ترسيخ الفساد الإداري

كتب / د.عادل عامر

يوجد شبه إجماع على أن الفساد الإداري يمثل أهم المشكلات والصعوبات التي تعترض برامج وخطط التنمية وأن أثار الخطط السلبية لا تقتصر على المجتمعات النامية بل تمتد إلى كل المجتمعات إلا أن الفساد الإداري يكون أكثر أثراٌ في المجتمعات النامية والتي تعاني من ضعف البنيان المؤسسي وغياب المشاركة الديمقراطية

 و تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها .

وهنا نسلط الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره، أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة ثم نعرض تجارب بعض الدولة في مكافحة الفساد الإداري محاولين تسليط الضوء على خصائص وإبعاد هذه التجارب والآثار السلبية الناتجة عنها ثم نأتي إلى وضع ابرز الحلول والمعالجات الموضوعية للحد من تأثير هذه الظاهرة على المجتمعات البشرية.

والتركيز على قانون إعادة المفصولين والمتضررين السياسيين كمظهر من مظاهر الفساد الإداري والمالي في العراق .

إن مسألة الفساد ومنها الفساد الإداري ليست بمسألة رياضية أو معادلة يمكن احتسابها بالأرقام ليصل الشخص إلى فك رموزها وإعطاء النتيجة بأسلوب رياضي بحت بل هي مسألة تعود إلى ذات الشخص في مقاومتها (ضمن اطر البيت والحارة والدائرة والمجتمع )

إن مسألة الالتزام بالتشريعات السماوية في منع مظاهر الفساد ومعاقبة المفسدين  بالعقاب العاجل في الدنيا والأجل عند الحساب كقوله تعالى (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الإبصار) . يعتبر عاملاً مهماً لدى الكثيرين في عدم الولوج إلى هذا الدهليز المظلم والذي لن يجني منه المفسد إلا الخسران لذا لا نجد إن من يمارسون مظاهر الفساد قد اندفعوا لها بسبب عاطفي أو هدى نفس قد يزول في لحظة .

ولاشك إن المكاسب المادية والمعنوية التي يجنيها المفسد هي التي تدفعه لارتكاب مثل هذه الأفعال والتي قد تأخذ احد أو أكثر من مظاهره التالية :-

1-    الرشوة Bribry

وتعني حصول الشخص على منفعة تكون مالية في الغالب لتمرير أو تنفيذ إعمال خلاف التشريع أو أصول المهنة .

2-    المحسوبية Nepotism

أي أمرار ما تريده التنظيمات (الأحزاب أو المناطق والأقاليم أو العوائل المتنفذة) من خلال نفوذهم دون استحقاقهم لها أصلاً .

3-    المحاباة Favoritism

أي تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق كما في منح المقاولات والعطاءات أو عقود الاستئجار والاستثمار .

4-    الوساطة

أي تدخل شخص ذا مركز (وظيفي أو تنظيم سياسي) لصالح من لايستحق التعيين أو إحالة العقد أو إشغال المنصب أو … الخ .

5-    الابتزاز والتزوير Black Mailing

لغرض الحصول على المال من الأشخاص مستغلاً موقعه الوظيفي بتبريرات قانونية أو إدارية أو إخفاء التعليمات النافذة على الأشخاص المعنيين كما يحدث في دوائر الضريبة أو تزوير الشهادة الدراسية أو تزوير النقود .

6-    نهب المال العام Embezzlement

والسوق السوداء والتهريب بأستخدام الصلاحيات الممنوحة للشخص أو الاحتيال أو استغلال الموقع الوظيفي للتصرف بأموال الدولة بشكل سري من غير وجه حق أو تمرير السلع عبر منافذ السوق السوداء أو تهريب الثروة النفطية .

7-    فساد يتقاطع مع الأنظمة والقوانين المتعلقة بنظام العدالة وحقوق الملكية والتسهيلات المصرفية والائتمانات وكذلك التمويل الخارجي   .

8-    الفساد في بيئة المجتمع / التلوث ودخان المصانع (وكانت للدول الصناعية الكبرى الأثر الأكبر في ظاهره الاحتباس الحراري) التي يمر بها العالم حالياً .

9-    التباطؤ في أنجاز المعاملات وخاصة المهمة والمستعجلة كمعاملات التقاعد والجنسية وجواز السفر ووثائق تأييد صحة صدور الشهادات أو الكتب الرسمية .

