كتب/د عادل عامر
تستورد مصر أكثر من 87% من استهلاكها من الزيوت من الخارج، بمراحل إنتاجية مختلفة، تتنوع بين استيراد بذور وعصرها وتكريرها، أو استيراد زيوت وتكريرها، أو الاكتفاء بمرحلة التعبئة فقط. من جانبه قال أسامة سعد جعفر، عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرفة التجارية، إن المصانع حول العالم لا تعمل بكامل طاقتها بسبب الارتفاعات التي شهدتها أسعار الطاقة خلال الفترة الماضية، وهو ما تسبب بالارتفاعات المتتالية في أسعار السلع.
لان ارتفاع أسعار السلع ناتج أيضا عن الزيادات الكبيرة في أسعار الشحن حيث ارتفعت من 1200 دولار إلى 12 ألف دولار خلال 3 شهور، بالإضافة إلى التكاليف الجمركية وكل تلك التكاليف تضاف على سعر في سعيها لمواجهة أزمة زيادة أسعار الغذاء والحد من تأثيرها السلبي على الفقراء، قامت الحكومة المصرية بتبني طائفة من السياسات تضمنت ثلاث مجموعات
الأولى مرتبطة بالأسعار للحد من تأثير صدمة الأسعار العالمية للغذاء على الأسعار المحلية من خلال زيادة دعم الغذاء وتحسين أساليب توجيه هذا الدعم لمستحقيه، وتخفيض معدلات التعريفة الجمركية وفرض حظر على صادرات الغذاء؛ أما الثانية فتتعلق بالدخل وتهدف إلى تعويض الفئات الأكثر تهميشا عن الدخل الضائع من خلال التحويلات النقدية والبطاقات التموينية؛ في حين تضمنت المجموعة الثالثة سياسات مرتبطة بالعرض تساعد على زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح.
وفي هذا الإطار، تهدف الدراسة إلى تقدير آثار التغيرات في الأسعار العالمية للغذاء على الأداء الاقتصادي الكلي في مصر، ومستويات الفقر وتوزيع الدخل، وكذلك إلى تقييم آثار مختلف خيارات السياسات التي قد تتخذها الحكومة لحماية الفئات الأكثر ضعفا من السكان دون تعريض الموازنة العامة للخطر. ومن الناحية التنظيمية،
و فاعليتها في التخفيف من حدة الفقر وتقدير تأثيرها على الأوضاع المالية العامة. بعد ذلك تقوم الدراسة بتقدير تأثير ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء على الأداء الاقتصادي الكلي في ظل سيناريوهات مختلفة للتدخل من خلال السياسات، يليه تقدير تأثير صدمة الأسعار العالمية للغذاء على الفقر وتوزيع الدخل في مصر في ظل ذات السيناريوهات يتوقف الأمن الغذائي لكل دولة على مواردها الزراعية المتاحة من مياه وطاقة وترب قابلة للزراعة. محدودية هذه الموارد تعنى أيضا محدودية الأمن الغذائي وحتمية اللجوء إلى وسائل تعظيم الاستفادة من المياه المتاحة باستخدام طرق الري المقنن الذى يخفض استهلاك وإهدار المياه إلى حدها الأدنى دون الإخلال بحماية الترب الزراعية وعدم تدهورها بسبب تراكمات الأملاح الموجودة في مياه الري والتربة والأسمدة الكيميائية وارتفاع البخر في دول المناخ الحار مثل مصر ونشع مياه البحر المتوسط على أراضي الدلتا.
وعالميا قارب العالم على استنفاد المياه المتاحة حيث يتم استهلاك نحو 3600 مليار م3 سنويا من إجمالي موارد العالم المائية التي تقل عن 4500 مليار م3. لذلك ومع الزيادة السكانية المتوقعة حتى عام 2050 بتجاوز عدد سكان العالم 9.5 مليار بدلا من 7.5 مليار نسمة حاليا ما يعنى حتمية زيادة إنتاج الغذاء عالميا بنسبة 60% ولكن من موارد مائية لا تزيد عن 30%، ما يعنى أن سياسات الزراعة القادمة ستكون إنتاج غذاء أكثر من مياه أقل، وبالتالي لابد من الإنفاق الجيد على البحث العلمي لإنتاج النباتات الجديدة الأقل في فترة مكوثها في الأرض والأقل استهلاكا للمياه وفى نفس الوقت تعطى محصولا أعلى، وهى عملية شديدة الصعوبة علميا وتتطلب قامات علمية متفرغة لهذا العمل.
