اتفاق الرفقاء حول الحكومة الليبية

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                            

                                                                                                                      

أن هذا الاتفاق الجديد ليس سوى “بروتوكول حماية” لجأ إليه لحماية حكومته من كل الخصوم المحليين الذين زاد عددهم بعد انضمام خالد المشري إلى صف البرلمان الراغب في إزاحته من المشهد. ورأت فيه أطراف محايدة خطوة جديدة تعقد المشهد وترفع وتيرة الخلاف بين الأطراف المحلية وحلفائها الدوليين والإقليميين.

سوف يُعيد الاتفاق فرصة لخلط الأوراق، وستغتنم الطبقة السياسية هذا التغيير لتترسخ مجددا، وتناور لتمكِّن أفرادها من التمسّك بالمناصب الرسمية، مما سيحفّزهم لتعطيل عملية إجراء الانتخابات المرتقبة.

لقد تجنّبت المفاوضات الخوض في جميع الخلافات الجوهرية بين الأفرقاء المتنازعين في ليبيا، مثل الخلاف حول الجهة التي يجب أن تتولى قيادة الجيش الموحّد، وسبل تحقيق المساءلة عن الجرائم التي ارتُكِبت خلال حروب الأعوام الماضية.

 فبدلًا من بناء إجماع سياسي يكون حجر الأساس لحكومة موحّدة، استندت الآلية التفاوضية على آلية تصويت بالأغلبية في ملتقى حوار سياسي مؤلَّف من أربعة وسبعين عضوًا. والنتيجة هي أن الشخصيات الأربع التي اُنتخبت لقيادة السلطة التنفيذية الجديدة ليس لديها أي رؤية سياسية مشتركة. فالمصلحة المشتركة الوحيدة بينها تمثّلت في حشد الأصوات الضرورية للفوز في عملية الاقتراع، ما تطلّب البحث عن دعم أطراف محلية مختلفة. سوف يتعرّض كل مسؤول من هؤلاء الأربعة الآن لضغوط من هذه الأطراف المتناحرة كي يردّ لها الجميل من خلال تعيين أشخاص ينتمون لها في الحكومة الجديدة. عملية المحاصصة بهذا الشكل من شأنها أن تضرّ بقدرة السلطة التنفيذية الجديدة على الالتفاف حول هدف مشترك والعمل من أجله.

 افتقار الفريق الفائز في الانتخابات إلى قاعدة قوية وانتماء سياسي واضح قد يتيح له فرصة استقطاب الدعم من مجموعات مختلفة، بما في ذلك بعض الجهات الخاسرة في هذه العملية. ولكن هذا لا يعني أن السلطة التنفيذية الجديدة قادرة على تخطّي الانقسامات الليبية. كل ما يعنيه ذلك هو أن الفصائل المتخاصمة سوق تنتهز الفرصة لتقاسم مغانم الثروة النفطية الليبية، وتستعملها لتعزيز وزنها السياسي والمجموعات المسلحة التابعة لها، مثلما تعاملت مع الحكومات الليبية السابقة، ومنها حكومة الوفاق الوطني التي شُكِّلت في أواخر عام 2015.

الجانب الأكثر أهمية فيما يتعلق باصطفاف الأطراف المحلية حول السلطة التنفيذية الجديدة هو موقف خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على المناطق الشرقية والوسطى للبلاد. يتحدّر رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي من شرقي البلاد، وهو شخصية لم يدعم حفتر علنا ولم يقطع علاقاته معه. أما رئيس الوزراء دبيبة فيوصف بالانتهازية، ومن المحتمل أن يبحث عن آليات تسوية مع حفتر، الذي من جهته قد يحاول أن يستخدم الحكومة الجديدة للحصول على مصادر تمويل جديدة عبر تعيين حلفائه في مناصب حكومية.

 وفي ذات الوقت، لا يستطيع حفتر أن يقبل بسلطة هذه الهيئة التنفيذية الجديدة بشكل مطلق؛ فهو يحتاج إلى أعداء في غربي ليبيا للاحتفاظ على هيمنته على الشرق الليبي. قد يُبقي حفتر على موقف متناقض من السلطة التنفيذية الجديدة، بحيث يتحوّل من حين لآخر إلى العداوة العلنية، ويستغلّ مع هذا الفرص التي تتيحها له الهيكلية الجديدة بقدر المستطاع.

بعيدا عن هذه الترتيبات الهشّة، يستحيل عمليًا التوصل إلى اتفاق لتوحيد قيادة التشكيلات المسلحة في ليبيا. فالثقة غائبة، والتصدّعات التي أحدثتها الحرب الأخيرة عميقة. لن تقبل المجموعات المسلحة في غرب ليبيا بدور قيادي لحفتر، في حين أن الأخير متمسّك بمطالبته باستلام قيادة الجيش بمفرده، ويعتبره أمرًا غير قابل للتفاوض.

