النقل والعدالة الاجتماعية
نشرت بواسطة:
كتب /د. عادل عامر
تعتبر نظم النقل عنصرا هاما من عناصر الاقتصاد القومي ، وتساهم مباشرة في بناء المجتمع وتحسين نوعية الحياة ، وبالتالي يجب على الدول توفير نظم النقل التي تحقق العدالة الاجتماعية والإنصاف بين الأجيال والأقاليم ، وتوفير الاحتياجات الأساسية للنقل التي تلبي احتياجات جميع السكان بكافة طبقاتهم الاجتماعية خاصة الفقراء ، ولكافة المناطق الحضرية والريفية على السواء .
إن الوصول إلى الأشخاص والأماكن والسلع والخدمات من الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لرفاهية المجتمعات ، ويعتبر النقل من الوسائل الأساسية لتحقيق ذلك ، ويجب أن يكون الوصول إلى الأشخاص والأماكن والسلع والخدمات بأقل تكلفة ، ويتم ذلك من خلال تحسين فرص التواصل بين الناس من خلال تنويع خيارات النقل ، وإعطاء الناس مزيدا من الخيارات لتلبية احتياجاتهم من النقل
وفي دراسة أجراها مؤخرا د. إدوارد قلاسير من جامعة هارفارد تبين أن 22% فقط من سكان أكبر المدن الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون على مسافة ثلاثة أميال من وسط المدينة الذي يمثل منطقة العمل الرئيسية، وما يقارب 80% من السكان يعيشون على مسافات تصل إلى 30 ميلاَ خارج المدينة، الأمر الذي يشكل عبئا كبيراَ على مدى استهلاك الوقود .
أما في أوروبا فإنك تستطيع أن تنهي أعمالك في جنيف في سويسرا لتصل إلى وسط باريس في فرنسا في أقل من ساعتين، ويقف بك القطار عند باب الشركة أو الفندق الذي تريده ، وذلك نتيجة اعتماد معظم المدن الأوروبية على شبكة مثالية من القطارات التي تربط جميع وسط المدن الأوروبية .
وقد أخذت بعض الدول العربية من التخطيط البريطاني مثل الإمارات والبحرين والكويت وعمان خصائص الطرق الضيقة والمتعرجة ولكنها تركت المهم فلم تبن شبكة القطارات فأصبحت تلك الدول تعاني من ذلك التخطيط الأوروبي وطرقه الضيقة وأزمات المواقف وتتجه نحو الطرق السريعة الواسعة والتخطيط الأمريكي وهو ما نلاحظه الآن في العالم العربي ، ” مع الإشارة إلى مبادرة إمارة دبي في إنشاء أول خط مترو في الخليج العربي والذي وضع في الخدمة اعتبارا من هذا الشهر سبتمبر 2009 ، واعتماد خطة النقل البري لإمارة أبو ظبي 2030 التي تحتوي على إنشاء خطوط للمترو والترام والسكك الحديدية بنفس الوقت “
ويتبين مما تقدم أن حلول مشكلات الطاقة ترتبط بشكل وثيق بمدى التحكم في نمو المدن وإيجاد حلول ودعم للنقل العام وشبكة القطارات بين المدن الكبرى والموانئ . وذلك من خلال التوازن بين نمو المدن وحدود مقوماتها من الخدمات العامة والبنية التحتية والموارد من الماء والكهرباء ، وأن نعي أن العودة إلى التخطيط الإسلامي للمدن بجعل الأحياء مركزة بخدماتها لاحتواء الحركة داخلها وأن يكون الجامع وسط الحي وتحيط به المدارس وساحة عامة للتبادل التجاري وسد الاحتياجات اليومية لسكان الحي قد يكون أحد أهم الحلول الواجب اتباعها في هذا الشأن
إن استخدام الطاقة ضرورة لازمة للتنمية الاجتماعية الاقتصادية ، ويعتبر النقل وهو القطاع الأكثر استهلاكا للطاقة أحد التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية المستدامة ، حيث يسبب النقل التلوث الذي يؤثر سلبيا على البيئة على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي ويضر بصحة الإنسان ، وهذه معضلة طالما حيرت البلدان في شتى أرجاء العالم ، والتحديان الرئيسيان اللذان يواجهان قطاعي الطاقة والنقل يتمثلان في الاعتماد على وقود أنظف على نطاق أوسع وتحويل وسائط النقل إلى أشكال أنظف وأكثر كفاءة .
