د. عادل عامر

الاطار القانوني للذكاء الاصطناعي

 كتب / الدكتور عادل عامر                                                                                                                                           

 نتاجا لما فرضه الواقع المعاصر من إنتشار هائل لنظم تکنولوجيا المعلومات التي تعتمد على البدائل الرقمية، مستغنية بذلک عن الکتابة على الورق. تحت الضغط الکبير لتغلغل تقنية المعلومات في مختلف مناحي الحياة، بدأت على الصعيد القانوني تصاغ العديد من التساؤلات ، ولا جدال على الإطلاق في أن أهم هذه الإختراعات في عصرنا الحديث جهاز الحاسوب أو الکمبيوتر، فمن إختراع هذه الآلة وتمازجها مع شبکات الإتصال، نتساءل عن کيفية حماية الحياة الخاصة في مواجهته ، وکيفية حماية برامجه مدنيا وجنائيا.

في الوقت الحالي، يتكيف النظام القانوني في مصر مع التعقيدات التي تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من أن التشريعات المحددة للذكاء الاصطناعي لا تزال في مراحلها الأولى، الا ان  القوانين الحالية، مثل قانون تنظيم الاتصالات (القانون رقم 10 لسنة 2003)، تحكم جوانب الذكاء الاصطناعي بشكل غير مباشر، ويتناول هذا القانون، الذي يركز في المقام الأول على خدمات الاتصالات، إدارة البيانات الرقمية، وهي عنصر أساسي في عمليات الذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب قانون حماية البيانات المصري (القانون رقم 151 لسنة 2020) دورًا حاسمًا في تنظيم الذكاء الاصطناعي، اذ يضع هذا القانون، الذي تم تصميمه على غرار اللائحة العامة لحماية البيانات  للاتحاد الأوروبي، معايير لخصوصية البيانات وأمنها، مما يؤثر بشكل مباشر على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتضمن كميات هائلة من البيانات الشخصية، حيث يفرض القانون الموافقة على جمع البيانات، وهو عامل مهم في وظائف الذكاء الاصطناعي، وخاصة في التطبيقات التي تواجه المستهلك. وتشير التقديرات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في مصر يبلغ 785 مليون دولار أمريكي وينمو بمعدل 17.18% سنويًا.

الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية

ان دمج الذكاء الاصطناعي مع حقوق الملكية الفكرية  يمثل تحديات قانونية فريدة من نوعها، حيث ان  أحد الاهتمامات الرئيسية  من هذ التدامج هو تحديد الملكية والسيطرة على المحتوى والاختراعات التي يولدها الذكاء الاصطناعي، ولكن قوانين الملكية الفكرية المصرية، مثل قانون حماية الملكية الفكرية (القانون رقم 82 لسنة 2002)، لا تتناول حاليًا بشكل صريح الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، مما يثير هذا الغموض بعض التساؤلات حول حقوق الملكية الفكرية، وأهلية براءة اختراع الإبداعات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وحماية الأسرار التجارية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

علاوة على ذلك، مع استخدام الشركات بشكل متزايد للذكاء الاصطناعي في العمليات الإبداعية أو المبتكرة، تزايدت الحاجة إلى تحديث قوانين الملكية الفكرية لاستيعاب دور الذكاء الاصطناعي ، وهذا يتضمن إعادة تعريف مفهومي التأليف والاختراع بما يتناسب مع سيناريوهات الذكاء الاصطناعي والتأكد من أن قوانين الملكية الفكرية تشجع الابتكار مع حماية الحقوق المشروعة، مع الأخذ في الاعتبار أن قضية الذكاء الاصطناعي وقانون الملكية الفكرية في مصر لم تُطرح قط أمام المحاكم المصرية.

حماية البيانات والخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي

تأتي حماية البيانات والخصوصية في مقدمة الاعتبارات القانونية المحيطة بالذكاء الاصطناعي في مصر،، ويتناول قانون حماية البيانات المصري (القانون رقم 151 لسنة 2020)، الجوانب المهمة لخصوصية البيانات التي تؤثر بشكل مباشر على أنظمة الذكاء الاصطناعي.

 يفرض هذا القانون مبادئ توجيهية صارمة لجمع البيانات وتخزينها ومعالجتها، وكلها جزء لا يتجزأ من عمليات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، ويجب على الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في مصر التأكد من امتثال أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لهذه اللوائح، لا سيما فيما يتعلق بتأمين موافقة المستخدم وحماية البيانات الشخصية.

غالبًا ما يتضمن تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات، مما يثير المخاوف بشأن خصوصية المستخدم وأمن البيانات.

