القرارات الاقتصادية الواجبة اتخاذها الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية
نشرت بواسطة:
كتب /الدكتور عادل عامر
إن مصر أمام تحديات صعبة تستوجب مضاعفة الجهود الحالية لضبط الإنفاق، وكسب ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية على حد سواء، عبر إصلاحات جادة تفضي إلى نتائج سريعة على أرض الواقع، معتبرين أن أول الحلول التي تكفل تسوية أزمة البلاد، ضبط الإنفاق الحكومي، والعمل على زيادة حصيلة النقد الأجنبي. أن حجم التضخم العالمي وصل الآن إلى 9%، وهناك دول متقدمة تتمتع باقتصاد مستقر لم يكن التضخم بها يبلغ 1% أو 2%، لكن الآن نرى معدل التضخم يصل بها إلى 9%، مستعرضا خريطة توضح نسب التضخم في مختلف دول العالم، والتي توضح أن مصر في الفئة الواقعة ما بين 6 إلى 10 %، كما أن هناك دولا تجاوزت نسبة التضخم بها 25%، بل وصل إلى 50% و60% في دول أخرى.
تبنّت مصر خطة إصلاحية من صندوق النقد الدولي تضمنت الإعلان في يناير عن عزمها طرح حصص في الشركات والبنوك الحكومية الناجحة في البورصة في المرحلة المقبلة.وفي مارس كشفت الحكومة المصرية عن نيتها طرح حصص في 23 شركة في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه خلال 24 إلى 30 شهرا. لكن تلك الخطط ظلت حبيسة التنفيذ طوال السنوات الماضية
واستعاضت عنها مصر بالتوسع في الاقتراض، وجذب الأموال الساخنة (الاستثمارات الأجنبية في أذون الحكومة المصرية وسنداتها) كبديل سريع حتى بلغت 33 مليار دولار في أغسطس 2021.بسعي الحكومة لتعظيم دور القطاع الخاص لكنه يتساءل عن ما إذا كان هذا الوقت مناسبا، لطرح بعض الأصول التي تملكها الدولة في البورصة في ظل حالة عدم الاستقرار المالي والاقتصادي.
لذلك لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية يجب :
رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في السنوات الثلاث القادمة. إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي لمدة 4 سنوات.قد تكون بعض حالات الانخفاض والارتفاع المتواضعة للجنيه في الأسابيع المقبلة علامة على أنّها تعكس العرض والطلب بشكل أكثر دقة، كما أنّ الاستئناف المطّرد لبعض الواردات، بعد تسوية التأخير في الموانئ المصرية، من شأنه أن يُظهر تحسّن تدفقات النقد الأجنبي والضغط على تخفيف الجنيه”.
طرح 10 شركات تابعة للقطاع العام في البورصة منها شركتان تابعتان للقوات المسلحة. دمج أكبر 7 موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة وأكبر الفنادق المميزة كذلك لطرح نسب منها في البورصة.النزول بالدين العام من 86% إلى 75% على مدار 4 سنوات حتى 2026. تحقيق فائض أولي هذا العام لا يقل عن 1.2% من الناتج المحلي، وخفض العجز في الموازنة إلى 6.2% هذا العام.
ضرورة التحرك السريع لكسب ثقة المستثمرين الأجانب، بالتالي زيادة حصيلة البلاد من النقد الأجنبي من خلال “ممارسات وشواهد على الأرض”، خصوصاً في ظل وجود عجز يقارب 10 مليارات دولار.كذلك، ذهبت الحكومة المصرية إلى تخفيف إجراءات الاستيراد، وأعلن البنك المركزي وقف آلية العمل بـ«الاعتمادات المستندية» والعودة إلى صيغة مستندات التحصيل بهدف تسهيل حركة الاستيراد، ومن ثم ضبط معادلة العرض والطلب.أن تكون أكثر مبادرة وشفافية مع الشعب حول وضع المالية العامة وكيف تعتزم معالجتها. على الحكومة أن تتحاشى تبني سياسات جديدة دون التشاور مع مؤسسات الدولة وتحضيرها. إشراك نطاق أوسع من فعاليات الأعمال والمجتمع المدني في مشاوراتها حول السياسة الاقتصادية، أصبحت العملة المصرية أكثر مرونة، لكن فترات الاستقرار الطويلة أعقبت اندفاعات من التقلبات وهبوطاً حاداً”.