وقد اتفقت الدول في مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة على ضرورة العمل على زيادة إمكانيات الحصول على مصادر للطاقة زهيدة التكلفة ، كما قررت الدول أن تعمل على تحسين كفاءة الطاقة ، والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة، واستخدام تكنولوجيات الطاقة المتقدمة الأكثر نظافة، وتنفيذ استراتيجيات للنقل تخدم التنمية المستدامة ، والحد من تدابير الدعم الضارة بيئيا وتشجيع استخدام أنواع أنظف من الوقود
وتعتبر طريقة أو نمط التخطيط الحضري احد أهم العوامل المؤثرة على نظم النقل الحضري وحجم اعتماده على الطاقة ، فالتخطيط الأوروبي قائم على نظم النقل المعتمدة على شبكات القطارات والتركيز العمراني حول مراكز المدن ، في حين يعتمد التخطيط الأمريكي على الطرق السريعة الواسعة وعلى الامتداد العمراني الأفقي ، حيث تم تخطيط أكثر المدن في الولايات المتحدة بطريقة توجب الاعتماد على السيارة في حياة سكانها وأصبحت تلك المدن تنمو وتتوسع بشكل أفقي لعشرات الأميال .
تعتبر الأضرار البيئية الناجمة عن استخدام وسائل النقل على عموم أشكاله وصوره وخاصة المركبات الخاصة والعامة ، من اخطر الأضرار التي تهدد حياة الإنسان ( لا بل تهدد الكرة الأرضية عامة بكافة مخلوقاتها ونظامها البيئي المتكامل ) كما تعتبر هذه الأضرار من أكبر المشاكل والتي تمثل التحدي الكبير للمسؤولين السياسيين ولكافة المشتغلين والمتخصصين بكافة العلوم التطبيقية الحالية والمستقبلية ومنها ما يعرف حاليا بعملية تخطيط النقل المستدام كأحد فروع التنمية المستدامة .
عناصر تقييم كفاءة نظام النقل الحضري في برنامج وني وهاتري :
1- النسبة المئوية للسكان ضمن نطاق موقع خدمات النقل ( المحطات ) :
وبموجب ذلك تحسب نسبة السكان الواقعة ضمن مسافة (5 – 10) دقائق سيرا على الأقدام لكل محطة ، كما يتم حساب نسبة السكان القاطنين خارج هذه المسافة والتي تعد بأنها فاقدة لسهولة الوصول الي خدمات النقل العمومي .
2- قناعة المواطن بالنقل :
وترتبط درجة القناعة والرضا بالجهد المطلوب للانتقال إلى مواقع محطات النقل العام وبالوقت المستغرق للوصول إليها، وتصنف البيانات على أساس المستفيدين مقابل غيرهم ، ونسبتهم من مجموع المستجيبين للاستبيان .
3- الوقت المستغرق للانتقال :
وهو من أهم المعايير ، حيث تحدد المناطق التي تنتهي عندها خطوط النقل ، ثم تحدد مسارات الخطوط الي مختلف المناطق السكنية . بعد ذلك تختار خطوطا معينة للدراسة الميدانية ، ثم يحسب الوقت المستغرق لكل خط باعتماد وسائط النقل العمومي ، والخاص ، وفي مختلف الأوقات من اليوم ومن الأسبوع ومن السنة لقياس التذبذب في حركة النقل .
وإذا تطلب الأمر أكثر من وسيلة نقل فيجب اخذ ذلك في الاعتبار ( مثلا اعتماد النقل الخاص يتطلب حساب الوقت المستغرق للانتقال من مواقف السيارات الي الأماكن المقصودة في الرحلة ) .
