العلاقة بين المحافل الصهيونية في مصر والحركة الصهيونية
نشرت بواسطة:
كتب / الدكتور عادل عامر
يرتكز اليهود في بناء دولتهم المزعومة على مجموعة من المرتكزات الدينية والسياسية والعسكرية، ويستخدمون أجهزة العالم، و يسخر ونها في خدمة أغراضهم الصهيونية ، كما يسيطرون علي مجريات التعليم في بالدنا العربية، ونشر ثقافة الإلحاد، من خلال المذاهب الفكرية الهدامة، وكذا الجمعيات الصهيونية للقضاء علي الإسلام والمسيحية، كما أن لهم مطامع في بالدنا العربية من الناحية الاقتصادية: كاحتكار العملة وسحبها من التداول، وإغراق الدول في بحر القروض الذي لا ساحل له، والتحكم في شرايين التجارة الخارجية، وكذا الممرات المائية ، كقناة السويس وخليج العقبة ، والاستيلاء علي النقب، وقبضهم علي ناصية تجارة الهند والدول العربية وإفريقيا الشمالية والجنوبية، و يهدفون سياسيا إلي أن يحكموا العالم، مستخدمين في سبيل تحقيق ذلك العنف والرشوة والخيانة والنفاق والتجسس، وإحداث خلخلة وتفكك بين السلطات الحاكمة وشعوبها، و تتأثر سيطرة اليهود العسكرية بتوجيهات العهد القديم والتلمود، فيما يتصل بأساليب البطش والقتل والسرقة والغدر والاستعباد والأحراق بالنار.. إلخ
قدمت دول عربية مثل مصر وسوريا والجزائر وليبيا مساعدات عسكرية وأمنية للفصائل الفلسطينية في قتالها ضد الكيان الصهيوني. لكن المساعدات العسكرية بقيت محدودة جدا وفي حدود عدم استفزاز الانتقام الصهيوني.كانت الصهيونية، التي يُنظر إليها على أنها حركة تحرير وطنية لإعادة الشعب اليهودي إلى وطنهم تحت الحكم الاستعماري البريطاني، مناشدة للعديد من القوميين الهندوس، الذين اعتبروا نضالهم من أجل الاستقلال عن الحكم البريطاني وتقسيم الهند بمثابة تحرر وطني من أجل الهندوس المضطهدين لفترة طويلة.
من ناحية أخرى، خاضت دول عربية حروبا مع الكيان الصهيوني لم تكن مخططة، وكانت ارتجالية وفهلوية وأشبه ما تكون بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية. شنت الجيوش العربية البدائية عام 1948 حربا على دولة الكيان وفشلت فيها لكن ليس بسبب الفلسطينيين، بل لأن الجيوش العربية لم تكن مستعدة للحرب لا تنظيما ولا تدريبا ولا تسليحا، وكان عملها اعتباطيا.
خاضت دول عربية حروبا مع الكيان الصهيوني لم تكن مخططة، وكانت ارتجالية وفهلوية وأشبه ما تكون بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية. شنت الجيوش العربية البدائية عام 1948 حربا على دولة الكيان وفشلت فيها لكن ليس بسبب الفلسطينيين، بل لأن الجيوش العربية لم تكن مستعدة للحرب لا تنظيما ولا تدريبا ولا تسليحا، وكان عملها اعتباطيا
ووفق ما تشير إليه المراجع التاريخية، فإن بعض اليهود الذين كانوا يعيشون في بعض الأقطار العربية تركوا ممتلكاتهم طواعية خلف ظهورهم، في سبيل تحقيق حلم الهجرة إلى فلسطين التي أطلقوا عليها “أرض الميعاد”، وبشرتهم الحركة الصهيونية العالمية بأنهم سيشربون اللبن والعسل ويأكلون المن والسلوى فيها.
وفي ذات السياق، لعبت الحركة الصهيونية العالمية دورا كبيرا في تهجير اليهود من بلدانهم في المنطقة، وخاصة من مصر والعراق.يعيدنا ذلك إلى عملية “سوزانا”، وهي عملية تجسس وتخريب نظمتها المخابرات الحربية الإسرائيلية ضد أهداف أميركية وبريطانية، وضد ممتلكات اليهود أنفسهم في مصر عام ١٩٥٤ من أجل إجبارهم على الهجرة نحو إسرائيل.
يقول أستاذ الدراسات العبرية إبراهيم البحراوي “في الفترة من ٢٢ نوفمبر/تشرين الثاني إلى ١٥ مارس/آذار ١٩٥٦، غادر مصر طواعية ١٤ ألف يهودي إلى إسرائيل“.ويضيف أنه “بقي في مصر ٢٥ ألف يهودي هاجروا بأموالهم كاملة بين ١٩٥٧ و١٩٦٧، وذهب معظمهم إلى أميركا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين، وبقي عدة آلاف تقلصوا اليوم إلى عشرات من الأفراد“.
ونظرا لتعرضها لنفس ما تعرضت له الجالية اليهودية في مصر من مكائد دبرتها الحركة الصهيونية، ووفق وثائق رسمية عراقية، فقد هاجرت غالبية الطائفة اليهودية من العراق خلال عامي ١٩٤٩ و١٩٥٠ في عملية سميت “عزرة ونحمية
“.وما فعلته الحركة الصهيونية بمصر والعراق، فعلته بطريقة أو بأخرى في مختلف دول المنطقة، وذلك لتنشر الخوف بين اليهود وتجبرهم على ترك بلدانهم والاتجاه نحو إسرائيل، حيث نجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير، مستغلة جو الكراهية لليهود الذي ساد المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي على فلسطين.
