كتب د/ عادل عامر
يمكننا تعريف العنف القانوني على أنه : التمييز ضد النساء على أساس النوع الاجتماعي، في الدساتير أو القوانين الوطنية، مما يخلف أذية للنساء، فبالإضافة لعدم عدالة هذه القوانين ومساواتها للجنسين، فإنها تكون السبب بحد ذاتها بضرر نفسي، أو جسدي، أو اقتصادي، أو جنسي ..إلخ، ويظهر هذا التمييز بأوضح أشكاله في قوانين العقوبات، والأحوال الشخصية، خصوصًا في المنطقة العربية التي لم تحقق حتى الآن، تقدمًا ملموسًا في الحد من التمييز ضد المرأة.
ترى الدراسات التي تناولت أشكال العنف ضد الزوجة بأنه يتراوح بين الكلام غير اللائق) الخشن) والألفاظ النابية وتدرجاً إلى الشتائم ثم الضرب ( من الخفيف إلى الضرب المبرح) ففي دراسة (بنة بو زبون) في البحرين التي توصلت فيها إلى أن الإهانات والشتائم تكررت بمقدار 25 بنسبة مئوية مقدارها 14،4 % في عينتها البالغة 605 امرأة بحرينية متزوجة ، أما الضرب الخفيف الذي يلي استخدام الآلفاظ والشتائم حيث بلغ 10,4% ، وكانت هناك أساليب أخرى لا تقل قسوة عن الأساليب المألوفة ومنها الحرمان من الضروريات ، والتي شكلت بتكرارها 8،4% أما الحبس ومصادرة الحرية فكانت نسبته 7،3% ويلجأ احيانا الزوج لطرد الزوجة من السكن وكانت نسبتها 3،4% .
وترى الباحثة( بو زبون) في دراستها الموسومة العنف الأسري وخصوصية الظاهرة البحرينية بأن ” هناك أشكالاً مختلفة للعنف الموجه ضد الزوجة حيث تصاغ هذه الأنواع من العنف في شكل إيذاء لفظي أو نفسي أو جسدي . ويتصدر العنف بأكثر من شكل على بقية الأشكال منفردة إذ يحظى ذلك النمط بالنسبة الأعلى وربما أن هذه النسبة العالية جاءت نتيجة لطبيعة الأزواج واختيارهم لشكل العنف الذي يرغبون ممارسته ، أو يمارسونه دون دراية أو تخطيط مسبق على وفق أوضاعهم النفسية والمزاجية ، أو حسب ظروف الوقت والمكان الذي يمارس فيه ذلك العنف.
وتضيف (بو زبون) أن من أشد أنواع العنف حساسية وخطراً على الصحة النفسية للمرأة مع انه لا يترك آثاراً مادية عليها وهو النمط الذي يتم على صيغة الشتائم والسباب والإهانات الجارحة. ومما يزيد الوضع سوء وخطورة هو صعوبة إثبات مثل هذا النوع من العنف فيما إذا ارادت الزوجة مقاومته قانونياً
أما في الثقافات الأخرى ومنها الغربية فلم يكن أمر ضرب النساء سابقاً محسوباً كنوع من الجرائم في السويد ، حيث كان يحق للرجل أن يقوم بذلك في أي وقت يشاء وبأي الأنواع التي يرغب فيها ويمكن أن تطال الأطفال أيضاً وليس المرأة فحسب ، لكن في الوقت الحاضر أصبح الفعل جريمة يحاسب عليها القانون السويدي . والسبب يعزى إلى زيادة عدد النساء المتعرضات للعنف أو الآثار السلبية الكبيرة التي يمكن أن تنتج من هذا السلوك فضلا عن اهتزاز تقدير مكانة واحترام المرأة بين أفراد أسرتها أو في المجتمع.
