الانتهاكات الإسرائيلية لأحكام القانون الدولي الإنساني
نشرت بواسطة:
كتب /د. عادل عامر
بالرغم من وضوح موقف المجتمع الدولي وموقف القانون الدولي الإنساني من مسألة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تصر على الاستمرار في انتهاك أحكام القانون الدولي الإنساني بدلا من قيامها بواجباتها كدولة احتلال. بالإضافة إلى ذلك، تفرض دولة إسرائيل عقوبات جماعية علي الشعب الفلسطيني، فهي لا تحترم التزاماتها التعاقدية الموقعة عليها، بل تستمر في رفضها الالتزام ، التي تطالبها بوضع حد لانتهاكات حقوق بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان .
الإنسان واحترام التزاماتها كدولة محتلة تجاه المدنيين الفلسطينيين أنظر قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة انظر قرار تعليق اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية علي التقرير الأولي المقدم من إسرائيل عن الحقوق المشمولة بالمواد 1 إلى 15 من العهد 3 الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية فيما يتعلق بإعمالها لالتزامات تجاه تلك المواد من العهد وقد ورد نص هذا التعليق في الوثيقة /E22/1999 ؛ حيث تطبق هذه النصوص علي مواطنيها وترفض مد هذه الحماية للفلسطينيين والتي هي وفقًا للقانون الدولي ملزمة بحمايتهم.
وتتمثل انتهاكات القانون الدولي الإنساني والعقوبات الجماعية المفروضة علي الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ بداية الاحتلال، والتي اشتدت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر عام ،2000 لتصل إلى ذروتها منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا في النقاط التالية: – المخالفات الجسيمة: ترتكب دولة إسرائيل مخالفات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة وخاصة المادة 147 التي تعتبر كل من القتل العمد والتعذيب والتسبب المتعمد في معاناة كبيرة أو إصابات خطيرة للجسد أو الصحة من المخالفات الجسيمة. على سبيل المثال، فقد أفرطت ولا تزال القوات الإسرائيلية تفرط في استخدامها للأسلحة التي تلحق أذى وضرر شديد بالفلسطينيين من رصاص حي ومعدني مغلف بالمطاط، فضلا عن نوع الإصابات التي تعكس نية الجيش الإسرائيلي بحدوث إصابات قاتلة حيث تركز على الأجزاء العلوية من الجسم كالرأس والصدر خاصة أثناء الانتفاضة الثانية.
كما لا تزال تلك قوات تمارس سياسة القتل العمد عن طريق الاغتيالات والتصفية الجسدية، فضلا عن عدم احترام مبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية، التي تعتبر من أعمدة القانون الدولي الإنساني، ما يتسبب في سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم. وتعتبر هذه المخالفات الجسيمة من جرائم الحرب بحسب البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، وحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام .1998 – استهداف المدنيين يمنح القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للمدنيين كأشخاص محميين زمن الاحتلال حددتها لهم اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية.
وفي الحالات التي لا تندرج تحت تعريف المنازعات المسلحة الدولية، يتمتع السكان المدنيون بالحماية بموجب المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة. وتقوم هذه الحماية على واحد من أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني وهو مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين في العمليات العسكرية. ويتمتع السكان المدنيين بمكانة “أشخاص محميين” يحظر المس بهم وبممتلكاتهم. إن استهداف المدنيين وعدم التمييز بينهم “كأشخاص محميين” وبين المقاتلين وخاصة أثناء اجتياح المناطق السكنية التي تقوم خلالها قوات الاحتلال بالاستخدام المفرط وغير المشروع للقوة في عملياتها العسكرية، والتي تستخدم فيها أسلحة محرمة دوليا في مواجهة مواطنين عزل كاستخدامها للرصاص المتفجر من نوع “دمدم” يتنافي مع نصوص المادتين 27 و47 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 46 من قواعد لاهاي والمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على أن “تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية“. – سياسة العقاب الجماعي
تمارس قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة العقاب الجماعي التي تشكل انتهاكاً صريحاً لقوانين وأعراف الحرب وجريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني. تتمثل هذه السياسة في هدم البيوت، والاعتقالات الجماعية، وتقييد حرية حركة السكان والبضائع، وتدمير الممتلكات والمصانع والأراضي الزراعية، وإحداث الانفجارات الصوتية، وفرض الحصار الاقتصادي الخانق الذي يمنع وبشكل متعمد وصول إمدادات الغذاء والأدوية والوقود