شرعية التعويضات
أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملة دبلوماسية تزعم خلالها أن أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتناول أيضا مشكلة اللاجئين اليهود، وأنه يجب دفع تعويضات بالتساوي لكل اللاجئين سواء اليهود أو الفلسطينيين.
محاولات إسرائيل المساواة بين نزوح يهود مصر ودول عربية برغبتهم، وقد حمل معظمهم أموالهم بعد أن باعوا الأصول المملوكة لهم، وبين مأساة طرد الفلسطينيين وتشريدهم بالمذابح المخططة، محاولات فاشلة لا تنطلي على أحد
وفي ذات السياق، تروج إدارة الأملاك بالوزارة لمشروع قانون طرحته على الكنيست الإسرائيلي مؤخرا لأخذ موافقة عليه، حيث يطالب المشروع عشر دول عربية بتعويضات عن أملاك ٨٥٠ ألف يهودي، قيمتها ٣٠٠ مليار دولار مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود عام ١٩٤٨.
وفي مطلع فبراير/شباط ٢٠١٣ زارت السفيرة الأميركية آن باترسون إسرائيل وهي تحمل ملفا يتعلق بممتلكات اليهود في مصر والتعويضات المطلوبة لهم، وذلك لمناقشته مع الدوائر الإسرائيلية المعنية.وقد زعمت السفيرة المذكورة في تصريحات أدلت بها على هامش زيارتها لتل أبيب أنها صارت تمتلك الوثائق التي تثبت ملكية اليهود للمشاريع التي شيدوها في مصر، ثم طردهم منها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وادعت باترسون “أن الوثائق التي لديها أثبتت أن ما يملكه اليهود في مصر يجعلهم يعودون إليها مرة أخرى أسيادا“.
وقالت إن “التعويضات التي سيدفعها المصريون لليهود ستجعلهم يفلسون ويعجزون عن دفع أقساط قروض البنك الدولي، وإن البنك المركزي المصري سيصبح مفلسا“.
السفير الأميركية قالت كلاما آخر خطيرا في ختام زيارتها لتل أبيب لا يتسع المجال له هنا، إلا أن عموم ما قالته يشير بوضوح إلى أن ما يخططون له في واشنطن وتل أبيب أبعد من إعطاء اليهود العرب تعويضات يزعمون أنها مستحقة لهم في مصر ودول المنطقة، وإنما يمتد للتآمر وفق ما نراه جليا على مصر وعقيدتها، ونفس المنطق سيتعاملون به مع بقية الشعوب العربية.التعويضات التي تريد أن تحصل عليها تل أبيب من مصر على سبيل المثال، تقابلها عمليات نهب مارستها إسرائيل لثروات شبه جزيرة سيناء على امتداد أكثر من عشرة أعوام من الاحتلال، ولم تدفع إسرائيل مليما واحدا نظير ذلك لمصر.كما أن محاولات إسرائيل المساواة بين نزوح يهود مصر ودول عربية برغبتهم، وقد حمل معظمهم أموالهم بعد أن باعوا الأصول المملوكة لهم، وبين مأساة طرد الفلسطينيين وتشريدهم بالمذابح المخططة، محاولات فاشلة لا تنطلي على أحد.
المصالحة والوحدة
إن مخططات الإدارة الأميركية التي كشفتها التصريحات الخطيرة للسفيرة باترسون لتسخير المنظمات الدولية لخدمة تل أبيب وفرض عمليات جباية على العرب وإتاوات لصالح إسرائيل، ستجعل صانع القرار العربي في حاجة ماسة إلى أن يفيق من سباته العميق، وعلى الجماهير العربية أن ترى الخطر المحدق بالأمة وترتقي إلى مستوى المسؤولية من أجل وضع نهاية للأزمات المفتعلة التي باتت تعصف بأهم بلدان المنطقة العربية، وذلك حتى يتسنى للعرب مواجهة المخاطر الصهيونية الداهمة.
ما ارتكبته تل أبيب بحق أقطار في أمتنا العربية من جرائم يفوق الجرائم النازية، لكن الأبشع مما ترتكبه تل أبيب الآن، هو ما ارتكبناه ونرتكبه نحن كعرب بحق أنفسنا، عبر تناحرنا وتشتتنا وتفرقنا
إن ما ارتكبته تل أبيب بحق أقطار في أمتنا العربية من جرائم يفوق الجرائم النازية، لكن الأبشع مما ترتكبه تل أبيب الآن، هو ما ارتكبناه ونرتكبه نحن كعرب -شعوبا وقادة- بحق أنفسنا، عبر تناحرنا وتشتتنا وتفرقنا، وغياب الحكماء والمصلحين بيننا، وهو ما يحاول عدونا استثماره الآن.وبالتالي لا حل أمامنا كعرب لمواجهة التحرك الصهيوني الحالي للمطالبة بالتعويضات والتوجه إلى الهيمنة التامة على منطقة النيل والفرات عبر الاختراق الاقتصادي والسياسي والعسكري إن أمكن، إلا بالوقوف إلى جانب مصر لإخراجها من كبوتها الراهنة، ليس عبر تقديم الدعم الاقتصادي لها فحسب، لأن الأهم من هذا الدعم هو التدخل الفوري ومحاولة رأب الصدع بين أهلها، ووضع نهاية للمقتلة التي ترتكب بحقهم على أيدي أبناء جلدتهم.