كتب / الدكتور عادل عامر
الثورة السورية أو الأزمة السورية هي أحداث بدأت شرارتها في مدينة درعا، وبدأت بداية بكتابة شعارات مناهضة للنظام السوري على الجدر، ومنها: (جاك الدور يا دكتور)، و(الشعب يريد إسقاط النظام)، و(الله سورية حرية وبس)، فقام الأمن باعتقال خمسة عشر طفلًا إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011، وتم نقلهم إلى فرع الأمن العسكري وتعذيبهم. فتعرضوا للحرق وقلع الأظافر؛ وفي خضم ذلك كانت هناك دعوة للتظاهر على الفيس بوك في صفحة لم يكن أحد يعرف من يقف وراءها، استجاب لها مجموعة من الناشطين في حمص ودرعا ودمشق، فكانت هذه الاحتجاجات ضد الاستبداد والقمع والفساد وكبت الحريات، وإثر اعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرض لها أهاليهم تفاعلت صفحات الفيس بوك مع القضية وتظاهرات دمشق داعية الشعب السوري للتظاهر في (جمعة الغضب) في 18 /3 / 2011, وقد قام بعض الناشطين من المعارضة بدعوات على الفيس بوك، وذلك في تحد غير مسبوق لحكم بشار الأسد، متأثرين بموجة الاحتجاجات العارمة المعروفة باسم الربيع العربي التي اندلعت في الوطن العربي أواخر عام 2010م وعام 2011م، وخاصة الثورة التونسية والثورة المصرية، وكانت الاحتجاجات قد انطلقت ضد الرئيس بشار الأسد وعائلته التي تحكم البلاد منذ عام 1971م، تحت غطاء حزب البعث لعربي الاشتراكي تحت سلطة قانون الطوارئ منذ 1963. (قدور، 2014).
كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور في تصعيد الحراك الاحتجاجي في سورية وإنتاج القيم ورموز الثورة، ومن أشهر صفحات الثورة (كلنا حمزة الخطيب)، و(شبكة شام)، و(الثورة السورية ضد بشار الأسد)، و(أوغاريت نيوز)، و(فلاش)؛ واستطاع الناشطون من خلال وسائل التواصل عبر الفيس بوك والتوتير تنظيم الحراك الشعبي، وتوثيق الفعاليات من خلال اليوتيوب، وأصبحت المبادرات الشبانية لتنظيم الاحتجاجات نواة التنسيقات، فظهرت التنسيقيات التي نظمت عمل شبان الثورة في الداخل والخارج ومنها (الهيئة العامة للثورة السورية)، و(اتحاد تنسيقيات الثورة السورية).
مع اتساع رقعة التظاهرات جغرافيًا وديموغرافيًا، ومع تقسيم النظام المناطق الثائرة وحصارها ونصب الحواجز فيها، ظهرَ العوزُ لتنسيق العمل بين هذه التنسيقيات، خاصة تلك القريبة جغرافيا من بعضها، بهدف توحيد القوى في مواجهة الماكينة الإعلامية والعسكرية الضخمة للنظام، وكذلك لمناصرة التنسيقيات التي باتت محاصرة وبحاجة إلى الدعم، لا سيّما في مجال أجهزة البث والاتصال، وتمويل بعض النشاط؛ ثم بدأ التنسيق على مستوى أكبر من المناطق، وعلى هذا الأساس تشكلت أولى نواة التوحّد التنظيمي في ثلاثة تنظيمات متتابعة:
1- لجان التنسيق المحلية، أسستها الناشطة المغيبة رزان زيتونة ورفاقها في نيسان 2011، وضمت ما يزيد عن 80 تنسيقية.
2- اتحاد تنسيقيات الثورة السورية تأسس في 1 حزيران 2011، وضم 216 تنسيقية ومجلس وتجمع ولجنة محلية.
3- الهيئة العامة للثورة السورية، تأسست في 18 آب 2011، وألفّت (مجلسًا ثوريًا) يضم 37 عضوًا، من ممثلي التنسيقيات والحراك. (شربجي، 2008).
إضافة إلى انتشار ظاهرة إطلاق تسمية أيام الجمع من قبل شبان الثورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو للخروج إلى الساحات والاحتجاج، ومنها: (جمعة الغضب)، و(جمعة الفزعة والكرامة)، و(جمعة الإصرار)، (الجمعة العظيمة)، (جمعة الشهداء)، (جمعة الصمود)، و(أزادي _ الحرية)، و(جمعة أحفاد خالد بن الوليد). وانتشار شعارات تردد في التظاهرات، ومنها: (الشعب السوري ما بينذل)، و(خاين يلي بيقتل شعبه)، (وحدة وطنية إسلام ومسيحية)، (سلمية.. حرية.. حرية)، و(لا إيران ولا حزب الله)، (إسلام ومسيحية.. كلنا بدنا حرية)، و(وحدة وطنية.. لا إرهاب ولا سلفية). كما نشر الناشطون جرائم وانتهاكات قوات الأمن بحق الشعب السوري، ونشروا صورًا من اللجوء والغرق والجوع والقصف والتدمير والحصار والغارات الجوية، ووثقوا الجرائم المرتكبة بالصورة ومقاطع الفيديو، وانتشرت التظاهرات الافتراضية وحملات فيسبوكية تدعو لمقاطعة التجار ومحاربة الغلاء والعصيان المدني، فساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في مد الجسور والترويج لأفكار التغيير.
