كتب د/ عادل عامر
حققت المجتمعات النامية فى القارة الأفريقية تقدماً ملحوظاً ومتنامياً في العديد من المجالات عقب عدة عقود من حصولها على الاستقلال والتحرير من براثن الاستعمار، من بين هذه المجالات إرساء نظم حوكمة مستقرة، ووضع منظومة للتعليم والإنتاج الاقتصادي. وقد سارت عجلة التنمية على نحو مطرد في العديد من هذه البلدان، الأمر الذى أدى الى تحسين مستوى المعيشة لمواطنيها غير أنه من الواضح أن التركة الاستعمارية وغيرها من الموروثات الاستغلالية قد خّلفت بصمات عميقة على التحديات الإنمائية والتي لم يسع البلدان الأفريقية التغلب عليها في معظم الحالات على مدار أكثر من نصف قرن منذ حصولها على الاستقلال وحق تقرير المصير، مما شكل عائقاً أمام تحقيق التنمية الشاملة،
خاصة على صعيد التعليم العالي. عزى الى تفاقم الصراعات ولعل ذلك ي الداخلية والإقليمية، و ضعف الحوكمة والقيادة ، والفساد، وإهدار الموارد. فضلا عن أن حجم التحديات التى تعوق حركة التنمية فى معظم الاحوال كان هائلا،ً ولا يتناسب مع طبيعة وحجم الموارد المتاحة للتصدي لها على نحو ُ كاف وبصورة مستدامة. وبينما كانت الغاية الجوهرية للتعليم العالي في أفريقيا في القرن الحادي والعشرين تكمن فى اتاحته وزيادة أعداد الحاصلين عليه مع ضمان جودته بشكل كبير ، فقد تحسنت فرص الاتاحة وإمكانية الالتحاق بمؤسسات التعليم العالى بالفعل كرد فعل طبيعى للطلب الاجتماعي المتزايد عليه، وزيادة عدد
مؤسسات التعليم العالي ودخول التعليم العالى ضمن نطاق الخصخصة، والتنوع في أنماط وأشكال التعليم العالي كظهور برامج التعليم عابرة الحدود، والتعليم المفتوح والتعليم عن بعد، والتعلم الإلكتروني وأشكال أخرى من التكنولوجيا المتطورة في توفير التعليم
. ومع هذا، لاتزال هناك بعض التحديات المرتبطة بتوفير تعليم عالى ذا جودة عالية. ولقد نشأت مثل هذه التحديات نتيجة للتغيرات في متطلبات سوق العمل وسبل مقابلة احتاجاته، الامر الذى ادى الى إستحداث وإدراج برامج جديدة استجابة لتلك التغيرات، ولمواجهة المنافسة المتزايدة بسبب العولمة و تدويل التعليم. وللتصدي لمثل هذه التحديات وضمان جودة التعليم، كانت هناك حاجة ملحة للتعاون من أجل إتاحة المزيد من برامج التنقل، وذلك من خلال برامج التبادل الطلابي والتعاون الدولي لتحسين مستوى الحراك وتحسين التنوع فى اشكال وصور التعليم العالى المتاح.
إن تبنى المعايير الأفريقية لضمان جودة التعليم العالى QA-ASG يعد صمام الامان نحو توفير تعليم عالى ذا جودة عالية؛ ليس ذلك وفقط بل يعد تبنيها ركيزة لضمان الاتساق بين متطلبات البرنامج ورسالة المؤسسة والمؤهلات والدرجات الممنوحة
. ولقد انصب جل إهتمام القارة الافريقية – على مدار عدة عقود – فى تطوير التعليم على التعليم الاساسى، غير أنه أصبح من المسلم به أن الاستثمار في التعليم العالي هو ركيزة من ركائز النهضة لاى أمة حيث تحتاج الاقتصادات النامية إلى قدرات بشرية ماهرة وعالية المستوى لتحديد وتعظيم الاستفادة من الفرص الناجمة عن تزايد العولمة، والاستفادة من التطورات السريعة في مجال التكنولوجيا والمعرفة والرؤى المتطورة، والتي تتدفق في الغالب من خلال التعليم العالي. ومن منظور تنموي يهدف تعزيز المؤسسات الديمقراطية وأنظمة الحكم والحفاظ على الثقافات المتعددة والمتنوعة والتي تستمد أيضاً مصادرها من قطاع التعليم العالي. ولعل زيادة فرص التعاون، وتبادل الموارد والمصادر ، الوصول لجداول أعمال مشتركة في التعليم العالي يصب في صالح القارة الافريقية قاطبة. ومثل هذه الخطوات لايعد أمرا حتمىا على صعيد تعزيز التعليم العالي فحسب ولكنها تخدم مصالح أفريقيا بوجه عام.