وبشكل يتجاوز جمعيات الأعمال ونقابات العمال التي تعد حالياً الجهات الرئيسية التي تتحاور مع الحكومة مع تعويم الجنيه نزولا عند طلب صندوق النقد الدولي حتى يقبل بإقراض القاهرة 3 مليارات جنيه، أصبحت العملة المصرية أكثر مرونة وقد سبق وأن شهدت فترات استقرار طويلة نسبيا بعد تعرضها لتقلبات وانخفاضات في قيمتها. يؤدي التضخم الاقتصادي المتسارع، الذي لا يُظهر أيّ علامة على التراجع أو التباطؤ، إلى زيادة البؤس على أكثر من 100 مليون شخص في مصر.
إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية في يناير بأسرع وتيرة على الإطلاق، وفيما تقول الحكومة إنّ “معالجة الارتفاع يمثل أولوية قصوى”، بدأت العائلات في تقليص نفقاتها، وتمّ تقديم خصومات خاصة بفترة شهر رمضان في وقت مبكر.
وتدرك السلطات المصرية المخاطر، إذ ساعدت تكاليف المعيشة المتزايدة في اندلاع انتفاضات ما عرف “بالربيع العربي” منذ أكثر من عقد بقليل، وكان لمصر حظّ كبير منها، ويتوقع أنه عندما يبدأ التضخم في التباطؤ، ربما في النصف الثاني من عام 2023 على أقرب تقدير، قد يكون ذلك مؤشراً يوفّر بعض الراحة على المدى القريب.
إن التخلي عن استعمال التمويل الخارجي واحتياطي البنوك من النقد الأجنبي لحماية الجنيه قد يكون الحل. لأن المستثمرين لن يضخوا مزيدا من الأموال على شكل سندات أو أصول إذا لم يضمنوا عدم تهاوي الجنيه مجددا.أن النظام يدرك المخاطر جيدا فهو يعي أن ارتفاع تكاليف المعيشة قد ساهم في اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل أكثر من عقد بقليل.
بأنه في حال بدأت نسبة التضخم في التراجع وسيكون ذلك على الأرجح في السداسي الثاني لهذا العام، فإن الأمور قد تشهد بعض التحسن.نحتاج لمراجعة أولويات الإنفاق العام، والحد من صرف مواردنا المحدودة في مشروعات غير مطلوبة بشكل عاجل أو غير واضحة التكلفة ولا العائد، وتوجيه المزيد منها نحو المشروعات القومية التي يستفيد منها الناس بشكل مباشر وتسهم في رفع مستويات معيشتهم، مثل برنامج (حياة كريمة) الذي يعبر عن التوجه المطلوب»
.«نحتاج للتوقف عن الحديث عن تشجيع الاستثمار وتحسين مناخه والإعلان عن تسهيلات وحوافز هامشية وغير مؤثرة، بينما سلوك البيروقراطية طارد للاستثمار، والتدخلات من مختلف الجهات كفيلة بإحباط أكثر المستثمرين تفاؤلاً وحماساً. المطلوب هو توجه داعم من كل جهات الدولة، واقتناع بأن نجاح الاستثمار الخاص هو ما يوفر لنا فرصاً للعمل وحصيلة ضريبية وزيادة في التصدير وتنمية مستدامة».إذا كان هناك تفاعل بين المشروع المباشر والنشاطات الأخرى التي ينطلق فيها الأفراد والقطاع الخاص باستقلالية هنا تكون الفائدة. زيادة عدد المشروعات من الناحية التراكمية ليست خطأ فهي مفيدة للاقتصاد والبنية التحتية بالطبع لكنها لا تدعم الاقتصاد الحقيقي كالصناعة التحويلية والزراعة.
حتى صندوق النقد عندما منح ثلاثة مليارات دولار في آخر اتفاق جديد منح مصر الحد الأدنى بل كان على وشك أن يرفض الإقراض، وهذا دليل أيضا أن صندوق النقد ومن يقف وراءه لم يعودوا قادرين أو مستعدين لتقديم دعم مالي لا محدود أن هذا القرض البسيط أعطي كمفتاح لفتح الطريق أمام مصر للحصول على سبعة عشر مليار دولار قروض جديدة من مصادر دولية أخرى غير الصندوق.وتمكن الاقتصاد المصري من الصمود بفضل صندوق النقد الدولي. ووافق الدائن الدولي، العام الماضي، على إقراض مصر 3 مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وقدم في ديسمبر 2022 الشريحة الأولى من تسع شرائح. لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن خطة الإنقاذ ليست كافية لسد فجوة التمويل التي تواجهها مصر في السنوات المقبلة، حيث تسعى إلى سداد ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.