على نطاق أوسع، وبما أن العملية التفاوضية لم تؤدِّ إلى أي تقارب سياسي فعلي، فمن المرجح استمرار الانقسامات المؤسسية. وعند محاولة تشكيل الحكومة، سوف تصطدم آليات التوحيد بنفس المشاكل التي واجهتها الحكومة السابقة المعروفة بحكومة الوفاق الوطني. تستند خارطة طريق ملتقى الحوار على قيام مجلس النواب الليبي بمنح الثقة لحكومة الوحدة الجديدة.

 ولكن البرلمان منقسم ولم يلتئم بالنصاب المطلوب قانونًا منذ سنوات. غالب الظن أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب بشقّه الشرقي، سوف يستخدم من جديد، بعد الهزيمة التي ألمّت به، استراتيجيته القائمة على تعطيل المصادقة على حكومة لا يسيطر عليها.

 تجنّبًا لذلك، تُعوِّل خارطة الطريق التي وضعتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على ملتقى الحوار السياسي كخيار بديل لمنح الحكومة الثقة. ولكن قد يتعذر أيضًا التوصل إلى إجماع داخل الملتقى، لا سيما وأن الحكومة الجديدة لا تستطيع التوفيق بين المطالب الضيّقة للجهات الممثَّلة في الملتقى من جهة وبين الأفرقاء الآخرين الذين تسعى إلى استمالتهم من جهة أخرى.

وكان الطرفان أعلنا خطة لتوحيد الحكومة قبل نهاية العام من دون الكشف عن تفاصيلها، مما اعتبر إشارة واضحة لرغبتهما في الذهاب إلى خيار الحكومة الثالثة، مع استحالة توحيد الحكومتين المتنازعتين حالياً في بنغازي وطرابلس، ورفض المشري الاعتراف بقرار البرلمان الخاص بتشكيل حكومة فتحي باشاغا في مارس الماضي.

هذا التفكك المؤسساتي سوف يجعل ليبيا هشّة وعرضة للتأثر بسياسيات الأطراف الخارجية. كانت الفرصة سانحة أمام روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة لتخريب المحادثات لو أنها شعرت بأن نفوذها مهدَّده بقيام حكومة وحدة حقيقية تُعطي الأولوية للسيادة الليبية ومبادئ عدم التدخل. بدلًا من ذلك، سوف تستمر الفصائل المتناحرة داخل الحكومة الجديدة وخارجها في السعي إلى الحصول على الدعم من تلك القوى.

وحتى الآن، يصعب التنبؤ بردُّ الفعل المصري، نظرًا إلى أن مصر قدّمت دعمًا قويًا لصالح، وقد تجد أن مصالحها غير ممثَّلة على نحوٍ كافٍ في الحكومة الجديدة. ولكن بصورة عامة، سوف تسعى الأطراف الخارجية إلى الإبقاء على الانقسامات الليبية فيما تحصد المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تتأتى من الترتيبات المرتجلة لاستئناف الإنفاق العام.

في الوقت الذي كان اتفاق الرباط ومآلاته وآليات تنفيذه الشغل الشاغل لليبيين، وقع رئيس حكومة الوحدة في طرابلس ووزير دفاعها عبدالحميد الدبيبة، اتفاقي تعاون عسكري جديدين مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، اعتبرا رداً ضمنياً على المساعي الحثيثة من قبل البرلمان ومجلس الدولة لإقصائه من المشهد.

ونص الاتفاق الأول، بحسب بيان صحافي صدر عن المكتب الإعلامي للدبيبة، على “رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي بالاستعانة بالخبرات التركية في هذا المجال”، فيما تضمن الثاني بروتوكولات تنفيذية للاتفاق الأمني الموقع من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عام 2019.

في حين أن قاعدة النفوذ الضعيفة للحكومة الجديدة ستجعلها، على الأرجح، غير قادرة على التمسك بالسلطة لفترة طويلة، وستسعى الفصائل التي ستضمها الحكومة إلى تأجيل الانتخابات لأطول فترة ممكنة. هذا فضلًا عن أن الخطة الرامية إلى إجراء الانتخابات بحلول كانون الأول/ديسمبر 2021 سوف تصطدم أيضًا بعوائق كالخلاف حول الأساس الدستوري لإجراء انتخابات.

 وفيما لا يزال الالتباس يحيط بمصير الانتخابات، قد تعمد الأطراف في الشرق الليبي التي تعتبر تمثيلها في الحكومة الجديدة ليس كافيًا إلى تأجيج المشاعر الانفصالية المتنامية في شرق البلاد. وفي طرابلس، سوف تؤدّي المنافسة بين الأطراف والتشكيلات داخل مؤسسات الدولة، بما في ذلك القطاع العام، إلى احتدام التشنجات، مكررة بذلك نمطًا بات مألوفًا في غربي ليبيا منذ عام 2011. المعطيات الحالية لا تشير إلى أن حكومة “الوحدة” الجديدة في ليبيا سوف تتمكن من تجنّب هذين السيناريوين في الوقت ذاته.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...