إما في العراق فقد بلغ الفساد الإداري والمالي خلال العامين السابقين مستوى قياسياً غير مسبوق ، الأمر الذي جعل العراق يحتل المركز الثالث عالمياً في هرم الفساد الإداري والمالي .

الجهات المسؤولة على مكافحة الفساد عالمياً :- حددت الجهات التالية كجهات دولية مهمتها مكافحة الفساد الإداري على نطاق عالمي وهي :-

1-    منظمة الأمم المتحدة :-

أصدرت الأمم المتحدة عدد من القرارات لمحاربة ومكافحة الفساد للقناعة التامة بخطورة الفساد وماله من مخاطر وتهديد على استقرار وامن المجتمعات وأصدرت أيضاً اتفاقية لمكافحة الفساد سنة 2004 وقد انضمت إليها كثير من دول العالم .

2- البنك الدولي :-

وضع البنك الدولي مجموعة من الخطوات والاستراتيجيات لغرض مساعدة الدول على مواجهة الفساد والحد من أثاره السلبية على عملية التنمية الاقتصادية .

3- صندوق النقد الدولي :-

لجأ صندوق النقد الدولي إلى الحد من الفساد بتعليق المساعدات المالية لأي دولة يكون فيها الفساد عائق في عملية التنمية الاقتصادية . 

4- منظمة الثقافة العالمية :-

أنشأت هذه المنظمة سنة 1993 وهي منظمة غير حكومية (أهلية) تعمل بالشكل الأساسي على مكافحة الفساد والحد منه من خلال وضوح التشريعات وتبسيط الإجراءات واستقرارها وانسجامها مع بعضها في الموضوعية والمرونة والتطور وفقاً للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية .

تعتبر الشفافية الإدارية ( الحق في المعرفة والحصول علي المعلومة) الوجه الآخر لحرية الرأي والتعبير، فهو الماء اللازم لحرية الرأي والتعبير والذي إذا تأثر أو أختل تأثرت هذه الحرية بالتبعية، فحرية الرأي والتعبير وحرية الحصول علي المعلومة صنوان لا ينفصلان ومرتبطان ارتباط لزوم، فلا معنى لتقرير حرية الرأي والتعبير دون تقرير الحق في الحصول علي المعلومات، إذا لا يمكن تكوين العقيدة أو الفكر دون معلومات،

 وهو ما يحتوي ضمنيا على حق متلقي هذه الأفكار والآراء والمعلومات في وجود سبل ومنافذ تتدفق من خلالها، بعيدا عن التدخل من قبل الحكومة أو غيرها من الأفراد، فحرية التعبير لا تقتصر فقط على حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم وإنما تشمل أيضا حق تلقي الآخرين لهذه الآراء المُعبر عنها في حرية، والمشكلة الحقيقية التي تواجه مكافحة الفساد هي أن أكثر المجالات التي يتم فرض قيود عليها هو مجال المعلومات الحكومية، فلا شك أن التوفيق بين حماية أسرار الدولة وحرية المعلومات والشفافية الإدارية كآلية لمكافحة الفساد مطلبان متناقضان غالبًا

التطور التاريخي لمصطلح الشفافية الإدارية: إذا كانت الشفافية الإدارية من المصطلحات الحديثة علي مؤسسات الدول العربية بصفة عامة، إلا أن هذا المصطلح من المفاهيم الأساسية والراسخة في النظم الغربية، فمنذ تاريخ طويل ظهرت مطالب في دول العالم لفتح الباب أمام تدفق المعلومات في مجالي السياسة والاقتصاد، وقد تصدت السويد مبكرة لهذا الموضوع فأصدرت في عام ١٧٧٤ قانون خاص بالشفافية المعلوماتية؛

 إلا أن الأمر استغرق بالنسبة لباقي دول العالم ما يقرب من قرنين من الزمان قبل أن تبدأ بلدان أخرى بأن تحذو حذوها، خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية والتوسع في البيروقراطية الحكومية في كثير من البلدان، وظهور الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى والمنظمات الحكومية الدولية، التي يجعل لها من القوة ما يكفي لجعلها قادرة على حجب المعلومات عن الأفراد، وفي الوقت ذاته فإن الحرب الباردة التي سادت العالم أدت إلى ارتفاع درجة السرية في مجال الأمن الوطني؛ حتى جاء أبرز انتصار للشفافية الإدارية في القرن الماضي في صورة قانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية الذي صدر في عام ١٩٦٦، ثم من بداية عام 1980 ظهر دور منظمات المجتمع المدني في الدفع لإصدار تشريعات تخص الشفافية الإدارية وحرية تداول المعلومات حيث قامت بنشاطات وحملات طالبوا فيها بالحصول على معلومات من المنظمات الحكومية الدولية ،