. وتحظر المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تدابير العقاب الجماعي التي تتخذها دولة الاحتلال بشكل واضح ومباشر. كما أن المادة 50 من قواعد لاهاي تنص على ما يلي: “لا ينبغي إصدار أية عقوبة جماعية، مالية أو غيرها، ضد السكان بسبب أعمال ارتكبها أفراد. لا يمكن أن يكون هؤلاء السكان مسئولين بصفة جماعية”. كما نص البروتوكول الإضافي الأول على هذا الحظر تحت جميع الظروف في المادة 75 (2) (د). وقد نصت الكثير من المواد ذات الصلة، كالمادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة، على المسؤوليات الجنائية المترتبة على مثل هذه الأفعال. – سياسة الإغلاق والحصار تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإغلاق والحصار على قطاع غزة كمنهج متبع وذلك من خلال السيطرة على المعابر التجارية كإغلاق معبر رفح (المنفذ الوحيد لسكان القطاع)
ومنع المواطنين من السفر للخارج للعلاج وللدراسة، بالإضافة إلى منع دخول الأغذية والسلع والمواد الأساسية ومنع دخول الأدوية والأجهزة الطبية التي تحتاجها المشافي في علاج المرضي، مما يؤدي إلى نقص شديد في إمدادات المؤسسات الصحية من الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية اللازمة لعلاج ورعاية السكان المدنيين. ويتنافى ذلك مع ما ورد في المادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه من واجب دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به الوسائل التي تحت تصرفها على “”تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية …”و تندرج هذه السياسة أيضا تحت العقوبات الجماعية المحظورة في المادة 33 من نفس الاتفاقية السابق ذكرها
. – مصادرة الأراضي تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية بمصادرة أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم الخاصة والاستيلاء عليها وإقامة المستوطنات والمناطق الأمنية، مصادرةً لحق المواطنين في التملك دون وجود أسباب قهرية عسكرية بل بطريقة تعسفية وهذا يعتبر من المخالفات الجسيمة طبقا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر “تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية” والمادة 53 التي “تحظر علي دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير” ويخالف إنشاء المستوطنات مبدأً عاماً في القانون الدولي،
وهو أن قوة الاحتلال لا يمكنها تغيير طبيعة المنطقة التي تحتلها، باستثناء في الحالات التي تتطلبها الضرورة العسكرية الواضحة والطارئة، وفي حال أن تلك التغييرات من شأنها أن تفيد السكان الواقعين تحت الاحتلال. بالرغم من القرار رقم 446 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22 آذار عام 1979 والرافض لسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية باعتبار أن 9
‘بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عملا غير قانوني وخرقا فاضحا للأعراف والمواثيق الدولية’ ، إلا أن إسرائيل ومنذ احتلالها العسكري لقطاع غزة في عام 1967 لم تتوقف عن بناء المستوطنات الإسرائيلية ضمن نهج سياسي واضح من اجل السيطرة على الأرض الفلسطينية ومصادرها الطبيعية.
أما المادة 55 من أنظمة لاهاي فتحظر على دولة الاحتلال تغيير طابع ممتلكات الإقليم المحتل وطبيعته، إلا لاحتياجات أمنية ولما فيه مصلحة السكان المحليين. كذلك تتنافى سياسة الاستيطان مع الحظر المطلق الذي تفرضه المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على إبعاد أو نقل جزء من سكان قوة الاحتلال إلى الإقليم المحتل. – سياسة الهدم والتخريب إن إتباع سياسة تدمير وهدم البيوت والمباني العامة وتجريف الأراضي الزراعية والمزروعات، وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي وشبكة توصيل التيار الكهربائي تمثل دليلاً على ضرب إسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني بعرض الحائط، وخاصة أنه لا يمكن تبرير هذا التدمير بالضرورة العسكرية.
وقد أدى تدمير الممتلكات الخاصة والعامة إلى إلحاق ضرر فادح باقتصاد الأراضي المحتلة، مما ينعكس في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان بسبب الفقر والبطالة وما يترتب عليهما من انتهاكات لحقوق الإنسان. ويعد ذلك انتهاكاً فاضحا للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر مثل هذا الدمار إلا إذا اقتضت الضرورة العسكرية المباشرة والواضحة ذلك، وللمادة 147 التي تعتبر أنه من المخالفات الجسيمة “تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية”.
كما يحظر القانون الدولي الإنساني تدمير المزروعات والمحاصيل التي تشكل مصدراً لإعاشة السكان، حيث يورد الملحق الأول لاتفاقيات جنيف ما يلي: “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب ويحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل المواد الغذائية والمحاصيل والماشية والمناطق الزراعية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم أو لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء بقصد كما تتناقض الممارسات الإسرائيلية الحالية في 4 تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر. الأراضي الفلسطينية المحتلة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام .1996 فالمادة ( تنص على أنه “لا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة”.