وللامتثال بقانون حماية البيانات، يتحتم على الشركات تنفيذ أطر تنظيمية حاسمة لإدارة البيانات. ويشمل ذلك عمليات التدقيق المنتظمة، وسياسات معالجة البيانات الشفافة، وتدابير الأمن السيبراني القوية لمنع خروقات البيانات، والتي تعتبر ضرورية للحفاظ على ثقة المستهلك والامتثال القانوني.

الذكاء الاصطناعي في قوانين العمل والعمل

يشكل دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في سوق العمل المصري فرصًا وتحديات في الوقت نفسه، فمن ناحية، يمكن لقدرات الذكاء الاصطناعي على الأتمتة أن تعزز الكفاءة، ولكن من ناحية أخرى، تثير قلقًا بشان إزاحة الوظائف، حيث ان قانون العمل المصري  (القانون رقم 12 لسنة 2003) لا يتناول بشكل محدد آثار الذكاء الاصطناعي على التوظيف، وينبغي على الشركات أن تأخذ في الاعتبار العواقب الأخلاقية والقانونية لاستبدال أو استكمال العمل البشري بالذكاء الاصطناعي.

ان دور الذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرارات، والتوظيف والترقيات وإنهاء الخدمة يؤدى إلى تعقيدات وعوائق قانونية، ومن الضروري ضمان امتثال القرارات الصادرة من الذكاء الاصطناعي في مكان العمل لقوانين العمل الحالية، بما في ذلك عدم التمييز والمعاملة العادلة.

ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي في مصر، قد تكون هناك حاجة لإجراء تعديلات على قوانين العمل لمعالجة الفروق الدقيقة في الذكاء الاصطناعي في التوظيف، وضمان حماية حقوق العمال في عصر الأعمال الآلي.

الاعتبارات الأخلاقية والذكاء الاصطناعي في الممارسات التجارية

تعتبر الاعتبارات الأخلاقية ذات أهمية قصوى في نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشركات المصرية ،  اذ انه على الرغم من كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي، الا انه يمكن أن تعمل في بعض الأحيان بمثابة “الصناديق السوداء” مع عمليات صنع القرار التي لا تتسم بالشفافية، مما يثير مخاوف أخلاقية، وخاصة في حالات خصوصية المستهلك، وأمن البيانات، وتحقيق العدالة في عملية صنع القرار، ومن ثم يتحتم وضع مبادئ توجيهية أخلاقية للشركات في مصر لاستخدام الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.

 تلعب حوكمة الشركات دورًا حاسمًا في إدارة هذه التحديات الأخلاقية، ويجب على الشركات وضع أطر أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وضمان تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي ونشرها بشكل مُحكم ومسؤول، مع احترام حقوق الإنسان وكذلك الثقافة والمعايير الأخلاقية.

تحليل مقارن مع الأطر القانونية العالمية للذكاء الاصطناعي

اتخذت الحكومة المصرية خطوات واسعة في البحث في مجال الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على المجتمع والاقتصاد المصري، وفي عام 2019، أنشأت الحكومة المصرية المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي، المكلف بتطوير الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر.

وتكشف مقارنة النهج الذي تتبعه مصر في تنظيم الذكاء الاصطناعي مع الأطر العالمية عن أوجه التشابه والاختلاف، حيث تواجه البلدان في جميع أنحاء العالم تحديات مماثلة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، ويمكن لمصر أن تتعلم من  تجارب هذه البلدان.

فعلى سبيل المثال، يوفر قانون الذكاء الاصطناعي التابع للاتحاد الأوروبي إطارا شاملا يتناول الجوانب المختلفة لنشر الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تقييم المخاطر، والشفافية، وإدارة البيانات، ويمكن للإطار القانوني للذكاء الاصطناعي في مصر الاستفادة من مثل هذه الأساليب الشاملة، ومعرفة تكييف أفضل الممارسات العالمية مع السياق المحلي، ومن المرجح أن تنفذ مصر تشريعات معينة تتعلق بالذكاء الاصطناعي.

خاتمة:

مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في مصر، تزداد الحاجة إلى تحديث وتطوير الإطار القانوني والتنظيمي بشكل مستمر، مما يلزم مراجعة القوانين الحالية ووضع لوائح جديدة تتناول القضايا التي تنشأ من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن الضروري اعتماد نهج متوازن يجمع بين الدقة في التشريعات، الاعتبارات الأخلاقية، وأفضل المعايير العالمية لضمان تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي وللحد من المخاطر المرتبطة به

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...