 وفي أواخر الثمانينيات بدأت مناقشة ظاهرة الفساد من خلال عرض آثاره الضارة في عدة بلدان مثل الفلبين، وبنجلاديش، والصين، البرازيل، وفنزويلا ، وكيفية مكافحته ، والتي ظهر أن أهم وسائل مكافحتها الشفافية؛ إلا أن الانفجار الحقيقي للشفافية كمطلب عالمي جاء في عام1990 ، بعد نهاية الحرب الباردة ، وانتشار المعايير الديمقراطية، وزيادة قوة ومنظمات المجتمع المدني، والارتفاع المتزايد في وسائل الإعلام المستقلة، كل ذلك أدى إلى تكثيف الضغوط على الحكومات للكشف عن المعلومات لمواطنيها، وفي عام ١٩٩٣ تم إنشاء منظمة الشفافية العالمية

Transparency International)، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى محاربة الفساد بكل أشكاله من خلال تعزيز الشفافية الإدارية، ونتيجة للإيمان بأن الفساد ينتهك حقوق الإنسان ويهدد جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

مفهوم الشفافية الإدارية: الشفافية الإدارية هي المرادف لما يعرف الآن بالحق في المعرفة والحصول علي المعلومة والذي احتل مكانة كبيرة لدى منظمات المجتمع الدولي، وعلي الرغم من الاتفاق من الناحية النظرية بينهم علي أهمية الشفافية إلا أنه لا يوجد لها تعريف جامع شامل متفق عليه حتى الآن، فعرفت لغويا بأنها جاءت شف عليه الثوب يشف بالكسر (شفيفًا) أي رق حتى يري ما تحته وشفوفًا أيضا، وثوب (شف) بفتح السنين وكسرها أي رقيق و(الاشتفاق) شرب كل ما في الإناء وشفقه الهم أي هزله، وهى ترجمة للمصطلح الأجنبي ( Transparence) الذي يعنى الطريقة النزيهة في عمل الأشياء التي تكمن الناس في معرفة ما نقوم به بالضبط، أي ما يمكن الرؤيا من خلاله أو ما لا يمنع الرؤيا، وما لا يحجب أو يستر أو يمنع مثل الزجاج

، وعرفها البعض فقهيًا بأنها:” المبدأ الذي يتيح للمتأثرين بقرار إداري أو تجاري أو خيري معرفة ليس فقط الحقائق الأساسية، ولكن معرفة آليات وإجراءات وأسباب اتخاذه” ، وعرفها البعض الأخر بأنها: ” أن تعمل الإدارة العامة في بيت من زجاج كل ما به مكشوف للعاملين والجمهور، وذلك بأن تتضمن الأنظمة التي تعمل من خلالها الإدارة الوسائل اللازمة التي تكفل العلم والمعرفة للكافة بحقيقة أنشطتها وأعمالها بالإفصاح والعلانية والوضوح وبالتالي القدرة علي مساءلتها ومحاسبتها

، وعرفها جانب آخر بأنها:” وضوح التشريعات وسهولة فهمها، واستقرارها وانسجامها مع بعضها، وموضوعاتها، ووضوح لغتها، ومرونتها وتطورها وفقًا للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وبما يتناسب مع روح العصر، إضافة إلى تبسيط الإجراءات، ونشر المعلومات والإفصاح عنها وسهولة الوصول إليها بحيث تكون متاحة للجميع

، كما عرفها جانب أخر بأنها:” حرية تدفق المعلومات بحيث تكون العمليات والمعلومات في متناول المواطنين” ، وعرفها جانب أخر بأنها:” أعلى قدر من إتاحة المعلومات المصرح بنشره سواء ذات الطابع الإيجابي أو السلبي بدقة فائقة، وفي الوقت الملائم، وبوضوح شديد للرأي العام؛ لدعم جميع القرارات العقلانية وردود الأفعال المنطقية تجاه المنظمة خلال خضوعها لعملية المحاسبة المجتمعية العامة لأعمالها، وسياساتها وقراراتها