ومجمل القول أن الغاية تكمن فى تحقيق قدر أكبر من تعددية الأطراف دون
المساس بالسيادة.
إن أكبر التحديات التي تواجه القارة ونظمها للتعليم العالي هو كيفية تمكينها لتتولى زمام شئونها بنفسها، وان لا أن تظل قارة نامية تعتمد على المساعدات إلى الأبد. وحتى يتحقق ذلك يتعين على أفريقيا من أجل تحريركامل إمكاناتها والعمل بشكل تعاوني في المصلحة القارية وتحقيق تطلعاتها
تنفيذ ما يلي:
)1( إطلاق العنان لقدراتها للاعتماد على الذات في توفير التعليم العالي، على سبيل المثال، بخلق نظام للحوكمة والإدارة القويمة لمؤسسات التعليم العالي؛
)2( ضمان التوزيع العادل للموارد وزيادة تكافؤ الفرص للجميع للحصول على التعليم العالي من خلال إقامة علاقات وبرامج متعددة الأطراف حيث ستشجع المشاريع المشتركة أو التعاونية لضمان الجودة والحراك والتبادل وتجميع الموارد والإمكانات لصالح التعليم العالي.
وتعد مؤسسات التعليم العالي أحد أهم الوسائل الحيوية لتحقيق هذه التطلعات. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف على النحو الأمثل، فإن هناك متطلبا قبليا أساسياً يجب تحقيقه وهو أن تتمحور جميع أنشطة مؤسسات التعليم العالي حول ثقافة الجودة. ومن هنا يبرز دور ضمان الجودة في دعم المؤسسات ونظم التعليم العالي في أفريقيا في مواجهة تحديات التعليم العالي.
2.1 الغاية
من المتوقع أن تدعم المعاييرالأفريقية لضمان جودة التعليم العالي –ASG QA مؤسسات التعليم العالي وهيئات ضمان الجودة في أفريقيا في:
– تطبيق الممارسات الجيدة لضمان الجودة؛
– وتطبيق المعايير والإرشادات التي تضعها السلطات المختصة في التعليم العالي؛
– تطوير آليات لضمان الجودة الداخلية بمؤسسات التعليم العالي بما يتناسب مع أفضل الممارسات العالمية؛ – ومساعدة مؤسسات التعليم العالي في تنفيذ عمليات تقييم الجودة الخاصة بهم من خلال التقييم الذاتي. ولذا فإن الهدف الجوهري للمعايير الأفريقية لضمان جودة التعليم العالي QA-ASG يكمن في دعم مؤسسات التعليم العالي وهيئات ضمان الجودة
في أفريقيا ل:
)أ( وضع إطار وفهم مشترك لأنظمة ضمان الجودة للتعليم والتعلم فيما بين جميع الجهات المعنية على المستوى القاري والإقليمي والوطني؛
)ب( زيادة الثقة المتبادلة، ومن
ثم تيسير الاعتراف والتنقل لدى الطلاب والموارد البشرية داخل الحدود الوطنية للقارة وعبرها؛
)ج( ضمان التحسين المستمر لنظم ضمان جودة التعليم العالي في القارة من خلال التقييم الذاتي والمراجعة الدقيقة من قبل مراجعين خارجيين وعمليات المتابعة والتقييم المستمر؛
)د( تعزيز الشفافية والمساءلة بتوفير المعلومات اللازمة بشأن ضمان الجودة للرأي العام؛
)ه( توفير الدعم الفني لمؤسسات التعليم العالي لبناء نظم جودة ونشر ثقافة الجودة والتنمية المستدامة؛
)و( تعزيز القدرة التنافسية الدولية لنظام التعليم العالي في أفريقيا.
والمعايير الافريقية لضمان جودة التعليم العالى QA-ASG هي مجموعة من المعايير والمبادئ الاسترشادية المتعلقة بضمان الجودة الداخلية والخارجية في مجال التعليم العالي. وليس المقصود أن تكون تلك المعايير حتمية، بيد أنها توفر خارطة طريق لتحقيق الجودة في مؤسسات التعليم العالي الأفريقية وهيئات ضمان الجودة.
3.1 المدخل المتبع في وضع المعايير والارشادات عرف المعاييرالأفريقية لضمان جودة التعليم العالي
ت QA-ASG على أنها الحد الأدنى من المعايير أو المتطلبات المشتركة التي يجب الاتساق معها ، بيد أن أى مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي وهيئات ضمان الجودة يحق لها إضافة معاييرتتجاوز الحد الادنى و التي من شأنها أن تعكس طبيعة وسياق المؤسسة وما يميزها. أما عن المبادءى الاسترشادية فهى بمثابة اجراءات تساعد على تحقيق المعايير وتسمح بتقديم أدلة تدعم وصف الوضع الراهن عن حالة الجودة في مؤسسات التعليم العالي وهيئات ضمان الجودة.