السويد ومعالجة سلوك العنف ضد المرأة :
تعد السويد من الدول المتقدمة في معالجة سلوك العنف ضد المرأة بشكل عام ، والزوجة بشكل خاص ، حتى أنها سنت قوانين مشددة ورادعة ضد أي نوع من أنواع العنف بكل أشكاله ابتداء من سلوك العنف اللفظي الذي يتضمن الصمت إزاء عدم الرضا عن المرأة لغرض احتقارها أو اشعارها بالاستصغار ، أو الدونية ، أو اللامبالاة بما يصدر عنها من تصرف حتى وإن كان حكيما ، أو الشتيمة المعلنة ، أو المبطنة ، أو السلوك المشابه له . وعد سلوك الضرب أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون بشدة . وسجلت الإحصائياًت المتخصصة بهذا المجال في السويد نسب مختلفة في تقديرها لحجم هذه المشكلة والنسب تتباين هنا – في السويد- ما بين 1% إلى 12% خلال السنوات الخمس الأخيرة)
أن السويد تقود في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين برامج متخصصة نوعية وكمية في مساندة المرأة في كل قضاياها ابتداء من طبيعة مشاركتها مع الرجل في كل ميادين الحياة وانتهاء بحقوقها الكاملة المساوية للرجل لذا فإن هذا الحال يسري على كل من يحمل الجنسية السويدية ، أو من منح الإقامة الدائمة في السويد على حد سواء ، ولكن المشكلة تبرز هنا عندما تكون الأسرة مهاجرة من أصول شرقية وتحمل بعض القيم التي لا يستطيع الرجل أن يتقبل الوضع الجديد لزوجته أو أبنائه من الإناث أو الذكور في ممارسة حقوقهم الدستورية على وفق الدستور السويدي ، فتنشأ الهوة الكبيرة في أن يقوم الزوج مثلا بمنع زوجته من استمرار تعليمها :
أولا اللغة السويدية ، وثانياً التعرف على القوانين التي تضمن حقوقها في الدستور ومساواتها بالرجل على حد سواء . فالمرأة التي لا تتقن اللغة السويدية على سبيل المثال يزداد اعتمادها على زوجها ، أو إذا كانت ذات مستوى تعليمي أو ثقافي بسيط أو متدني فهنا يكون الاعتماد أكثر على الزوج في معالجة الأمور.
كما أن وجود عدد من الأطفال يدفع المرأة إلى محاولة الحفاظ على وحدة العائلة والتحمل من أجلهم رغم ما يمكن أن يتعرضوا له هم انفسهم – أي الأطفال – إلى آثار سلبية من جراء ذلك ، أن هذه الأسباب من الممكن أن تكون هي الدافع الاكبر في تردد المرأة أو عدم التبليغ عن ما تتعرض له من عنف من قبل الزوج (
فتلجأ لقبول الأمر الواقع داخل الأسرة على مضض فضلاً عن التنازل عن حقوقها المالية التي خصصتها الحكومة السويدية من إعانات أو لغرض العلاج الطبي ، أو المساعدات المالية للأطفال حيث يستولي عليها الزوج ، رغم أن الدولة السويدية تضع هذه المساعدات المخصصة للأطفال في حساب الزوجة وليس في حساب الزوج ولكنها لا تستطيع التصرف فيها خشية العقوبات أو التعرض للعنف من الزوج وكثيراً ما انتهت هذه المشاكل إلى تفسخ الروابط الأسرية وانتهاء الأسرة في نهاية المطاف إلى تشتتها .
الصحة النفسية ودلالاتها :
تعرف الصحة النفسية بأنها قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا يؤدي إلى التمتع بحياة خالية من التأزم والاضطراب
. أما تعريف الصحة النفسية حسب منظمة الصحة العالمية(WHO) فإنه يرى بأن ” الصحة لا تعني غياب المرض لكي تعني الدرجة القصوى من الصحة الجسمية والعقلية والاجتماعية للكائن البشري
تعد الصحة من المكونات المهمة للشعور بالهناء ، وهي بحق أحد عناصره الموضوعية ، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسعادة، ويشيع النظر إليها على أنها واحد من أسبابها الرئيسية. وقد تناولت بحوث كثيرة العلاقة بين الصحة والسعادة ، وبين تحليل كمي لنتائج هذه الدراسات أشارت إلى وجود معامل ارتباط متوسطه بين الإثنين . هذا الارتباط كان أقوى لدى النساء وذلك عند استخدام مقاييس الشعور الذاتي بالصحة ، وتكشف رابطة وثيقة بين المشاعر السلبية ومشاعر العناء وكمية القلق وبين سوء الصحة فالصحة النفسية ترتبط بالسعادة والطمأنينة سواء لدى الفرد بمفرده أو في علاقته بأقرانه أو علاقته بأفراد مجتمعه وهو الحال نفسه في ما يتعلق بالمرأة . وإذا أردنا أن نستعرض لبعض مفاهيم الصحة النفسية لوجدنا أنها حالة من الأحوال النفسية فالصحة النفسية شأنها شأن الصحة الجسمية يجب النظر إليها على أنها منتهى ما يسعى إليه الفرد من خلال سلوكه وتفاعله مع الحياة من حوله، وعلى هذا فهي منتهى طريق طرفه الآخر هو المرض النفسي .
الصحة الجسمية لا تقرر إلا بالأداء الإيجابي للجسم وأعضائه وبالقدرة على توظيف هذا الجسم لخدمة الفرد وتحقيق أهدافه مع الإحساس بالمتعة من جراء السيطرة على مقدرات هذا الجسم والاستخدام الإيجابي لها في الحياة اليومية.
