,٥٥ جنيهاً مع الاتفاق على كفالة تضامنية فيما بينهما للسداد على أقساط وشروط ثابتة بالعقد وعلى عائد مدين بسيط عشرة، وخمسة وعشرون من مائة في المائة طيلة فترة الجدولة، وفى حالة التأخر أو عدم سداد ثلاث أقساط يتم إلغاء التسوية وتصبح كامل المديونية مستحقة الأداء وعائد تأخير بواقع اثنين في المائة سنوياً بالإضافة إلى العائد المشار إليه آنفاً من تاريخ الاستحقاق حتى السداد الفعلي،
وهو ما يقطع بأن العلاقة بين طرفي الخصومة والتزامات كل منهما قبل الآخر باتت خاضعة لأحكام ذلك العقد منذ إبرامه حال خلو الأوراق مما يبطله أو ينال من ترتيبه لآثاره فيما بين عاقديه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلزام الطاعنين وباقي الكفلاء المتضامنين والشركة المدينة للبنك المطعون ضده بسداد المديونية التي سبق وأن أقروا بها في عقد الجدولة سند الدعوى بعد أن خُصمت منها الدفعات التي سددتها الشركة المدينة بعد تاريخ العقد لتكون إجمالي المديونية مبلغ ١١,٠٥٣,٩٥١,٠٨ جنيه حق ١٣ / ١٠ / ٢٠١١ – آخر تاريخ سداد من الشركة المدينة – وفق تقرير الخبير المرفق صورته الرسمية بالأوراق والذى اطمأنت إليه المحكمة ، ثم رتب الحكم على ذلك استحقاق البنك المطعون ضده لفوائد اتفاقية وفوائد التأخير بواقع ١٢,٢٥% من هذا التاريخ إعمالاً لبنود عقد الجدولة سند الدعوى ، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة ، ولا يعيبه ما ساند به قضاءه من تقريرات قانونية خاطئة بشأن تاريخ غلق الحساب الجاري إذ لمحكمة النقض تقويم المعوج منه بغير أن تنقضه، ويكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه غير مخالف للقانون أو الثابت بالأوراق ومعملاً لمبدأ سلطان الإرادة لطرفي الدعوى الوارد بعقد الجدولة المؤرخ في ١٦ / ٦ / ٢٠١٠ ،
ومن ثم فلا محل للنعي عليه بالتناقض ، والمحكمة غير ملزمة – بعد ذلك – بإجابة الطاعن الثاني لطلب إلزام البنك المطعون ضده بتقديم عقود تسهيلات أخرى لم يقم عليها قضاؤها وليست سند الدعوى وسابقة على العقد سند المطالبة الراهنة، لا سيما وأن الطاعنين لم يقدما – وهما الملزمان قانوناً – رفق صحيفة طعنهما صورة طبق الأصل من عقد جدولة المديونية الذى أقام عليه الحكم قضاءه والذى ينعيان بتنازل البنك المطعون ضده عن المديونية المستحقة بهذا العقد ، كما أنهما لم يبينا بوجه النعي تحديداً إيصالات السداد التي لم يقم الخبير بحسابها قبل تاريخ قفل الحساب أو يقدما صورة طبق الأصل منها حتى تتحقق المحكمة من صحة ما ينعياه، الأمر الذى يضحى معه النعي برمته على غير أساس . المتناقضان لا يجتمعان. هكذا يقول المناطقة واذا كان اتهام فكر معين بالتناقض يعد امراً سيئاً بغير جدال ويسعى صاحبة جاهداً الى التبرأ منه فإن الاسوأ منه ان يوجه هذا الاتهام الى فكر القضاء والحكم ماهو إلا اعلان لفكر القاضى فى استعماله لسلطته القضائيه وهو الفكرالذى يفترض المشرع تطابقه مع الحقيقة ولذلك تحرص القوانين التى تتولى تنظيم القضاء وادائه لوظيفته واولها قانون المرافعات . على ان تضع من القواعد ما يكفل الحيلوله دون نشوء اى مظهر من مظاهر التناقض فى اعمال القضاء وخاصة قيام تعارض بين احكامه
وهو موضوع هذه الدراسة .ذلك لأن مجرد تعدد حالات التعارض بين الاحكام تعدداً ملموسا يكفى لضياع هيبة القضاء واضطراب النظام القانونى حتى ولو امكن علاج هذا التعارض فيما بعد , اذ فمن اولى القواعد التى يجب العصور عليها فى القانون , وان لم توجد فيجب ايجادها وتقنينها . وهى تلك التى تعمل على وئد التعارض فى مهده اى ( الوقاية ) من ظهور اى مفترض من مفترضات التعارض بل أن ندرة الاحكام التى تصدر متعارضة يعزى فى المقام الأول الى وجود وسائل الوقاية وهو مايزيد من اهميتها ولا يقلل .