4 – الازدحام :
يقاس الازدحام بمقارنة الوقت المستغرق في الرحلة بين مختلف الأوقات ، ويحسب التأخير بعدد الدقائق من بداية الازدحام حتى الخروج منه .
5 – نوعية سطح الطريق :
ذلك أن الطريق يعتبر عنصرا مهما من عناصر النقل وعلى الأغلب لا يكون تبليط الطرق بالمستوى نفسه في جميع أرجاء المدينة ، لأسباب مختلفة .
6- قناعة المواطن بواسطة النقل :
ويقوم هذا المعيار على العوامل التالية وهي :
– درجة ازدحام واسطة النقل العام
– درجة الحرارة والرطوبة داخل المركبة ، ومستوى الضوضاء ، ودرجة نظافة المركبة .
– عدد مرات توقف المركبة .
– التعرض الإجباري إلى ظروف الجو المختلفة .
وتعتمد الاستبيانات الـمنزلية و داخل واسطة النقل لقياس هذا المعيار .
7 – نسبة الحوادث المرورية :
وتعتمد إحصاءات الشرطة والمرور ، وقد تكون هذه اقل من الواقع فيما يتعلق بحوادث المشاة والجروح البسيطة لعدم الإبلاغ عنها، وتتم المقارنة بين المناطق السكنية على أساسها ، مع الأخذ بالاعتبار أن إحصائيات الشرطة تكون في الغالب على أساس عنوان الضحية وليس مكان وقوع الحادث . إضافة الي أن التفاصيل التي تذكرها سجلات الشرطة متباينة بين الوحدات الإدارية .
8 – عدد الجرائم المرتبطة بوسائل النقل :
مثل النشل والسرقة والاعتداءات التي تحدث أثناء سير الحافلات آو عند توقفها خاصة في حالتي الازدحام الشديد أو قلة عدد الركاب ، وتؤخذ المعلومات من سجلات الشرطة وتقارن الـمناطق على أساس نسب الجرائم الي السكان .
9 – كلفة الرحلة :
وتقسم الكلف إلى مباشرة يتحملها الراكب وغير مباشرة ، وكلف مادية وغير مادية / تلوث الهواء مثلا وتحسب الكلف المادية كنسبة لكل وحدة مسافة وحسب نوع واسطة النقل وتقارن المناطق السكنية على أساس الخطوط التي تربطها مع مركز المدينة ومع المناطق الأخرى وكلفها .
10 – مستوى الضوضاء :
التي يتعرض لها غير راكبي المركبات ، و تقاس عادة أما بأجهزة قياس خاصة أو من خلال استبيان . وتقاس الضوضاء في أوقات محددة ومواقع معينة مسبقا ، وتقارن نسبها بين المناطق السكنية المختلفة . ويكون قياسها في المواقع الترفيهية ، خارج المنازل ، المكاتب ، مجمعات الفنادق ( القريبة من خطوط النقل السريع على وجه الخصوص) ، قرب المستشفيات و المدارس .
ويبدو أن مسح الضوضاء عن طريق الاستبيان غير موضوعي عند قياس مستويات الضوضاء المطلقة التي يعاني منها ويتعرض لها الساكنون ، ولكنها تعد مقبولة إذا كان الهدف تحديد المناطق التي تتعرض الي الضوضاء .
11- تلوث الهواء بسبب وسائط النقل :
ويتم بطريقة دورية على طول الطرق الكثيفة المرور ، ومن خلال تحديد نسب التلوث في الأماكن المدروسة كعينات تحدد المناطق ذات التركيزات العالية التي تؤثر على صحة الأنسان وحياته .
ويكون القياس الأفضل بمعرفة عدد الأفراد الذين يتعرضون الي تركيزات اعلى من الحد المسموح به .
12 – كفاءة خدمات النقل :
وهي النتيجة الحاصلة من خلال عناصر التقييم السابقة ، وتتم بالمسح الميداني لاستطلاع أراء السكان أما في وسائط النقل أو في منازلهم ، وبشكل دوري ( سنويا على الأقل ) .
2023-08-13