ترى وجهات النظر النفسية المتعددة أن للصحة النفسية معان ومفاهيم وهناك تعريفات متعددة ومتفاوتة وفي هذا الصدد سنحاول أن نتناول ما يخص بحثنا هذا من خلال معرفة العلاقة بين تداعيات العنف وإرهاصاته المتنوعة بالصحة النفسية لا سيما أن الصحة النفسية هي حالة من أحوال النفس والجسد كما عبر عنها
يعرف ( القوصي) الصحة النفسية بأنها “التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة مع القدرة على مواجهة الأزمات النفسية العادية التي تطرأ عادة على الإنسان مع الإحساس الإيجابي بالسعادة والكفاية . ويضيف( القوصي) أن وظيفة الحياة النفسية بمختلف عناصرها هي تكيف المرء لظروف بيئته الاجتماعية والمادية وغايتها تحقيق حاجات الفرد، وهي تتحقق عادة بالتعامل مع البيئة ، وهذه البيئة متغيرة وهذا التغيير يثير مشكلات يقابلها الإنسان بحالات من التفكير والانفعال ومختلف أنواع السلوك . ولكن التغييرات التي تحدث ربما تكون شديدة لدرجة خارجة عن الحد الذي يقوى عقل الفرد في مقابلته والتكيف له. وتعرض بعض النظريات وجهات نظر متعددة عن الصحة النفسية ومنها :
نظرية أريكسونErikson تستمد أصولها من نظرية التحليل النفسي وتتميز عنها بإضافات جديدة ، ترى هذه النظرية التي وضعت ثمانية مراحل لحياة الفرد وتنطلق فكرة مؤسسها اريكسون أن الإنسان في كل مرحلة من مراحل نموه يواجه مشكلة أو مشكلات أساسية يجب أن يتم مواجهتها وحلها بنجاح حتى يتيسر له مواجهة وحل مشكلات المراحل التالية بعدها. وعرض (اريكسون) ثمانية مظاهر للصحة النفسية على مدى ثمان مراحل للنمو على النحو الآتي:
1. الإحساس بالثقة ، والمرحلة الملائمة لهذه الخاصية هي السنة الأولى من حياة الطفل
2. الإحساس بالاستقلال وتعني إدراك الطفل أنه كائن له إرادة خاصة به
3. الإحساس بالمباءة وهي خاصية تميز الصحة النفسية لدى الطفل في سن الرابعة والخامسة وتعني أيضاً القدرة على عمل أشياء يكتشف في ضوئها الأشخاص الذين يلقاهم.
4. الإحساس بالإنجاز ،وأن ما يميز الصحة النفسية لطفل المرحلة هذه الممتدة من السادسة وحتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة هو الإحساس بالإنجاز .
5. الإحساس بالهوية وتبدأ هذه الخاصية للصحة النفسية مع بداية المراهقة، وأن النجاح في الإحساس بالهوية هو علامة على الصحة النفسية في هذه المرحلة.
6. الإحساس بالود والتآلف وتتصف الصحة النفسية في هذه المرحلة في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة، أي بداية المراهقة المتأخرة.
7. الإحساس بالوالدية وتعني ما يتصف به الفرد من خصائص الصحة النفسية السابقة لهذه المرحلة بقدر ما ينمو لديه الإحساس بالوالدية .
8. الإحساس بالتكامل وتعني هذه الخاصية التي تميز الصحة النفسية اعتباراً من الرشد المتأخر في 45 سنة ، وفي هذه المرحلة يدرك الفرد بأن حياته هي مسؤوليته وحده وأنه مستعد للدفاع عن كرامته وقيمه وأهدافه في مواجهة ما يهددها
تعد الصحة النفسية دائماً وعبر كل المراحل الحياتية في حياة الإنسان من الطفولة إلى المراهقة إلى البلوغ ثم الشيخوخة متغيرا مؤثرا ومتأثرا ، وبلغة منهج البحث العلمي مستقلا مرة وتابعا مرة أخرى ولكنه لا ينفصل إطلاقا من قوة تأثيره على الفرد حتى وإن تغيرت الظروف أو تنوعت ، فهو يرتبط بالمرض النفسي حين تتدهور أحوال النفس ويرتبط بالتوافق السوي حين تتحسن ظروف الفرد ويتواءم مع بيئته .
وبينت الأبحاث الإكلينيكية بأن ما يمتلكه الفرد من استعداد نفسي مسبق للعدوان هو الأساس لسلوكه العنيف ضد الآخرين . وهذا الشخص لديه خبرات مؤلمة سابقة في العدوان الموجه نحوه ، وهو عادة واع أو مدرك لما مر به من خبرات مؤلمة سابقة ولكنه غير مدرك ما أحدثته عليه من آثار لكنه مدرك فقط بأن ما حدث في الماضي معه أو له
—