لا نكتفى ذاتيا من الغذاء في مصر إلا من الخضروات والفاكهة بل بإنتاج أعلى كثيرا من متطلبات السوق بما يؤدى إلى انهيار الأسعار وخسارة المزارعين، وبالتالي ينبغي ضمان حد أدنى لأسعار مختلف صنوف الخضروات والفاكهة لتحديد حد أدنى لربح المزارعين ليحافظوا معه على الأراضي الزراعية كرأس مالهم ولا يفكرون في التخلص منها بسبب انخفاض ربحية العمل في القطاع الزراعي وتحوله إلى قطاع غير مربح يؤدى بصغار العاملين فيه إلى السجن بسبب تراكم المديونيات وخسارات الزراعة السنوية، بسبب انخفاض الأسعار أو السياسات الخاطئة من بعض الوزراء، أو لحاجة القطاع إلى إعادة الهيكلة وتنشيط الصادرات والالتزام بالقواعد العالمية في مواصفات سلامة الغذاء ونسب متبقيات المبيدات والأسمدة. فعلى سبيل المثال أدت سياسة وزارة التموين بعدم الإعلان عن أسعار استلام القمح من المزارعين هذا العام قبل موسم الزراعة بمدة كافية ليطمئن المزارع على سعر المحصول ودخله المتوقع، كما يحدث من عشرات السنين،
وبالتالي تسبب تأجيل إعلان السعر إلى إبريل القادم قبيل حصاد المحصول إلى تخوف المزارعين من تربص الوزارة بهم وفرضها لسعر إذعان منخفض للقمح لا فرار للفلاح من قبوله، أدى إلى هروب مزارعي القمح إلى زراعات الخضروات خاصة البطاطس والطماطم والبسلة والخيار والفلفل فانهارت أسعارها محليا لأنهم دخلوا إلى سوق مشبعة دون إرشاد زراعي يوجههم وتحملوا خسارات فادحة، وأعلنت وزارة الزراعة أن مساحة القمح المزروعة حتى الأسبوع الأخير من ديسمبر انخفضت إلى 2.1 مليون فدان بدلا من 3.3 مليون فدان في العام الماضي
وبالتالي ستخسر الدولة نحو 3 ملايين طن من القمح بما سيحمل الخزانة العامة للدولة أعباء استيراد كميات مماثلة، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجميع من جراء انخفاض أسعار الطماطم والبطاطس محليا وعدم تنشيط صادراتها، رغم أن مصر هي خامس أكبر منتج عالمي للطماطم ومن الدول الكبرى المنتجة للبطاطس، ومسكين الفلاح المصري الذى لا يجد من يوجهه أو يأخذ بيده بل يجد فقط من يحبطه ويتسبب في خسارته.
نسب الأمن الغذائي المنخفضة في مصر تقتضى إعادة هيكلة القطاع الزراعي لإنتاج المزيد من الغذاء وحسن استغلال التربة والماء، فليس من المقبول أن تنخفض نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 30% (نستورد 12 مليون طن) بسبب زيادة ربح المزارع من زراعة البرسيم عن القمح، ولا أن تنخفض في الفول إلى 30%، وفى العدس تنعدم زراعته حتى بعد ارتفاع أسعاره،
ولا أن تكون الأرض الزراعية خاوية صيفا، ومع ذلك نستورد 100% من احتياجاتنا من زيوت الطعام و70% من الذرة الصفراء (نستورد 8.6 مليون طن) وكلتاهما زراعات صيفية، بينما المساحات المحصولية تقتصر على زراعة الأرز في حدود 1.5 مليون فدان، والقطن في مساحة ربع مليون فدان وهو عالي استهلاك المياه ويفوق الأرز في استهلاكه لها، ثم للأسف نزرع الباقي بالذرة البيضاء التي لا سوق ولا حاجة لها سوى البيع في البلاجات والكورنيش كذرة مشوي واستبدالها بالذرة الصفراء وعباد الشمس وفول الصويا حتمي ويحقق الاكتفاء الذاتي منهما بزراعة 2.5 مليون فدان ذرة صفراء و1.5 مليون فدان صويا وعباد شمس خاصة أن كسبة الصويا تباع لمصانع مصنعات اللحوم والتي تستوردها بالكامل من الخارج وبسعر لا يقل عن ثمانية آلاف جنيه للطن، بالإضافة إلى أهمية كسبة الصويا والعباد ومعهما كسبة القطن في تصنيع الأعلاف الحيوانية والداجنة والسمكية، بينما وزارة الزراعة تعلن عن بوار 3 ملايين فدان من الأرض الزراعية في العروة الصيفية الماضية و4 ملايين فدان في العام السابق له بما يمثل علامة استفهام كبيرة.