كما تحظر المادة 5 من العهد “على أي دولة أو جماعة أو شخص مباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق والحريات المعترف بها في هذا العهد“. – الأضرار البيئية تضر الممارسات الإسرائيلية بالبيئة الفلسطينية من خلال فرض قيود على تطوير محطات المياه العادمة، وتجريف مكبات النفايات الصلبة أو حظر الوصول إليها، وكذلك منع البلديات من العناية بالصحة العامة من خلال تقليص كميات الوقود اللازمة للقيام بهذه المهمة الضرورية. ففي شمال قطاع غزة، يتم تصريف المياه العادمة في محطة بدائية للمجاري قرب المستوطنات المخلاة، مما يؤدي إلى إتلاف الأراضي الزراعية الفلسطينية، وتلويث آبار المياه المخصصة للشرب هذا بالإضافة إلى تلويث الخزان الجوفي في المنطقة، بحيث تصبح المياه غير صالحة للاستعمال الآدمي، وهي مشكلات منعت إسرائيل السلطات الفلسطينية راجع الملحق الأول لاتفاقيات جنيف المادة 54 من الفصل الثالث. 4 10 والمجتمع الدولي من حلها، حيث يشكل ذلك انتهاكاً للمادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على 5 ضرورة اتخاذ دولة الاحتلال التدابير الصحية واعتماد شروط الصحة العامة. – سياسة الإبعاد والنفي سياسة الإبعاد والنفي والنقل غير القانوني التي يعتبر من أقسى العقوبات الغير قانونية التي تنفذ بحق المدنيين الفلسطينيين والتي اعتمدت كوسيلة من وسائل العقاب التي ينفذها الاحتلال بحقهم.
وتمثل هذه السياسة خرقًا فاضحا للمادتين 49 و 147 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي نصت علي إنه : “يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه”. و يعتبر أيضاً جريمة حرب بموجب المادة الثامنة من ميثاق محكمة الجزاء الدولية، كما يمنع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سياسة النقل القسري للمواطنين. – سياسة الاعتقال التعسفي سياسة الاعتقال التعسفي والحرمان من الحق في المحاكمة النزيهة تدل على عدم احترام الشروط التي وضعتها اتفاقيات جنيف لمعاملة الأسرى والمحتجزين، والحظر المطلق للتعذيب. فالأوضاع التي يعيشها الأسرى والمحتجزون غاية في الصعوبة حيث يبقى معظمهم في خيام ويعانون من سوء التغذية وسوء المعاملة. كما يجري احتجازهم في سجون داخل إسرائيل،
مما يشكل انتهاكا للمادة 76 التي تنص على وجوب بقاء الأشخاص المحتجزين من الأراضي المحتلة في الأرض المحتلة. على الرغم من أن إسرائيل باعتبارها دولة احتلال ملزمة من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني باحترام وتطبيق أحكام هذا القانون، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة، حيث أنها صادقت على اتفاقيات جنيف الأربع بتاريخ ،1951/7/6 إلا أنها لا تزال ترفض الالتزام القانوني بتطبيق أحكام هذا القانون وهذه الاتفاقيات.
وهي لا تتجاهل فقط قرارات الأمم المتحدة التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة التي توجب إسرائيل باحترام واجباتها كدولة محتلة، بل إنها تستند في ذلك إلى موقف محكمة العدل الإسرائيلية العليا التي تدعم موقف حكومتها بقرارات قضائية ليست لها صلة بالقواعد القانونية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني. وخير مثال على ذلك هو القرار الذي اتخذته المحكمة يوم 28 يناير ،2008 حيث صادقت على تقليص إمدادات إسرائيل بالكهرباء والوقود إلى قطاع غزة، وأعلنت عن انتهاء الحكم العسكري الإسرائيلي (أي الاحتلال) للقطاع، وبذلك انتهاء مسئولية إسرائيل القانونية عن القطاع وسكانه، غير مكترثة بكون هذا القرار يندرج تحت سياسة العقاب الجماعي التي سبق أن وضحنا وضعها القانوني، ووضوح الإجماع الدولي وموقف القانون الدولي الذي يؤكد على استمرار السيطرة الفعلية والاحتلال، وبالتالي المسئوليات التي تترتب عليها. ويبقى سكان غزة معتمدين بشكل شبه كلي تقريباً على إسرائيل في توفير الوقود والكهرباء والعقاقير الطبية والطعام وغيرها من المواد الأساسية. لأن إسرائيل هي المورد الأساسي للكهرباء والغاز والمحروقات، وهي التي تتحكم بالمياه ومعالجة مياه الصرف. فضلاً عن أن إٍسرائيل تتحكم في شبكة الاتصالات بغزة، وسجل السكان، ورسوم الجمارك والضرائب. لمزيد من التفاصيل أنظر “على شفير الهاوية: تقرير حول آثار التلوث البيئي على حقوق الإنس