وظهرت صفحات ثورية في مواقع التواصل الاجتماعي تتسم بالفكاهة ومنها: (الثورة الصينية ضد طاغية الصين).
ومن الصفحات الداعمة للنظام السوري صفحة (الجيش السوري الإلكتروني)، ومهمتها اختراق صفحات المعارضة وتهديدهم ونشر أرقام هواتفهم ليتلقوا الشتائم، ولم تسلم من هجماتهم صفحة الرئيس أوباما والرئيس ساركوزي وميركل، حتى صفحة قناة الجزيرة، وقد طالت موقع الرسام علي فرزات.
ومن الصفحات المؤيدة للنظام صحيفة (شبكة دمشق)، وصفحة (الرئيس بشار الأسد)، ومن الاتهامات التي وجهتها لقناة الجزيرة بناء مجسمات لمدن سورية بغية تصوير تظاهرات ملفقة وصفحات تدعو للثورة القطرية.
صناعة الكذب
انتهج الإعلام السوري التابع للنظام سبلًا عديدة لغرض تضليل الرأي العام والمحلي والعالم، والإساءة للثورة وللاحتجاجات السورية، ومنها الادعاء بوجود مؤامرة عالمية على سورية، وتخوين المعارضة واتهامهم بالإرهاب عبر تسويق (بروباغندا الإرهاب)؛ “ولتعزيز تضليله استند النظام إلى نظرية “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية الهتلري المبنية على صناعة الكذب وتصديقه وفق مقولة “اكذب ثم اكذب فسيصدقك الناس”، مدعيًا _أي النظام_ أن كل التظاهرات السلمية وما رافقها من عنفه وقتله المتظاهرين “عبارة عن فبركة إعلامية تقوم بها أجهزة إعلام ومخابرات دولية مختصة تتآمر على سورية وخطها الممانع”. (آغي، 2018) واعتمد الحرب النفسية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً لتوهين الثوار والمعارضين والفصائل، وللتأثير في الحاضنة الشعبية واختلاق الأخبار الكاذبة، مترافقة مع استخدام الأرض المحروقة على أرض الواقع من قصف وتدمير وإبادة، واعتمد الإعلان المسبق عن سيطرة النظام على بعض مناطق المعارضة قبل حدوث السيطرة الفعلية عليها لنشر الإحباط بين معارضيه، وتوهين الشعور العام بين الحاضنة الشعبية للثوار.
بالمقابل فقد وقع إعلام الثورة في شرك الحرب النفسية، حتى أن بعض إعلاميها قد أعلنوا سقوط بعض المناطق قبل سقوطها، إثر تسريب إعلام النظام السوري أخبار السيطرة، كما عانى إعلام الثورة من عدم تحصين البيت الداخلي وعدم بناء استراتيجية إعلامية رصينة تنشر شائعات عن سيطرة المعارضة على بعض المناطق أو استعادة بعض القرى من النظام.
تعميق الذهنية الطائفية: عبر التسويق لفكرة أن الثوار عبارة عن متشددين من طائفة السنة تسعى لإقامة الدولة الإسلامية، واستئصال الأقليات، وأن الأسد هو الحامي الوحيد لمؤيديه لمصالحهم ووجودهم، وهو الضامن لبقائهم من الإرهاب من خلال جيشه والمليشيات الداعمة له على الأرض.
الهندسة الاجتماعية
شن قراصنة موالون للنظام السوري عدة هجمات يستهدفون فيها المعارضين العسكريين باستخدام برمجيات متطورة، وبرمجيات خبيثة، وهجمات تعرف بالهندسة الاجتماعية، بقصد خداع المعارضة وإبقائهم تحت المراقبة.
ووفقا لتقرير المؤسسة غير الربحية التي تتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقرًا لها، استخدمت الهجمات التي شنت على المعارضة موقع مشاركة الفيديو يوتيوب، وخدمة التخزين السحابي “دروب بوكس” إضافة إلى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بكونها أدوات للهندسة الاجتماعية، وذلك بهدف نشر برمجيات خبيثة (الجزيرة، 2013)، وأبقى النظام السوري إتاحة الوصول إلى المواقع الاجتماعية متوفرًا ولم تحجبها بغية تعقب مستخدمي الإنترنت من خلال نشر روابط تقوم بتنزيل برامج تجسس على أجهزة الحواسيب الخاصة بالناشطين السياسيين.
بالمقابل فقد نفذ مجموعة الهاكرز المجهولين بهجوم على موقع وزارة شؤون الرئاسة السورية، وسربت مئات الرسائل الإلكترونية المتضمنة أسماء الأشخاص المراقبين الذين يعدون مصدر معلومات للنظام.
وقامت مجموعة الهاكرز التابعة للجيش السوري الإلكتروني بهجمات خارجية عديدة طالت بعض مواقع وسائل الإعلام العربية والأجنبية، مثل صحيفة فايننشال تايمز، واختراق الفابير وإعلام الجيش الإلكتروني السوري اختراق عدة قواعد بيانات لمؤسسات تركية وسعودية وقطرية.