أما عن العدس فالأمر لا يحتاج سوى لزراعة 100 ألف فدان منه شتاء لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه وكنا واحدة من أكبر الدول المصدرة له منذ ثلاثين عاما فقط، وهى مساحة يسهل تدبيرها، وتدبير نصف مليون فدان للاكتفاء الذاتي من الفول البلدي وسط منافسة شرسة شتاء مع البرسيم بشكل أساسي ثم البنجر والقمح لأن الفلاح- وهذا من حقه- يزرع لبهائمه قبل أن يزرع لنفسه لما تدره عليه من دخل يومي من بيع اللبن وتصنيع الجبن والزبدة، وبالتالي فالأمل في الأراضي الجديدة الأقل استهلاكا للمياه في التوسع الشتوي في هذه الزراعات.
أصبحت سياسات ترشيد استخدامات المياه حتمية تحسبا للاحتراز العالمي وتأثير مياه البحار المالحة على أراضي الدلتا ومنها الدلتا المصرية، ولإنتاج غذاء أكبر من مياه أقل وتتطلب إجراءات عاجلة سواء في نظم نقل المياه عبر الترع الطينية والرملية المكشوفة أو بتنظيم الري داخل الحقول.
إن إطعام سكان العالم -الذين يتزايد عددهم باستمرار- عن طريق زيادة إنتاج الغذاء دون تطبيق استراتيجيات استهلاك أكثر استدامة “بمنزلة تهديد مستمر للبيئة”، وفق الدراسة، لذا فإن السيناريو الموجه نحو النمو الاقتصادي، والذي يتجاهل التوزيع غير العادل للأغذية ويهدف إلى القضاء على الجوع عن طريق زيادة إنتاج الغذاء سيتطلب إنتاجًا غذائيًّا إضافيًّا بنسبة 20٪ تقريبًا، و48 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الإضافية، كما سيزيد من انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 550 مليون طن بحلول عام 2030.
تتمثل إحدى الطرق التقليدية لتلبية الاحتياجات الغذائية لسكان العالم الذين يتزايد عددهم بسرعة في زيادة إنتاج الغذاء من خلال التكثيف والتوسع في المجال الزراعي. لكن مُعدِّي الدراسة الحالية يعتقدون أنه سيكون لذلك تأثير سلبي على البيئة، مثل تلوُّث الهواء والماء، وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة انبعاثات غازات الدفيئة.
أن الجوع نتيجة مباشرة لعدم المساواة بين السكان في الحصول على الغذاء، وليس نتيجة نقص الإنتاج الزراعي بشكل عام، حتى داخل البلدان التي يتعايش فيها نقص التغذية مع السمنة. ويدعو الباحثون إلى فرض مزيد من القيود والضرائب على الأغذية غير الصحية، وسَن قوانين للحد من هدر الغذاء في بقايا الطعام. كما يمكن للاستخدام الأفضل للتنوع الزراعي أن يُسهِم في وجبات مغذية أكثر، وفي تحسين معيشة المجتمعات الزراعية، وفي توفير أنظمة زراعية أكثر مرونةً واستدامة. ويتيح منح الأولوية لمعالجة الفقر، وعدم المساواة في الدخل، والحصول على الغذاء الكافي تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وكانت الأمم المتحدة قد وضعت أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر SDGs)) في عام 2015 من أجل تغيير إيجابي للطريقة التي يعيش بها سكان العالم، من أجل خلق مستقبل أفضل بحلول عام 2030.