ولكن هل من الحكمة ان يكتفى المشرع الإجرائى بوسائل الوقاية من تعارض الأحكام وتنتهى مهمته عند هذا الحد ؟ الواقع انه اى ان كان درجة الفاعلية التى يمكن تحققها الأدوات الفنية التى يصممها المشرع ويستهدف من وراءها ألا يتعارض حكمان إلا ان رؤية المسألة من خلال منظور عملى تفرض علية ان يتوقع احتمالات عدم نجاح هذه الوسائل الوقائية وما يترتب على ذلك من امكانية نشوء مشكلة التعارض فى بعض الأحيان .
لم يغب عن ذهن المشرع المصرى وضع الحلول العلاجية لمشكلة التعارض بين الاحكام فكان نص المادتين 222 و249 مرافعات ولقد بلغ حرص المشرع على علاج مشكلة التعارض من خلال طرق الطعن – حداً جعله يبيح بعض المحذورات فى هذه الحالة – ويكفى للتدليل على ذلك الاشاره الى ان التعارض يجعل الحكم الانتهائى قابلاً للاستئناف خلاف للاصل العام والذى يقصر الاستئناف على الحكم الابتدائى وانه يجعل الحكم الانتهائى- اى ان كانت المحكمة التى اصدرته – اى ولو كان صادرا من محكمة جزئية – قابلاً للنقض خلافا للاصل العام ايضا والذى يقصر هذا الطعن على الاحكام الصادره من محاكم الاستئناف .
وعندما يبلغ الحكمان المتعارضان درجة متقدمة من القوة الاجرائية هى حيازة كل منهما لقوة الأمر المقضى ( او الانتهائية ) كان طبيعيا ان يكون الطعن بالنقض هو سبيل فض التعارض .
واما فى غير ذلك فإن طريقة الطعن بالإستئناف هو مخصص لحل المشكلة وهذه الوسائل افترضت صدور الحكمين المتعارضين من جهة القضاء المدنى . ولكن اذا صدر احدهما فى هذه الجهة وصدر الآخر من جهة قضائية اخرى فان حل التعارض يكون من خلال طلب تفصل فيه المحكمة الدستورية العليا .
وما يستفاد بسهولة فى نص المادة 249 مرافعات ان الطعن بالنقض المبنى على التعارض فى الاحكام يجب ان يوجه الى الحكم الاحدث فى التاريخ وهذا الحكم مثل محل الطعن الذى يمكن ان يقدم فى الخصومة . والطعن بالنقض لا ينقل موضوع النزاع ويطرحه على محكمة النقض لاعادة الفصل فيه وانما يقتصر على طرح قضية اخرى هى البحث حول مخالفة الحكم للقانون – او وجود تعارض بينه وبين حكم سابق –وهناك حالات قد تنقض فيها محكمة النقض الحكم وتحكم فى الطعن بغير احالة ويتحقق ذلك فى بعض الاحوال . منها ان يحسم حكم النقض النزاع نهائيا ً لفصله فى المسألة القانونية بحيث لم يبقى بعد الفصل فيها مسائل قانونيه اخرى او مسائل تتعلق بالواقع.
واذا ثبت لمحكمة النقض عيب التناقض تعين عليها ان تقتصر على نقض الحكم المطعون فيه دون احالة – فنقض الحكم اللاحق – اى الغاؤه – يرجع الى انه حكم ما كان يجب صدوره اصلا من محكمة الموضوع لسبق الفصل فى النزاع . وبالتالى ليس هناك مبرر فى الحكم فى موضوعه من جديد على اى وجه من الاوجه. وقد فصل حكم النقض فى النزاع نهائياً . وبزوال الحكم اللاحق يزول مفترض اساسى من مفترضات التعارض وهو وجود حكمين – اذ لم يعد معولاً عليه فى العلاقه بين الخصوم سوى الحكم الصادر اولا فقط .
ومؤدى نص المادة 249 من قانون المرافعات – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – ان الطعن المبنى على قضاء حكمين انتهائين يصح متى كان قضاء الحكم المطعون فيه – سواء قضى فى اصل الحق او فى طلب وقتى – قد ناقض قضاء سابق حاز قوة الامر المقضى بان لم يعد قابلا للطعن فيه بطرق الطعن العادية وحسم مسألة كليه شاملة ثار حولها النزاع بين طرفى الخصومة واستقرت حقيقتها بينهما بالفصل فى منطوق هذا الحكم او فى اسبابه المرتبطه بالمنطوق .