4.1 المبادئ والمنهجيات
يرتكز نجاح ضمان جودة التعليم العالي في أفريقيا QA-ASG: حول المبادئ التالية
)أ( الجودة وضمانها هما في المقام الأول مسؤولية مؤسسات التعليم العالي؛
)ب( احترام استقلالية وهوية ونزاهة مؤسسات التعليم العالي ؛
)ج( إمكانية تعديل وتكييف مؤسسات التعليم العالي وهيئات ضمان الجودة للمعايير لتلائم نظمها وسياقاتها الخاصة.
وتشمل المنهجيات المستخدمة في ضمان الجودة في التعليم العالي ما
يلي:
)أ( مشاركة ومناقشة المعايير مع الأطراف المعنية؛
)ب( مراجعة المعايير ومقارنتها بالمعايير الدولية؛
)ج( مراجعتها من مراجعين خارجيين من ذوي الخبرات الواسعة والمتنوعة.
5.1 المدى
تنطبق المعايير الأفريقية لضمان جودة التعليم العالي QA-ASG على جميع أنواع مؤسسات التعليم العالي في أفريقيا بصرف النظر عن نمط أو مكان الدراسة، بما في ذلك التعليم الوطني أو عبر الحدود، كما أن هذه المعايير والإرشادات معنية بالطلاب خلال دورة حياتهم الجامعية كاملًة، ومن ثم فهي تنضوي على الطلاب في المرحلة الجامعية الأولى أو مرحلة الدراسات العليا، ما لم يرد خلاف ذلك، بالإضافة إلى جميع العاملين بالجامعات، بداية بالأكاديميين والباحثين والإداريين وحتى عمال الدعم التقني والفني، ما لم يرد خلاف ذلك.
كما ينبغي تطبيق المعايير الأفريقية لضمان جودة التعليم العالي في إطار المؤهلات القائم ونقل الاعتماد والنظام التراكمي في القارة، حيث إنها تعمل أيضاً بمثابة العامل المحفز لتعزيز الشفافية والثقة المتبادلة في قطاع التعليم العالي.
يتم عرض المعايير والإرشادات في ثلاثة أجزاء:
– الجزء الأول: و يركز على ضمان الجودة الداخلية )IQA )لمؤسسات التعليم العالي؛
– الجزء الثاني: ويصف المنهجيات )أو المعايير( المستخدمة لضمان الجودة الخارجية )EQA)؛
– الجزء الثالث: يلقي الضوء على ضمان الجودة الداخلية لهيئات ضمان الجودة )QAAs)، ويشمل الجزء الأول جودة برامج التعليم المفتوح والتعليم عن بعد )ODL )التي تنفذها تلك المؤسسات، وفي الوقت الذي تستخدم فيه هيئات ضمان الجودة المبادئ والممارسات والمنهجيات والمعايير والإرشادات لضمان الجودة الخارجية عند اعتماد أحد البرامج أو عمل مراجعة مؤسسية/اعتماد أحد مؤسسات التعليم العالي، فإنها تقدر أيضاً معايير ضمان الجودة الداخلية والإرشادات التي تستخدمها مؤسسات التعليم العالي. ومن ثم، فإن الجزء الثاني يقرر معايير الجزء الأول، وبالتالي يتم التحقق من أن العمل الداخلي لمؤسسات التعليم العالي يسير وفق معايير ضمان الجودة الداخلية التي يتبنوها، وبالمثل، فإنه يجب على المؤسسات أيضاً إدراج المعايير والإرشادات الخاصة بضمان الجودة الداخلية خاصة عند القيام بالدراسة الذاتية وكتابة التقرير أثناء الأعداد لاعتماد أحد البرامج أوالقيام بالمراجعة المؤسسية/الاعتماد من قبل هيئات ضمان الجودة.
ومجمل القول لا ینبغي النظر إلی الأجزاء الثلاثة من مجموعة المعايير والإرشادات الأفريقية لضمان جودة التعليم العالي QA-ASG كأجزاء منفصلة بل ککل متكامل لأنھا سويا تشکل الأساس لإطار ضمان الجودة الأفریقي، وتعد هذه المعايير والإرشادات بمثابة خارطة طريق لتحقيق الجودة في
مؤسسات التعليم العالي الأفريقية وهيئات ضمان الجودة