، وعرفها جانب أخر بأنها:” استجابة الحكومة لحقوق المواطنين وغيرهم في الاطلاع علي المعلومات المتعلقة بأداء الحكومة وكيفية اتخاذ القرارات خاصة تلك التي لها علاقة بالشأن العام وتمس حياة المواطنين

، وعرفها البعض من خلال المجال المستخدمة فيه الشفافية بأنها:” بأنها حرية تدفق المعلومات معرفُة بأوسع مفاهيمها، أي توفير المعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم، واتخاذ القرارات المناسبة، واكتشاف الأخطاء، ومن الناحية السياسية تعنى الشفافية منظومة من الإجراءات التي تمكن الناس من ملاحظة تصرفات السياسيين؛ أما محاسبيًا فقد عرفت بأنها تلك الكشوف التي تستعمل وتستخرج المعلومات المطلوبة منها بسهولة؛ ومن الناحية المالية فقد عرفت بأنها إطلاع الجمهور على هيكل القطاع العام ووظائفه والنيات التي تستند إليها السياسات المالية العامة وحسابات القطاع العام والتوقعات الخاصة بالمالية العام

وهناك تعريف نري أنه جامع شامل لمفهوم لشفافية الإدارية، والذي عرفها بأنها:” التزام الإدارة بإشراك المواطنين في إدارة الشؤون العامة التي تمارسها الإدارة لصالح ولحساب المواطنين، مع الالتزام باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي تضمن تزويد المواطنين بالبيانات والمعلومات الصادقة عن كافة خططها وأنشطتها وأعمالها ومشروعاتها وموازنتها ومداولاتها، وإعلان الأسباب الواقعية والقانونية الدافعة لها وتوضح طرق وإجراءات مساءلة الإدارة عن أوجه القصور أو المخالفة وإقرار حق عام بالاطلاع والوصول غير المكلف لمعلومات ووثائق الإدارة كأصل عام

مستويات الشفافية الإدارية: تعمل الشفافية الإدارية وفق مستويان الأول: يطلق عليه المستوى الذاتي، والثاني: يطلق عليه المستوى الشمولي، والمستوى الذاتي: يشمل على شفافية التشريعات والقوانين والإجراءات الإدارية، فيجب على الجهة الإدارية أن تعلن عن كافة القوانين واللوائح المعمول بها لكافة المواطنين والأفراد، ويجب تقييم الأداء لجميع الأفراد العاملين بالجهة الإدارية وبصورة منتظمة، ويجب أن يكون الاختيار والتعيين مبنى على أسس ومعايير واضحة وبعيدة عن الوساطة والمحسوبية والمحاباة، ويجب توضيح الحقوق والواجبات للعاملين

 وتوفير الآلية الواضحة للوصول إليها، هذا بالنسبة للشفافية في القوانين؛ بينما الشفافية في الإجراءات فتتطلب توعية المواطنين حول طبيعة مهام الجهة الإدارية والواجبات التي ينبغي على الموظف والمواطن القيام بها، ويجب الإعلان عن حالات الإبداع والتميز الخاصة بالعاملين بالجهة الإدارية، وحالات التجاوز والفشل حتى يكون دافع ورادع لكل العاملين بالجهة الإدارية؛ والمستوى الشمولي: يتطلب أجراء لقاءات بصورة دورية ومنتظمة بين الأجهزة المركزية المعنية بالإدارة والرقابة تسودها روح الحوار والمشاركة وتعرض فيها آليات التنسيق والمتابعة من أجل تسهيل عمل هذه الأجهزة وابتعادها عن المخالفات ومحاربة الفساد بأشكاله المختلفة، مع تأكيد التزام الدولة بالقانون وتطوير وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والمحاسبية، وتقييم الأداء للقيادات الإدارية، مع إنشاء مركز خاص بالمعلومات والتوثيق خاص بجمع وتوثيق كافة الوثائق الإدارية وجعلها في متناول الجميع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيس الوزراء: نسعى بالشراكة مع إحدى المؤسسات العالمية أن يكون مستشفى أورام دار السلام مركزًا على أعلى مستوى

كتبت مني جودت أدلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات تليفزيونية، اليوم السبت حيث أشار ...